عبد الفتاح القصري... حزين أضحك الملايين (8 - 11)

الدنيا لمّا تضحك

نشر في 23-06-2017
آخر تحديث 23-06-2017 | 00:05
قرّر عبد الفتاح القصري أن يترك «فرقة الريحاني» بسبب صدمته في حب «أمينة شكيب». غير أنه لم يجد سبباً وجيهاً يقدّمه للريحاني ليعتذر عن عدم الاستمرار في الفرقة. كان لا بد من وجود سبب يتعلّق بالعمل نفسه، وبينما كان يفكر في الأمر، وجد الفنان فوزي الجزايرلي يرسل في طلبه، ودهش من إلحاحه، وازدادت دهشته عندما لبى طلبه والتقاه:
* أنت بتقول إيه يا أستاذ فوزي... أنا؟

= أيوا أنت. هو الأخ مش برضه مشخصاتي؟

* ما قولناش حاجة... بس مسرح مش سينما.

= وهي تفرق في إيه؟

* أيو. في المسرح أقف على الخشبة أمام الجمهور.. ولكن في السينما دي أقف قدام إيه؟

= هتقف قدام الكاميرا... والكاميرا زي الجمهور.

* بس أنا ماعرفش حاجة عن السينما دي.

= ومش لازم تعرف. أنت هتمثل كأنك واقف على المرسح... ما لكش دعوة بالكاميرا... وبعدين أنت تسيب نفسك ليا ولِّي أقولك عليه تعمله.

رغم الجدل الذي دخل فيه القصري مع فوزي الجزايرلي، فإنه كاد يطير فرحاً بالعرض، إذ تعد السينما نقلة نوعية كبيرة في مشواره الفني، خصوصاً بعدما سبقه مثله الأعلى نجيب الريحاني إليها رغم أنه لم يحقّق فيها النجاح المطلوب. لكن ما المانع من أن يخوض هو التجربة، فمن المؤكد أنه سينتقل بعدها نقلة مختلفة تماماً، وفي الوقت نفسه سيأخذه الفيلم خلال هذه الفترة من مسرح الريحاني، بعيداً عن مواجهة أمينة شكيب.

بدأ فوزي الجزايرلي بتصوير فيلم «المعلم بحبح» الذي كتب قصته وأخرجه وجسد دور «المعلم بحبح»، إلى جانب ابنته إحسان الجزايرلي التي جسدت دور «أم أحمد»، فيما أدى عبد الفتاح دور «المعلم أحمد»، وشاركتهم العمل الراقصة سامية جمال.

تدور أحداث الفيلم حول «المعلم بحبح» الذي يشتري تذكرة «اليانصيب» من أحد ركاب الحافلة التي يعمل فيها «كمسارياً» وتفوز. غير أنه يتذكر أنه أخفاها في إطار صورة في منزله، فيعود لإخراجها وصرفها، لكنه يكتشف أن زوجته باعت الإطار. بمساعدة صديقه «المعلم أحمد» يجد عملاً في أحد أستوديوهات السينما، وهناك يعثران بالمصادفة على الإطار الذي أخفى فيه التذكرة.

الحب من أول فيلم

في ليلة افتتاح الفيلم، جلس عبد الفتاح القصري في دار العرض، يشاهد نفسه لأول مرة على الشاشة، وهو يكاد يطير فرحاً، خصوصاً عندما بدأ الجمهور يشير إليه باعتباره أحد الأبطال.

رغم التردّد الذي انتاب عبد الفتاح القصري من خوض تجربة السينما من خلال «المعلم بحبح»، فإنه وقع في غرامها بعدما شاهد رد فعل الجمهور على الفيلم، ولمس مدى الشهرة التي تحققها السينما، وذاق لأول مرة طعم النجاح الحقيقي رغم عشقه للمسرح وحبه سماع تصفيق الجمهور. شجعه ذلك على خوض التجربة الثانية له في السينما من دون تردد، عندما عرض عليه فوزي الجزايرلي المشاركة في «أبو ظريفة» من إنتاج وتأليف وإخراج مشترك بين الجزايرلي والمصور الفيزي أورفانيللي.

أدّى الجزايرلي دور البطولة، وشاركته ابنته إحسان الجزايرلي، إلى جانب عبد الفتاح القصري، ونرجس شوقي، وحسن فايق، وجبران نعوم، وحسن راشد، وسعيد المصري، وعرض الفيلم في 15 أكتوبر 1936.

