نور الشريف... الفيلسوف العاشق (27 - 30)

مارد الجبل

نشر في 22-06-2017
آخر تحديث 22-06-2017 | 00:04
خلال عامين استطاع نور الشريف أن يستعيد مكانته الفنية لدى الجمهور، ولدى المنتجين والموزعين، وراح الجميع يتهافت على العمل معه مجدداً، غير أنه لم يترك نفسه لاختيارات «السوق». آنذاك، عرض السيناريست رفيق الصبان قصة فيلم على المخرج عاطف الطيب، يقدم فيها رجلاً يصادف مشاكل عدة في ليلة رأس السنة، فاقترح عليه عاطف أن يكون «سائق تاكسي» ليشكّل امتداداً لشخصية «حسن» في فيلم «سواق الأوتوبيس» حيث يتناول نماذج فاسدة عدة في المجتمع، واقترح الدور على نور الشريف فرحب به.
كتب رفيق الصبان سيناريو «ليلة ساخنة» وكتب الحوار محمد أشرف، وشاركت في البطولة إلى جانب نور الشريف لبلبة التي أعاد عاطف الطيب اكتشافها من خلال دور جديد لم تقدمه سابقاً.

غير أن الفيلم استغرق وقتاً طويلاً في التصوير بسبب حالة المخرج عاطف الطيب الصحية السيئة، وهو كان يعمل رغم وجود قصور شديد في «الشريان التاجي» لديه، ورغم نصيحة الأطباء له بعدم التعرّض للإجهاد.

كان المخرج يسابق الزمن لينتهي من الفيلم، مقرراً ان يدخل بعد ذلك المستشفى للخضوع لجراحة في القلب. ولكن انتهى الفيلم وعرض وحصل عنه الشريف على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي 1995، وعاطف الطيب على جائزة أفضل مخرج من جمعية الفيلم، كذلك حصد الاثنان جوائز عدة عنه في الداخل والخارج، وبدلاً من أن يدخل الطيب المستشفى، بدأ بتصوير فيلم «جبر الخواطر» مع الفنانة شريهان. غير أن المرض اشتد عليه، فقرر تأجيل المونتاج إلى حين الخضوع للجراحة، لكنه للأسف خرج من الأخيرة محمولاً على الأعناق، إذ رحل عقب الجراحة.

حزن الشريف بشدة على صديقه، وراح يبكيه كما لم يبك شقيقاً له، فضلا عن الخسارة الكبيرة للسينما المصرية بفقد مخرج له خصوصية شديدة، حصدت أفلامه العشرون في غالبيتها جوائز كثيرة، من بينها أعماله مع الشريف.

تحريم الفن

في عزاء عاطف الطيب، وجد الشريف نفسه يجلس إلى جانب الفنان الكبير شكري سرحان، الذي كان ابتعد عن الأضواء واعتزل الفن لأسباب صحية، غير أن البعض أشاع أن ذلك جاء لأسباب دينية، مثله مثل آخرين من الفنانين والفنانات في هذه الأيام وقبلها، وأراد الشريف أن يتيقن من ذلك:

* أستاذ شكري في سؤال محيرني ونفسي أسمع إجابته منك، وأنا عارف التزامك وأخلاقك.

= خير يا نور؟

* كترت أوي اليومين دول حكاية إن الفن حرام... وفنانين بيبعدوا وفنانات يعتزلن ويلبسن الحجاب... ومش عارف إيه الصح من الغلط.

= الفن يا نور زيه زي أي عمل. اللي ينفع الناس ويرضي ربنا لا يمكن يكون حرام. وخنق الفن تحت شعارات من النوع ده جريمة ضد الحضارة، الفن مسؤولية خطيرة وواجب عظيم في حياة المجتمع.

* المشكلة دي واجهت جيلكم يا أستاذ. ولا الأيام دي بس؟

= لا طبعاً ما كنتش على أيامنا. عارف ليه؟ لأن اللي كان غالب الفن اللي له قيمته... لكن دلوقت انتشر الفن الرخيص والمبتذل... والناس لهم حق يرجموا الفن الهابط بالطوب.

* بس الفن الهابط ده في كل زمان مش بس دلوقت.

= صحيح بس زمان كان الفيلم الهابط بيشتهر أوي... لأنه يعتبر ظاهرة شاذة... وأنا فاكر زمان كان فيه فيلم اسمه «الليل لنا» وفشل فشلاً ذريعاً لهبوط مستواه... وكان أول ناس شنعوا عليه اللي شغالين في الأستديو. أطلقوا عليه اسم «الويل لنا»... هاهاها.

