Heal the Living... قصة مفاجئة تعكس واقع الحياة

نشر في 27-06-2017
آخر تحديث 27-06-2017 | 00:00
طاهر رحيم وغابين فيرديه في لقطة من الفيلم
طاهر رحيم وغابين فيرديه في لقطة من الفيلم
ينجح Heal the Living الاستثنائي بقصته، والخارج عن المألوف ببنيته، والمعدّ بميل غريزي إلى الروابط العاطفية، في التأثير فينا بعمق من دون أن يلجأ إلى المغالاة.
يكشف Heal the Living، الذي أخرجته الفرنسية كاتيل كيليفيري وشاركت في كتابته، الإبداع الناجم عن الجمع بين الإخراج البصري الماهر والسرد العميق المؤثر ووضع ذلك كله في خدمة قصة تتّخذ تطوراتها منحى مفاجئاً.

صحيح أن الممثلين الفرنسيين البارزين طاهر رحيم وإيمانويل سينيه يؤديان اثنين من أدوار Heal the Living الرئيسة، إلا أنه يظلّ فيلماً جماعياً، بما أنه لا يتتبع قصة فرد بل قلب بشري فعلي. في هذه القصة التي استوحتها المخرجة بالتعاون مع جيل توران من رواية مشهورة، نرى الشاب المراهق صاحب القلب، والمرأة البالغة التي قد تحصل عليه، وفريقَي الأطباء اللذين يحاولان إتمام عملية الزرع هذه.

مع أن الفيلم يتضمن بعض اللمحات المؤثرة عن الماضي، إلا أننا نتعرف إلى شخصياته على التوالي عندما يحين وقتها في السرد، ما يعزّز طاقة الأحداث المتعاقبة. أما الرابط الوحيد الذي يجمع بين الشاب والمرأة ويشكّل الخط الذي يوحّد أجزاء الفيلم معاً، فيبقى أولئك الأطباء الذين لا يصوّرون كملائكة بل كأناس عاديين على غرار الجميع في Heal the Living، أناس يسعون إلى أن يواجهوا بأفضل طريقة ممكنة التحديات التي لا مفر منها في الحياة.

نلتقي بادئ الأمر سيمون البالغ من العمر 17 سنة (غابين فيرديه) في المدينة-المرفاً «لو هافر» وهو يتسلل في الصباح الباكر خارجاً من غرفة حبيبته في المدرسة الثانوية جوليت (غالاتيا بيلوجي). لا يميل سيمون، الذي يحب ركوب الدراجات الهوائية ويهوى كل ما في هذه الرياضة من نشاط وحيوية، إلى المخاطرة، بل يحمل في داخله حماسة مفرطة ويعشق الاستمتاع بالحياة.

طريقة بصرية استثنائية

يستقل سيمون مع اثنين من أصدقائه حافلة صغيرة ويتوجهون للاستمتاع بركوب الأمواج في الصباح الباكر. صحيح أن ركوب الأمواج، التي يصوّرها توم هاراري بإبداع (على غرار سائر مشاهد الفيلم)، تحمل خطراً كبيراً كرياضة، إلا أن المشكلة التي يواجهها سيمون لا تحدث في الماء بل على طريقة العودة.

نتيجة للحادث الذي يتعرّض له والذي يصوَّر بطريقة بصرية استثنائية، ينتهي به المطاف إلى مستشفى محلي، حيث نراه ممدداً فاقد الوعي جراء ضرر كبير أصاب دماغه، ما يجعل احتمال تعافيه معدوماً.

هنا يأتي دور فريق المستشفى: أولاً الجراح البارز بيار (بولت لانير) بشكله المشعث وهدوئه بل اهتمامه الواضح، ثم الطبيب المختص توماس، الذي يهتم بمسألة وهب الأعضاء ويؤدي رحيم دوره بحساسية مقنعة، علماً بأن هذا الممثل وصل إلى النجومية الفرنسية مع فيلم جاك أوديار المختلف تماماً Un Prophete.

يظهر في هذه المرحلة والدا سيمون المضطربان والمشوشا الذهن: أولاً والدته ماريان (سينيه المذهلة)، ثم والده فنسنت (مغني الراب الفرنسي كول شين)، الذي يلوم نفسه لأنه عرّف ابنه إلى رياضة ركوب الأمواج.

بما أنهما يرفضان أن يصدقا أن ابنهما الموصول إلى آلات ولا يزال يبدو حياً، مات دماغياً، يُرغمان على مواجهة بيار الذي يقول لهما بكل بساطة: «إنها الحقيقة وعليكما سماعها».

يأبى والدا سيمون التفكير حتى في وهب الأعضاء بادئ الأمر. إلا أنهما يعودان إلى المنزل ليتأملا هذه المسألة، وهما يعلمان أن الوقت الذي يظلّ فيه جسم ابنهما قادراً على إنقاذ حياة أناس آخرين محدود.

هنا تنضم إلى القصة كلير (الممثلة الفرنسية الكندية آن دورفال)، امرأة باريسية يزداد قلبها الضعيف ضعفاً. نلتقي الأشخاص المهمين في حياتها، مثل ابنتها، عازفة البيانو (أليس تاغليوني) المقربة منها، والفريق الطبي الذي ستعمل معه في حال حصلت على قلب جديد.

جدية

يجعل عرض حبكة Heal the Living بهذه الطريقة أسلوب إخراجه أكثر جدية مما هو عليه فعلاً. تتبع كيليفيري منطق المشاعر بقدر ما تلتزم بتسلسل السرد، ما يمنح فيلمها السينمائي الثالث هذا إحساساً مذهلاً بالإلحاح ويبقيه متحفزاً لعرض القدرات الكامنة كافةً في كل مشهد.

لعل أبرز مثال على ذلك المشهد المعدّ بإتقان الذي نعود فيه إلى اللحظات التي بدأت فيها علاقة سيمون وجوليت. ربما يبدو ظهور هذا المشهد في الفيلم عشوائياً، إلا أنه ليس كذلك. على العكس، يحتل مكانه المناسب ليولّد الحد الأقصى من فيض المشاعر. يُعتبر العمل بهذه الطريقة طبيعة ثانية بالنسبة إلى كيليفيري. ولهذا السبب، يحقق Heal the Living نجاحاً كبيراً إلى هذا الحد.

back to top