جاء نجاح عبد الفتاح في تجربته السينمائية الثانية لافتاً، ليس للجمهور فحسب، بل الأهم أنه لفت أنظار العاملين في الوسط الفني والقيمين على الصناعة الوليدة، فكان أول من هنأه صديقه ومثله الأعلى نجيب الريحاني:

= ماشاء الله واضح كده أن صحتك جت على السينما.

* هاهاها... واخد بالك.

= طبعاً لك حق بتضحك وجاي متأخر عن المعاد زي نجوم السيما... وزي ليه ما أنت بقيت واحداً منهم ومش عارفين نكلمك.

* العفو يا أستاذ. هو في بينا الكلام ده... وبعدين إحنا نروح فين جنب أبو الكشاكش.

= اديك رحت وقلت عدولي... ابعتلك تلات مرات علشان أعرف أشوفك؟

* أبدا ولله... أصلن نازلين تصوير في البروفات على الفيلم الجديد.

= طب يا سيدي ربنا يوعدنا. شوف بقى يا سي عوبد... باعتبارك رجل خبرة في السينما دلوقت... كنا عايزين نستعين بخبراتك السينمائية الكبيرة في تجربة كده على أدها لأخيك العبد لله.

* سيما. أهو كده. خللي الدنيا تحلو.

= طب يلا حضر نفسك هنسافر الأسبوع الجاي باريس علشان هنصور الفيلم هناك.

* لا سفر لا. أنا مستعد أمضي معاك عقداً بعشرة أفلام... بس هنا بلاش سفر.

= حيلك حيلك. هو فيلم واحد... وهتسافر ورجلك فوق قفاك.

بعد مناورات ومحاورات وتهرب من عبد الفتاح، واجهها إلحاح من نجيب، وافق عبد الفتاح على السفر إلى باريس، غير أنه دخل حجرته في المركب ولم يخرج منها إلا عندما وصل إلى ميناء مارسيليا، وبدأ بعد أسبوعين تصوير فيلم «بسلامته عايز يتجوز»، قصة وسيناريو بديع خيري وحواره، (كتب السيناريو والحوار بالفرنسية ماكس هراري)، وإخراج ألكسندر فاركاش. وأدى البطولة كل من نجيب الريحاني، وعزيزة أمير، وعبد الفتاح القصري، وزينب صدقي، وحسن فايق، وبشارة واكيم، ومحمد الديب.

دارت أحداث الفيلم حول «كشكش بك»، عمدة كفر البلاص، رجل مزواج يكلف سكرتيره «عزت» بالبحث له عن عروس من القاهرة، ثم يلحق به عندما يوفق في اختيارها. لكنّ عريساً آخر، يتفق مع عزت على عرقلة إتمام خطبة العمدة بالطرائق شتى، وفعلاً تنجح الخطة ويعود العمدة إلى بلدته.

في هذا العمل، لم تكن ثمة رغبة في صناعة سينما حقيقية، بقدر ما كان الهدف استغلال شهرة نجيب الريحاني وشخصيته «كشكش بك»، ما كان سبباً في فشل الفيلم.

أثّر فشل الفيلم في نجيب الريحاني سلباً، حتى أنه قرّر ألا يعود إلى السينما ويكتفي بالمسرح، على عكس عبد الفتاح القصري الذي لم يثنه الفشل عن المضي قدماً في طريق السينما التي عشقها. ما إن عاد من باريس حتى انتظم مجدداً في تمرينات الفيلم الجديد الذي كان يستعد فوزي الجزايرلي لتقديمه بعنوان «مبروك»، قصة فؤاد الخولي، وسيناريو وحوار وإخراج فوزي الجزايرلي وبطولته، وشارك معه كل من إحسان الجزايرلي، وزينب شكيب، وعبد الفتاح القصري، ومحمد الديب، وسلوى علام، وحسين المليجي، وسيد سليمان، وأمينة نصحي.

قدّم عبد الفتاح دور «أحمد» ابن المعلم «بحبح» وزوجته «أم أحمد»، وهي شخصية متناقضة تماماً مع شخصية القصري الحقيقية، فهو شاب يعمل في البحرية، بعدما عاد من أوروبا، يعشق الحرية والحياة العصرية، وينجح في أن يجعل من أسرته أسرة عصرية شكلاً ومضموناً.

عرض الفيلم في 2 ديسمبر 1937، وحقّق نجاحاً كبيراً، قرَّب عبد الفتاح إلى جمهور السينما بشكل أكبر.