* ده لأن في عصركم كانت الحركة الفكرية حرة... وما كنش فيه قيد على حرية العقل في البحث.

= الفن يا نور دعوة إلى المبادئ والقيم النضيفة علشان كده الفنان نفسه لازم يبقى ملتزم وصادق مع نفسه في حياته علشان الناس يصدقوه... ومستحيل فنان منحل يقدم فن يحترمه ويصدقه الجمهور.

بعدها قرر نور الشريف الذهاب لأداء فريضة الحج، هو وزوجته بوسي وشقيقتها نورا، التي ارتدت الحجاب واعتزلت التمثيل، منذ أن قدمت فيلم «الهاربان»، ليعود ليجد أن الفنان أحمد زكي قضى على طموحه في أحد أهم الأدوار التي كان يتمنى تقديمها، إذ جسد شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في فيلم «ناصر 56»، من تأليف الكاتب محفوظ عبد الرحمن، وإخراج صديقه وأستاذه محمد فاضل، وبقدر حزنه على ضياع الدور منه، فرح بنجاح أحمد زكي نجاحاً مبهراً غير مسبوق، فحاول صديقه بشير الديك أن يؤكد له أن الفرصة لا تزال قائمة:

= أحمد ما عملش غير تلاتة أشهر بس من حياته. وعبد الناصر من الشخصيات اللي ممكن يتعمل عنها مئة فيلم.

* أحمد زكي قفل الشخصية دي. هو صحيح قدم تلاتة أشهر بس من حياته... لكن قال فيهم كل حاجة كممثل. ما يخليش أي ممثل ذكي يفكر إنه يقرب من الشخصية دي.

أفضل ممثل

في العام نفسه 1996، قرّر الكاتب سعد الدين وهبة، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الاحتفال عبر المهرجان بمرور مئة عام على إنشاء السينما المصرية، ووجه الدعوة إلى النقاد المصريين عبر استفتاء ضخم، كان الأول من نوعه، لاختيار أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وعلى أساس عدد الأفلام التي شارك فيها كل فنان أو فنانة من بين المئة فيلم يأتي اختيار أفضل فنان وأفضل فنانة، وبالطبع أفضل مخرج هو من سيكون له النصيب الأكبر من الأفلام المختارة.

كانت المفاجأة أن الفنان الكبير شكري سرحان جاء في المرتبة الأولى كأفضل ممثل في تاريخ السينما المصرية، برصيد ثمانية أفلام، بينما جاء في المركز الثاني نور الشريف برصيد سبعة أفلام من بين مئة فيلم هي: «زوجتي والكلب، وأبناء الصمت، والكرنك، وأهل القمة، وحدوتة مصرية، والعار، وسواق الأوتوبيس»، فيما حلّت فاتن حمامة في المركز الأول كأفضل ممثلة، كذلك يوسف شاهين كأفضل مخرج، وفق عدد الأفلام.

شعر نور الشريف بأن حبه للسينما وجهده فيها لم يضيعا هباء، فقد كللهما بالمركز الثاني بين أفضل نجوم السينما المصرية على الإطلاق، ما أكّد له أن اختياراته كانت صحيحة، وإن لم تكن دائماً هكذا، فهو يدرك ذلك، كغالبية نجوم السينما المصرية، بل ونجوم السينما في العالم، فضلا عن أنه كان يعشق السينما ولا يطيق الابتعاد طويلاً عن الكاميرا، لذا كان يضطر أحياناً إلى قبول ما لا يرضى عنه ليعود إلى استئناف أعماله الفنية.

ارتبط آنذاك بفيلمين: الأول «الهروب إلى القمة»، من تأليف محمد صفاء عامر وإخراج عادل الأعصر، إلى جانب كل من إلهام شاهين ونبيل الحلفاوي وسعيد عبد الغني، وعايدة رياض، والثاني «زمن الكلاب» الذي اعترضت عليه الرقابة، فتغير إلى «الزمن والكلاب»، من تأليف طارق عبد الجليل، وإخراج سمير سيف، إلى جانب كل من دلال عبد العزيز، وأبو بكر عزت، وحسن حسني.

عاد إلى الدراما التلفزيونية خلال شهر رمضان، فقدّم مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» عن قصة إحسان عبد القدوس، سيناريو وحوار مصطفى محرم، مع كل من عبلة كامل، ومحمد رياض، وحنان ترك، ومنال سلامة، ورشوان توفيق، وإخراج أحمد توفيق. وفي مطلع 1997 تعاقد على فيلمين أيضاً هما: «عيش الغراب» قصة سمير سيف وإخراجه، وسيناريو صلاح فؤاد وحواره، إلى جانب يسرا، ومصطفى متولي، ومحمود قابيل، وعزت أبو عوف، وندى بسيوني، أما «عفريت النهار» فتولى إخراجه عادل الأعصر، وتأليفه بسيوني عثمان، إلى جانب إلهام شاهين، وحسن حسني.

