الفضيلة والنقيصة

نشر في 28-06-2017
آخر تحديث 28-06-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي في زمن الإنترنت ومحركات البحث وصغر العالم وتواصله ليل نهار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وفي زمن تداخل الحدود بين الكثير من المفاهيم الحياتية والفلسفية، أين تراها تكمن الحدود الفاصلة بين الفضيلة والنقيصة؟ في ردّه على هذا التساؤل يرى الكاتب والفيلسوف الألماني "مارتين زيل-Martin Seel" أن "الفضائل والرذائل هي ميزات بشرية أو مثالب... إنها صفات مرتبطة بشخصيات أناس يظهرونها، خيراً أم شراً، في أفعالهم ومواقفهم... ومع ذلك ليس ثمة ما هو بريء، فالفضائل والرذائل يتداخل بعضها في بعض، حيث تكون عاملاً حاسماً في تقييم ما نفعل وما نحجم عن فعله" ص11، ولأن الأمر يرتبط أولاً وتالياً بالمسلك البشري الخاص، فإن هذه الفضائل أو الرذائل تختلف من شخص إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ومن بلدٍ إلى آخر. بل إن التقييم الاجتماعي لأي فعل إنساني يلعب دوراً رئيسياً في تلوين أي فضيلة أو رذيلة.

يحصي الكاتب زيل في كتابه "111 فضيلة، 111 نقيصة"، الصادر عن دار كلمة- أبوظبي، بترجمة نبيل الحفار ومراجعة مصطفى السليمان، 111 صفة إنسانية يرى أنها تشكّل مجموعة كبيرة من الخصال الإنسانية، وأنها "تهدف إلى الوصول إلى فهم معاصر للعلاقات بين الفضائل والرذائل، أي فهم قدرتها في عصرنا على إرشادنا أو أغوائنا". ص13

الكتاب يتناول فضائل كالنزاهة، ورحابة الصدر، والدقة في المواعيد، والفطنة، والاتزان، والعفة، ورقة الشعور، كما يتناول رذائل كالطيش، والوقاحة، والجشع، والتهكم، والتطرف، وهو في مجمل هذه الصفات يظهر الوجه الحسن لكل فعل إنساني كما يعري الوجه السيئ له. ولكن الخطر يأتي من تلك المناطق الرمادية الواقعة بين الطيب والخسيس انطلاقاً من القناعة والحكم الشخصي، وذلك بناء على المصلحة الشخصية، وكم يبدو صعباً الحكم عليها بعين الحياد والموضوعية.

إن التعليم بالدرجة الأولى، وتالياً تطور العلم ولحين اندلاع ثورة المعلومات ومواقع شبكة الإنترنت، لعبا دوراً مهماً في تغيير فكر الإنسان، وانكشافه على عوالم أبعد بكثير من بيئته الاجتماعية. وبالتالي حصل ويحصل ما يمكن أن يُطلق عليه بالتصادم الأخلاقي. فما يراه الأميركي أمراً عادياً، ينظر إليه شخص في الهند أو مصر بغير ذلك. وإذا كان هناك فعل فاحش يستوجب القتل في بلدٍ ما، قد لا يعني شيئاً لدى إنسان في بقعة أخرى من العالم. ومن هنا يأتي واحد من أكثر المخاطر التي تعيش بيننا اليوم، وهو تشتت البعض بين الفضيلة والرذيلة، وإصدار أحكام قاسية بحقها.

ومن النقاط المهمة التي يثيرها الكاتب هو الوجه الآخر الخفي للفعل السيئ، فيقول في الوقاحة: "ثمة نعت على كل حال لا يمكن أن يُلصق بالوقح: أنه لا يشارك في الرياء. إن منْ لا يخجل، ولا يجد نفسه بالغ التهذيب لأن يجهر برأيه مرةً، لأن يرفض الخنوع لأسياد مزيفين، يبرهن على حرية داخلية لها قيمتها لا شك في ذلك، عندها، وعندها فقط، تصبح "الوقاحة" صفة إيجابية". ص25

وبناء على مثل هذا الفهم للكامن خلف الفعل الإنساني الفض أو السيئ، يمكن النظر إلى صعوبة إصدار حكم قاطع حيال سلوك إنساني بعينه. فكل إنسان له قاموسه الخاص بقناعاته حيال السلوك الإنساني، وعادة ما يكون هذا القاموس الشخصي مرتهنا إلى التربية والأسرة والتعليم والتجربة الحياتية والمجتمع. وبالعموم فإن الأحكام الشخصية بقدر ما فيها من الموضوعية فيها من الشخصانية. وقلة أولئك الذين يمتلكون النزاهة، في تقييم مسلك الآخر مقارنة في مسلكهم. فعدد كبير يدين الآخر لفعل اقترفه، ويقف صامتاً حيال إدانة الفعل نفسه إذا ارتكب هو الفعل نفسه.

بالرغم من وضوح الحدود بين الخطأ والصواب أحياناً، فإن للمسلك الإنساني وجوهاً عدة، ولأنه كذلك يصعب جداً الحكم بموضوعية عليه.

back to top