فيما كان «مبروك» يُعرض بنجاح في دور العرض، بدأ أستوديو مصر بتصوير «لاشين» الذي كتبه الشاعر أحمد رامي، والمخرج أحمد بدرخان، وأخرجه فريتز كرامب، وقام ببطولته كل من حسين رياض، وحسن عزت، ونادية ناجي، فكان الفيلم أضخم إنتاج شهده «أستوديو مصر» آنذاك منذ افتتاحه، على المستويات كافة، سواء في الديكورات أو الملابس أو عدد الفنانين المشاركين. بعد انتهاء التصوير، صعُب على أحمد سالم هدم الديكورات التي تكلفت مبالغ باهظة، فقرّر استغلالها في تصوير عمل آخر، على أن يكون كوميدياً، كي لا يتماس مع «لاشين»، وطلب من بديع خيري كتابته، فكتب له فيلماً كوميدياً بعنوان «هلال ونجمة» أحداثه مستوحاة من حكايات «ألف ليلة وليلة».

وجد أحمد سالم أن اسم «هلال ونجمة» سيكون ثقيلاً على فيلم كوميدي، فغيَّره إلى «شيء من لا شيء» وأسند إخراجه إلى أحمد بدرخان، الذي اختار لبطولته نجاة علي، وعبد الغني السيد، وقدما فيه تسع أغانٍ، لحنها زكريا أحمد، وشاركهما في البطولة كل من عبد اللطيف جمجوم، وفؤاد شفيق، وإبراهيم عمارة، وحسن البارودي، وزينات صدقي، وحسن كامل، والسيد بدير، ومعهم الممثل الذي وقع بدرخان في عشق أدائه الطبيعي غير المتكلف عبد الفتاح القصري.

نجح الفيلم، الذي يحمل رقم 90 في تاريخ السينما المصرية الروائية الطويلة، وتفوّق على «لاشين» في الإيرادات.

عودة إلى الحبيب

بعد نجاح الفيلم، عاد عبدالفتاح القصري إلى بيته الأول المسرح، تحديداً في فرقة الريحاني، ليقدم معه إحدى أكثر الروايات المضحكة بعنوان «لو كُنت حليوة». اقتبسها الريحاني وبديع خيري عن كوميديا فرنسيَّة بِعنوان «بيشون» لِلكاتب جان فيليكس ديلوتراز، وسلّط الريحاني فيها الضوء على نظام «الوقف» في مصر لِيُبرهن أن إدارة الأوقاف توزع إيراداتها بِطريقةٍ مريبة، وجسّد فيها شخصية كاتب حسابات يدعى «شحاتة أفندي»، فيما أدى عبد الفتاح القصري دور «تاجر دجاج» يعمل لديه شحاتة أفندي في البداية قبل أن ينتقل للعمل في إحدى دوائر الوقف. حقّقت المسرحية نجاحاً فائقاً، بلغ معه نجيب الريحاني وفرقته مكانة رفيعة بين الفنانين المصريين، بل ولدى الجمهور. حتى أنه دُعي لِتقديم عرض في مناسبة عيد ميلاد الملك فاروق، لتكون فرقته أول فرقة مصرية تدخل إلى القصر الملكي، ولم يصدق القصري عينيه، عندما وجد نفسه وجهاً لوجه أمام الملك، فعقد لسانه ولم يستطع أن ينطق، لولا أن لكزه الريحاني بقوة في ظهره، فكاد يقع على الأرض، ما أثار ضحكات عالية، ثم انطلق القصري في دوره ونال تصفيق الملك والأسرة الحاكمة.

بعدها، شارك القصري مع فرقة الريحاني في الرواية التالية بعنوان «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، وهي كوميديا خفيفة تعتمد على مواقف وشخصيَّات مغلوطة، وتقول فكرتها الأساسيَّة إنَّ النساء كاذبات بالفطرة. ثم قدّم بعدها مسرحية «استنَّ بختك»، وفيها حوَّل الريحاني دفَّة الهُجوم إلى السياسة الداخليَّة والمُعاملات التجاريَّة المشبوهة في مجالات الصناعة والتجارة النامية. لاحقاً، شارك مع الفرقة في مسرحية «الدلوعة»، التي تصوِر فساد الجهاز الإداري وبيروقراطية صغار الموظفين وتعنّتهم، وفي أثناء عرض المسرحية، مرض الريحاني بشدة فنُقل إلى المُستشفى، وكان أول من زاره بعد صديقه المقرب بديع خيري، الصديق الثاني عبد الفتاح القصري، الذي حرص على أن يزوره مرتين يومياً، صباحاً ومساءً، بناء على أوامر نجيب الريحاني:

* قولّي بقى... هم الحكما وصفولك عبد الفتاح القصري صباحاً ومساء مع العلاج ولا إيه؟

= هاهاها. تعرف يا عوبد... إن أنت الممثل والإنسان الوحيد اللي بيضحكني.