بعد ذلك، شعر الشريف بأنه في حاجة ماسة إلى سينما من نوع خاص، فعرض على الكاتب عبد السلام أمين أن يكتب له فيلماً عن «هارون الرشيد» الذي دسّ له المستشرقون كثيراً من الأكاذيب شوهت صورته رغم أنه أحد أعظم الحكام في تاريخ العرب، وأحد بناة الحضارة الإسلامية والنهضة الحقيقية في العلوم.

تحمّس عبد السلام أمين لفكرة الفيلم، غير أن الأخير كان يستلزم ميزانية ضخمة، وتخوّف الموزعون منه، في ظل سيطرة أفلام الكوميديا والرقص، فعرض عليه عبد السلام كتابته في مسلسل تلفزيوني، فرحب فوراً، وتحمس له قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، وأخرجه أحمد توفيق، وشاركت في بطولته هدى سلطان، كذلك عبلة كامل، ومحمود الجندي، ورشوان توفيق.

ما إن انتهى من تصوير المسلسل، حتى عاد الشريف للبحث عن سينما مختلفة، فعثر على كتاب «ذئب في قرص الشمس» للصحافي محمد عبد المنعم، ويتناول نسور الطيران في حرب أكتوبر الذين دكوا حصون العدو ووجهوا إليه أول ضربة قاصمة في تاريخ العسكرية العربية الحديثة، وقرر النجم أن يحوّل الكتاب إلى فيلم سينمائي.

ما إن تسرب الخبر، حتى بدأ البعض في تصوير الأمر على اعتبار أنه وصلة نفاق سينمائية للرئيس مبارك، باعتباره قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر، وكأن العبور يُختصر في هذه الضربة، فتراجع الشريف عن المشروع، وقبل أن يعاود البحث ثانية فوجئ بالمخرج يوسف شاهين يلقي إليه بطوق النجاة من السينما السائدة، إذ عرض عليه تجسيد دور «الخليفة المنصور» في فيلم يقدم جانباً من حياة العالم العربي «ابن رشد». لكن ما إن انتهى الشريف من قراءة سيناريو الفيلم، حتى سأل شاهين:

* مين اللي هيعمل ابن رشد يا جو؟

= أنا طبعاً.

* إيه؟ ما ينفعش يا جو.

= أنا ممثل أحسن منك يا دقدق.

* ما قولناش حاجة... لكن الفيلم تقيل... ومحتاجك ورا الكاميرا.

= من غير لف ودوران. عايز تقول إيه؟

* عايز أقول إنك لازم تجيب ممثل تاني لدور ابن رشد وتتفرغ أنت للإخراج.

= لا مش هجيب ممثلاً آخر يعمل ابن رشد.

* أنا قلتلك رأيي... وأنت صاحب القرار.

= مش هجيب ممثلاً لأنك أنت اللي هتعمل ابن رشد يا دقدق.

عبقرية مخرج وممثل

قرّر يوسف شاهين أن يقوم الشريف بدور ابن رشد، وأسند دور الخليفة المنصور إلى محمود حميدة، ما أثار دهشة مساعد يوسف شاهين المخرج الشاب خالد يوسف، ودفعه الفضول إلى سؤال أستاذه:

- ليه نور الشريف؟ كان ممكن تجيب أي ممثل تاني وتخلي نور زي ماهو في دور المنصور.

= أنا عرضت دور المنصور على نور وكان نفسي يرفضه ويطلب دور ابن رشد... بس دقدق مؤدب زيادة عن اللزوم.

- أيوا اشمعنى نور تحديداً اللي نفسك يعمل ابن رشد؟

= لأن نور عينيه فيها عمق المثقف والفيلسوف... التانيين ممكن يبقوا ممثلين كويسين. بس الثقافة مش باينة في عينهم.

كتب سيناريو «المصير» يوسف شاهين وخالد يوسف، وشارك في بطولته كل من ليلى علوي، ومحمود حميدة، وخالد النبوي، وصفية العمري، وروجينا، وعبد الله محمود، والمطرب محمد منير، الذي جاء ترشيحه تالياً لترشيح يوسف شاهين للمطرب عمرو دياب، الذي خاف من التجربة.

