6/6 : يداك أوكتا وفوك نفخ

نشر في 30-06-2017
آخر تحديث 30-06-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم بداية، عيدكم مبارك، وعساكم من عواده، وتقبل الله طاعتكم.

غادرنا شهر الخير قبل أيام، حاملاً معه واحدة من أكثر صفحات خليجنا العربي مرارة وحرقة، وهي المتمثلة بالمواجهة المباغتة بين أطراف خليجية شقيقة جرت في ذات فجر من رمضان.

وشاء قدرنا في الكويت من خلال قيادتنا، المتمثلة بسمو أميرنا، وإرثه التاريخي في الدبلوماسية وإرث الكويت بالأدوار التوفيقية وإصلاح ذات البين العربي، أن تجد بلادنا نفسها في عين العاصفة، لكن من موقعها كوسيط تآلف لا حليف تخالف، ولسان حالها كما يقول المثل "إن طمّنتها للِّحية وإن رفعتها للشارب"! فللمرة الأولى منذ انطلاقة إعلان مجلس التعاون قبل حوالي 40 عاماً، تتواجه ثلاث دول خليجية مع رابعة خليجية أيضاً، وجميعها تنتمي لذات النسيج الذي صنّعه بناة المنظومة الأولون، فكان لابد من مرجعية للصلح، وتم الإجماع العالمي على الكويت للعب ذلك الدور الذي لا غنى عنه في مثل ظرف مرير كهذا.

الدور التصالحي له موجبات واستحقاقات في طليعتها عدم إعلان الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، حتى تتضح الرؤى، وتستتب أمور الصخب بين الأطراف المتنازعة، مهما كانت درجات التعاطف مع أي منهما؛ رؤية أو موقفاً أو توجهاً.

الغريب والمستغرب هي الحملة الظالمة من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من أبناء الخليج وهم يهاجمون الكويت، بادعاء أن موقفها "ضبابي"، وعدم اصطفافها العلني مع طرف ضد الطرف الآخر يعني حيادية غير مستحبة! ويعلم أصحاب هذه الحملة أن على الكويت أن تختار بين دور الوسيط الساعي للتصالح أو دور المحارب، الذي يختار جانباً مع أحد أطراف النزاع، ليزيد النيران اشتعالاً، وينحرف بالأحداث إلى مآلات لا يعلم مداها إلا الله.

الكويت سبق أن انكوت بنيران الغزو العراقي الآثم، وعرفت قيمة البيت الخليجي وتماسكه حين احتاجت إلى هبَّته لنجدتها. وعليه، فإنها أكثر الأطراف هلعاً من احتمالية انهيار ذلك البيت، كنتيجة لتصاعد الأزمة الراهنة، وتشعب مساراتها، وما يحمله ذلك الاحتمال الكريه من مخاطر على كيانات دول الخليج، وخاصة الصغيرة منها، وذلك بعد أن غدت المنظومة الخليجية محط إعجاب العالم في خضم التجارب التعاونية والوحدوية الفاشلة عربياً، وكذلك محط حسد الكثيرين لدول الخليج التي تماسك بنيانها في وجه ترددات ما سُمي بـ"الربيع العربي"، الذي أصبح خريفاً على الجميع، لذلك نأمل إنصافنا من بعض إخوتنا في الخليج فيما تقوم به بلادنا من دور مأمول لرأب الصدع الفتاك، وأن يعتبروا موقفنا حجة لنا لا علينا.

يروى في أثر العرب، أنَّ قوماً كانوا بجزيرة في البحر، وكان دونها خليج من ذلك البحر، فأتى قوم يريدون أن يعبروا إليهم، فلم يجدوا وسيلة للعبور سوى نفخ أسقيتهم (قرب مائهم)، ليعبروا عليها، وكان معهم رجل عمد إلى سقائه، فأقَلَّ النفخ فيه، وأضْعَفَ الإيكاء (رباط رأس القربة)، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبقَ في القربة هواء، وأوشك على الغرق، وغَشِيه الموت، فنادى رجلاً من أصحابه: يا فلان، إني أكاد أهلك، فقال صاحبه: ما ذنبي؟ "يداك أَوْكَتا وفوك نفَخ"، فصار قوله مثلاً، نرجو ألا يقع بنا اليوم إن لم نحسن نفخ قربة الخليج ونشد إكاءها، لنعبر لجة البحر بأمان.

***

أستأذن القارئ الكريم بغياب هذه الزاوية حتى بداية سبتمبر المقبل، في إجازة صيفية، آمل ألا تعكرها مجريات الأحداث.

back to top