* أتاريك مستحلي القعدة في المستشفى. ماتيلا بقى فضها سيرة أنت بقيت ما شاء الله زي الحصان أهو.

= الله أكبر على عينك.

* ما تخافش. أنا عيني حولة ما بتحسدش. صحيح يلا بقى المسرح وحشنا يا أخي. ومن غيرك مالوش لازمة.

= خلاص يا سيدي راجعين إن شاء الله. بس سينما مش مسرح.

* صلاة النبي أحسن. ده وش العروسة الجديدة.

= الله... أنت عملتها تاني.

* قول تالت... حتة بلطية... ما فيش منها ولا أعالي البحار. بس لسه فاضل على الحلو دقة.

= الأكادة يا ابن الإيه أنت بتقع كل وقعة أنقح من أختها... ماعرفش بتجيبهم منين دول... وأنا بشرفي لو ست ما بص في خلقتك لحظة... مش أقع في هواك.

* ده قصر ديل... غايته وهنعمل إيه في الفيلم ده؟

= دورك في الحياة... بلطجي وحرامي ونصاب.

* هاهاها.. حلوة دي.

= بس بشرط تقلع الجلابية اللي قارفنا بيها في المسرح والسينما دي.

* ما هو لا بد منها... أنت مش بتقول بلطجي وحرامي... ولا أبوكاتو.

= هو ما فيش بلطجية وحرامية لابسين أفندية... غير يا تيلم ما تخليش الجمهور يزهق منك.

ما إن تعافى نجيب الريحاني حتى بدأ بتصوير فيلم «سي عمر» من تأليفه وإنتاج «أستوديو مصر» بمشاركة بديع خيري، وإخراج نيازي مصطفى. شارك معه في البطولة إلى جانب عبد الفتاح القصري، ميمي شكيب، وزوزو شكيب، وسراج منير، ومحمد كمال المصري، وماري منيب، وعبد العزيز أحمد.

يعمل جابر موظفاً في عزبة «عمر الألفي»، ويُطرد من وظيفته بعدما يكتشف الكثير من التلاعب والتزوير، وخلال سفره إلى القاهرة بحثاً عن عمل يقع في أيدي اثنين من النصابين هما «عبد المجيد ساطور» و»كوارع» يجرانه معهما إلى عالم السرقة. تقوده المصادفة البحتة إلى منزل عائلة عمر الألفي، ويظنّ أفراد الأسرة  أنه ابنهم «عمر» الغائب منذ فترة طويلة نظراً إلى التشابه الكبير بينهما، فيستغل اللصان ذلك لسرقة أموال الأسرة. لكن جابراً يقف لهما، ولعم عمر، بالمرصاد للحفاظ على ثروته.

نجاحات وأحزان

أخرج نيازي مصطفى نحو ثلاثة أرباع الفيلم. انتهى من المشاهد الخارجية لكنه اختلف مع إدارة أستوديو مصر، فترك التصوير وتولى نجيب الريحاني استكماله، خصوصاً مشاهد القصر الداخلية، والتي جاءت تحمل ملامح الإخراج المسرحي، ذي المنظر الواحد.

حقّق الفيلم نجاحاً كبيراً، ونجح عبد الفتاح القصري في لفت أنظار الجمهور، حتى أصبح يناديه في الشارع «المعلم ساطور»، فقرّر الاحتفال بهذا النجاح على طريقته بإتمام زواجه بفريدة، وهي فتاة من أسرة ميسورة الحال كانت تعيش في حي المنيرة، الذي يقع بين حي عابدين الراقي وحي السيدة زينب الشعبي.

كان الزواج فاتحة خير على عبد الفتاح، فبدأت العروض تنهال عليه. قدَّم في عام 1940 «حياة الظلام»، قصة محمود كامل حسن المحامي، وسيناريو وحوار أحمد بدرخان وإخراجه، وبطولة أمينة شكيب، ومحسن سرحان، وروحية خالد، وفردوس محمد، وفؤاد شفيق، ومنسي فهمي، وأنور وجدي، وعبد الحميد شكري.

بعد انتهاء تصوير الفيلم كان أحد أكثر الأعمال الميلودرامية التي شهدتها السينما المصرية، وانتهى باستقرار البطل في مستشفى الأمراض العقلية. لذا ما إن بدأ عرضه، حتى اعترض الجمهور على النهاية وأحجم عن مشاهدة الفيلم، لذا عدّلها المخرج وأضاف لقطات جديدة تزور فيها «راوية»، ابنة عم البطل، الأخير في المستشفى، ثم يتماثل للشفاء ويخرج معها. من ثم، قبل الجمهور النهاية، والفيلم.

