التفجيرات... أعظم صور الجهاد!

نشر في 22-06-2017
آخر تحديث 22-06-2017 | 00:15
 خليل علي حيدر "الوضع الجهادي" الراهن في رأي التكفيريين من مقاتلي التنظيمات الإسلامية السلفية الجهادية لا يستدعي موافقة الحاكم والسلطات، بل ولا حتى موافقة الوالدين! ينقل "خالد المشوح" في كتابه "التيارات الدينية في السعودية"، بقية الشبهات الثلاثين للأفكار التكفيرية، ومنها "الشبهة" أو الفتوى الجهادية رقم 18 التي تقول: "الجهاد ليس من خصائص الدولة ولا يصح اشتراط إذن الحاكم فيه، بل اشتراط وجود الإمام وإذنه مذهب الرافضة، ولا يقول باشتراط إذن الإمام إلا جاهل أو مداهن مغلوب على أمره، بل نص العلماء في جهاد الدفع على خروج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، والدائن دون إذن دائنه". (ص48).

وهكذا يحرر فقهاء الجهاد التكفيري أتباعهم من كل شرط وقيد، ومن كل حاجز اجتماعي!

19- يستخدم التكفيريون كلمة "الكفار" لوصف غير المسلمين بمن فيهم المسيحيون واليهود، ويطلقون الكلمة لأسباب سياسية تحريضية على وجه الخصوص للقوات الأميركية والغربية في "الجزيرة العربية" وأماكن أخرى. يقول الكتاب: "الكفار الموجودون بيننا لا عهد لهم، لأن من أعطاهم العهد ليس له أهلية بذلك لردته وخروجه عن الإسلام"، فالحكام كفار سمحوا بالدخول والإقامة لكفار!

وبالطبع لا يبخل هؤلاء التكفيريون بوصف بقية المواطنين المسيحيين بالكفر وعدم الانتماء، حتى لو كانوا موجودين في بلاد الشام ومصر، قبل المسلمين بمئات وآلاف السنين. ومن المؤسف أن بعض فقهاء ورجال الدين المسلمين كذلك، ممن يصفون أنفسهم بالوسطية والاعتدال، يصفون المسيحيين كذلك بالكفار، في كل مقالاتهم وخطبهم وكتبهم!

ولا أدري ما ستكون ردة فعل مسلمي إنكلترا وفرنسا وأميركا إن وصفهم رجال الكنيسة والقساوسة هناك بالكفار في أجهزة الإعلام وخطب الكنيسة!

الفتوى رقم 20 تحاول تبرئة العناصر الإرهابية من دماء رجال الأمن والشرطة، ممن يتصدون لهجماتهم ويحاولون حماية المدنيين والناس العزل والمنشآت، ففتاوى التكفير تعتبر رجل الأمن "صائلا"، أي مهاجما معتديا، ولا بد من "دفع الصائل"!

تقول الفتوى 20: "مواجهة رجال الأمن هي من باب دفع الصائل، إذ لا يجوز للمجاهد أن يسلم نفسه للطواغيت ليعذبوه ويمنعوه من الجهاد، فإذا صالوا عليه فيجوز بل يجب أن يواجههم بكل ما يستطيع، وإن قُتل دون نفسه فهو شهيد، وإن قتل منهم أحدا فلا حرج عليه لأنه يدافع عن نفسه".

فيتحول التكفيري بإرهابه إلى "شهيد" يدخل الجنة، مهما كان عمله بشعا ومهما كان عدد ضحاياه من المدنيين، ولا حرج عليه أن يقتل ما يشاء من رجال الأمن، "لأنه يدافع عن نفسه"!