بعده قدّم القصري فيلم «مصنع الزوجات»، قصة فهيم حبشي وسيناريو وحوار نيازي مصطفى وإخراجه، وبطولة كوكا، ومحمود ذو الفقار، ودولت أبيض، وأنور وجدي، وإحسان الجزايرلي، وعبد العزيز خليل، وماري منيب، وعبد الوارث عسر، وليلي فوزي، وثريا حلمي. ثم فيلم «انتصار الشباب»، سيناريو أحمد بدرخان وإخراجه، وقصة بديع خيري وحواره، وبطولة فريد الأطرش، واسمهان، وفؤاد شفيق، وأنور وجدي، وماري منيب، وبشارة واكيم، وحسن فايق، وستيفان روستي، وعبد السلام النابلسي، وعلوية جميل، وسامية جمال. وقدَّم بعده الدور الثاني في البطولة من خلال فيلم «لو كنت غني»، مع كل من بشارة واكيم، وإحسان الجزايرلي، ومحمد الديب، ويحيى شاهين، وثريا حلمي، وسميرة كمال، وسعاد حسين، من تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج هنري بركات، وإنتاج آسيا، استوديو «ناصيبيان». تلاه فيلم «المتهمة»، من بطولة آسيا وإنتاجها، قصة فتوح نشاطي وحواره، وسيناريو هنري بركات وإخراجه، بمشاركة زكي رستم، وزينب صدقي، ويحيى شاهين، وعبد العزيز خليل، ومحمود رضا، وفردوس محمد، وسامية فهمي.

بعد ذلك، اختاره المخرج كمال سليم لبدور «مدبولي سبع الليل» في فيلم «أحلام الشباب»، قصة وسيناريو يوسف وهبي، وحوار بديع خيري، وبطولة فريد الأطرش، وتحية كاريوكا، ومديحة يسري، وماري منيب، وحسن فايق، وعباس فارس.

الوصية الأخيرة

في ظل النجاحات الكبيرة التي كان يحققها عبد الفتاح القصري، عادت الأحزان لتهاجمه بقوة من خلال تداعيات خلفتها الحرب العالمية الثانية على المنطقة. ورغم أن مصر لم يكن لها فيها «ناقة ولا جمل»، فإن الحرب ألقت بظلالها على أشكال الحياة في البلد بشكل قاس، تحديداً على التجار الذين كسدت تجارتهم، وخسر كثيرون منهم أموالهم، وكان والد عبد الفتاح القصري أحد هؤلاء فسقط مريضاً.

علم عبد الفتاح الخبر من شقيقه محمد، وسارع إلى زيارة والده، الذي أبدى رضاه عنه، بعدما علم بما وصل إليه ابنه، وأوصاه بالاهتمام بوالدته وشقيقيه، ويبدو أنها كانت الوصية الأخيرة، إذ فارق الرجل بعدها الحياة، كأنما كان في انتظار رؤية عبد الفتاح ليخبره بأنه راض عنه.

لم يعد عبد الفتاح إلى منزل العائلة بعد رحيل والده، بل ظلّ يعيش في بيته، وصار يزور والدته كل ليلة، بعدما أصبحت تعيش مع ابنها محمد وزوجته، بعد زواج شقيقته بهية. كذلك تكفَّل بنفقات البيت، بما في ذلك مصاريف شقيقه الذي أصبح يعمل أجيراً في أحد محلات الذهب، بعدما كان تاجراً مع والده، وقرّر أن يرسل إليه راتباً شهرياً يكفل له العيش في المستوى نفسه الذي كان يعيش فيه في ظل ثروة والده. كذلك قرّر لشقيقته راتباً شهرياً كان يرسله إليها والدها أيضاً قبل وفاته. ورغم أنه لم يحب يوماً العمل في مهنة صياغة الذهب، فإنه وعد شقيقه بأن يعمل جاهداً من أجل استرداد محل والدهما.

البقية في الحلقة المقبلة

فوزي الجزايرلي فتح باب السينما أمام القصري من خلال «المعلم بحبح»

القصري وقع في غرام السينما ففتحت له ذراعيها

القصري سافر مضطراً إلى باريس من أجل «بسلامته عايز يتجوز»

والد القصري أبدى سعادته ورضاه عما وصل إليه ابنه وأوصاه قبل رحيله
back to top