الشبهة رقم 21 تلاعب سياسي بالعواطف الدينية، غير أنه استغلال واسع الرواج والانتشار. وتقول: "النصوص تدل على أن الجهاد هو الحل الوحيد لمشاكل الأمة وفي تركه الذل وتسلط الأعداء، وقد جربت الأمة المفاوضات والسكوت والخنوع قرونا طويلة فلم نر إلا زيادة وتسلط الأعداء يوما بعد يوم". (ص49)

ومثل هذا الحديث مزاعم شعبوية عاطفية، وكلام يؤخذ منه الكثير ويترك القليل، ولكن لا يشك أحد أن التكفيريين آخر المدركين لأسباب التراجع والتخلف وآخر المؤهلين للنهوض بالعالمين العربي والإسلامي في ظل "القاعدة" و"داعش" فما الذي تم حله من مشاكل شمال إفريقيا والعراق وسورية وأفغانستان وغيرها عبر هذا "الجهاد" كي يعتبره أي عاقل "الحل الوحيد لمشاكل الأمة"؟

22- يجب عدم ربط التحرك العسكري الشعبي بالحكومات "يجب أن يكون الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، وليس من أجل مصالح الحكومات ووفق سياساتها". هل يمكن لدول عربية وإسلامية سكانها بعشرات ومئات الملايين أن تترك مصالحها الاقتصادية ومسؤوليتها الدولية وحياة شعوبها رهناً بيد التنظيمات الجهادية المغامرة؟ ما مصير 400 مليون إنسان في العالم العربي أو 1600 مليون في العالم الإسلامي بما يحتاجون إليه من غذاء ودواء وتصدير واستيراد ومساعدات تكنولوجية ومكافحة أوبئة وإعانة في حالات الكوارث وغيرها، إن أصبحت هذه الدول تحت رحمة أنظمة تستلهم "القاعدة" و"داعش" وتلتزم بالجهاد الدائم ضد الكفار؟ ومن قال إن جهاد هذا الجماعات، والقائم على التكفير والتفجير يجعل "كلمة الله هي العليا"؟

23- لا ينفع مع الكفار إلا القتل! ويضيفون أن "آية السيف (وقاتلوا المشركين كافة) التوبة (36)، نسخت جميع آيات التعامل مع الكفار بغير القتل أو الجزية أو الإسلام، والمنسوخ لا يجوز العمل به". الناسخ والمنسوخ في الآيات القرآنية موضع جدل، وحتى سيد قطب، على مكانته في أدبيات التكفير والجهاد، لا يعترف بالناسخ والمنسوخ كما هو معروف وثابت عنه، ثم كيف يمكن التعامل في هذا العصر مع شعوب العالم ومع المخالفين في العالمين العربي والإسلامي، بالعنف والقتل؟

إن قتال المشركين كان من وسائل انتصار الدعوة الإسلامية في القرن الهجري الأول، عندما كان عدد المسلمين بالمئات، أما اليوم فعددهم بالمليارات يعيشون في كل دول العالم، فهل نزحف جميعاً على العالم ونخير "المشركين" بين الإسلام والجزية والقتل؟

24- هذه المادة أو الفتوى تصدم الكثير من المسلمين بصراحتها! وهي تقول كما ينقلها كتاب "خالد المشوح":

"الإرهاب في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله تعالى، ونحن نفخر بكوننا إرهابيين لأن الإسلام هو دين الإرهاب كما قال تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ". (الأنفال 60). وفي الحديث النبوي الذي أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، "تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح، وقال أنا الضحوك القتّال أو الذبّاح. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) في التوراة: الضحوك القتّال، فمحاربة الإرهابي محاربة الجهاد في سبيل الله تعالى". فالأمور هنا معكوسة.. ونترك الشرح والتعقيب للقراء.

25- يحرص التكفيريون على حصر الإفتاء ضمن دوائر وشخصيات تنظيماتهم أو من ترضى عن اجتهاداتهم هذه التنظيمات، فيقول الكتاب: "فتاوى الجهاد لا تؤخذ إلا عن علماء الجهاد أهل الثغور، لأنهم جمعوا بين العلم والعمل، وهم الأعلم بواقع الجهاد ومصلحته، أما القاعدون فلا يجوز لهم أن يتكلموا في مسائل الجهاد".

ويعرف الجميع ماذا نجم عن فتاوى "علماء الجهاد" هؤلاء ولا يزال من كوارث في العالمين العربي والإسلامي والغرب والشرق، وماذا فعل مجاهدو "الثغور والأطراف" بمصالح المسلمين!

26- يمجد التكفيريون العمليات التفجيرية ويرون فيها قمة الجهاد رغم أن ضحاياها عادة عشرات وربما مئات من الأبرياء، ورغم تأثيرها المدمر على مصالح العرب وسمعة الإسلام والمسلمين. ويقول التكفيريون، كما في كتاب المشوح: "من أعظم صور الجهاد المؤثرة العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في أماكن كثيرة، ولا يجوز تشبيه هذه العمليات بالانتحار المحرم شرعا لا ختلاف نية المجاهد عن نية المنتحر".

ماذا عن الضحايا والأبرياء؟ لا داعي للقلق فيما يبدو! فالواحد من الضحايا إما بريء فسيدخل مع القاتل الإرهابي جنان الفردوس، وإما مذنب فمأواه جهنم غير مأسوف عليه! فلمَ نشغل بالنا بمن سيكون أسعد الخلق بعد لحظات؟

27 - لا قيمة لحياة رجال الأمن ولا يستحقون أي عطف وتقدير. يقول الكتاب عن فتاوى الإرهابيين: "رجال الأمن إنما هم رجال أمن الحكام المرتدين الحامين لهم، المدافعين عن عروشهم، ومن أعان الظالمين فهو منهم وله حكمهم دون فرق، بل هم أشد جرما من الحكام لأنهم هم الذين يواجهون المجاهدين ويلاحقونهم ويستبيحون دماءهم".

28 - لا يتوقف الجهاديون عند حد معين في اتهام خصومهم بالتكفير وحتى الشهود! فيقولون: "نحن نكفّر من لم يكفِّر من ارتكب شيئا من نواقض الإسلام، لأن التوقف في تكفيره- أي الامتناع عنه- يلزم منه تصحيح مذهبه الكفري، وتصحيح الكفر كفر".

29 - يهاجم التكفيريون والإرهابيون كل مظاهر التعليم العام في المدارس الحكومية، ويقولون: "الدراسة في المدارس النظامية لا تجوز لما فيها من منكرات تصل إلى درجة الكفر المخرج من الملة، كتدريس نظرية دارون وبقاء المادة- أي عدم فناء المادة- والثناء على الكفار والأوطان وغيرها، ومنكرات أخرى كالرسم ووجود الصور وطلب العلم للدنيا وغيرها". وهكذا فدراسة "العلوم الدنيوية" حرام، وإدخال الفنون التشكيلية في المناهج من الموبقات، وربما دراسة اللغات الأجنبية لغير الأغراض الإرهابية حرام كذلك!

30 - تعتمد هذه الشبهة أو الفتوى اعتمادا كاملا على فكر ومؤلفات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب ومحمد قطب، الذين أرسوا أركان الفكر التكفيري لمن جاء بعدهم، وهم اليوم بالعشرات والمئات. يقول كتاب "المشوح" ناقلاً قول التكفيريين ممن لا يرون في الدنيا عادة أي مسلم غيرهم: "جاء في الحديث، بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فنحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والقيادة الجاهلية". ويضيف التفكيريون: "ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين له بالولاء، بل لا بد من العزلة الشعورية على الأقل".

وليتهم يكتفون بالعزلة الشعورية ولا ينتقل الواحد منهم إلى تهديد الآخرين والقتل والاغتيال والتفجير، فالفكر المتطرف من خلال قراءاتي، يقول خالد المشوح، "عبارة عن أفكار دينية متشددة تتعدى تديّن الشخص إلى الإضرار بالآخرين لتحقيق فكرته".

تصور أنهم يعتبرون العالم الإسلامي، و1600 مليون مسلم، جاهلية كاملة.. ويعتبرون الإسلام اليوم غريباً!

back to top