كانت المفاجأة مشاركة الفيلم في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، وحصوله على جائزة «اليوبيل الذهبي» ضمن برنامج للاحتفال بتكريم يوسف شاهين عن مجمل أعماله، بحضور أبطال الفيلم ومرورهم على «السجادة الحمراء» التي يسعى إلى المرور عليها فنانو العالم كلهم.

لم يكن الشريف يطيق الابتعاد طويلاً عن المسرح، فكان يحرص على الذهاب إليه من حين إلى آخر ليعيد التوازن النفسي إلى الفنان في داخله. قدّم مع صديق عمره المخرج هاني مطاوع مسرحية «يا مسافر وحدك» التي اقتبسها عن نص Everyman أو «كل إنسان»، وشاركه بطولتها كل من ندى بسيوني، ومنى زكي، وعاد بعدها إلى السينما وقدّم فيلم «الكلام في الممنوع» عن قضية الوحدة الوطنية، من تأليف ناجي جورج، وإخراج عمر عبد العزيز، مع كل من ماجد المصري، ومنى عبد الغني، وماجدة زكي، وأمينة رزق، ولطفي لبيب، وصديق عمره عبد الله فرغلي.

بلا أصدقاء

لم يعد ممكناً أن يجد نور الشريف كل عام فيلماً مثل «الكلام في الممنوع»، يعيده إلى زمن القيمة الفنية، بعيداً عن السينما المسيطرة، فلم يجد الملاذ الآمن سوى في التلفزيون. عرض عليه السيناريست مجدي صابر سيناريو مسلسل بعنوان «الرجل الآخر» فتحمّس له جداً، ووجد فيه شيئاً جديداً ومختلفاً، وقرّر تقديمه مع المخرج مجدي أبو عميرة، إلى جانب ميرفت أمين، وماجدة زكي، ورانيا فريد شوقي، وعزت أبو عوف، وأحمد زاهر.

دارت الأحداث حول ثري يفقد ذاكرته، وعندما يتعرف إليه أقرب الناس إليه ينكرونه، ثم يكتشف فجأة أن كل ماضيه يستحق أن يذهب إلى الجحيم.

لسبب أو لآخر، شعر الشريف بأنه قريب الشبه من تلك الشخصية، فمنذ أيام المعهد كان عاشقاً لمسرحية «مسافر بلا متاع» لجان أنوي، التي تناقش علاقة الإنسان بعبء الماضي، لذا أرهقته شخصية «مختار العزيزي»، ولم تمرّ ثلاثة أسابيع من تصوير المسلسل حتى أصيب باكتئاب وبدأ يتحوّل إلى شخص عصبي.

استمر التصوير ستة أشهر، فوصل الشريف إلى ذروة العصبية، وأصيب باكتئاب حقيقي، خصوصاً عندما تذكر ما فعله معه أقرب الأصدقاء، أو من كان يظنهم هكذا، عندما لم يترددوا لحظة في مهاجمته خلال مشكلة فيلم «ناجي العلي» واتهموه بخيانة وطنه، فألقى دور «مختار العزيزي» بظلاله عليه، وهو ما لاحظه أقرب الناس إليه، سواء زوجته بوسي، أو شقيقته عواطف، وهو كان يلجأ إلى الأخيرة دائماً، ليرتمي في أحضانها من حين إلى آخر:

= اكتئاب... أعوذ بالله من إيه بس؟ ده أنت ما شاء الله النجاح بيجري وراك مش أنت اللي بتحاول توصل له. وكمان بوسي والولاد ربنا يخليهم لك ماليين الدنيا عليك.

* الحمد لله... لكن فعلاً أنا بحسّ باكتئاب في أغلب الأوقات... والناس لها الظاهر، ده حقيقي، بحس دايماً إن الواقع بيجرني لورا... بيحاصرني ويختلف عن أفكاري وده تعبني وبيخليني دايماً عايز أشتغل من غير ما أقف أبص أبص حولي.

= عمري ما شفتك متشائم كده.

* ده حقيقي. أنا فعلا متشائم جدًا، لكن ما بحبش حد يشوف ده ولا يحسه.

= طب ليه؟

* مش عارف. يمكن المسلسل اللي بأعمله ده قلب عليا المواجع. فكرني بخيانة الأصدقاء وإنكارهم ليا ساعة موضوع ناجي العلي.

= أنت لسه فاكر الموضوع ده؟

* ده جرح كبير جوايا خلاني أفقد الثقة في كل الأصدقاء. صحيح في ناس مخلصين وجدعان أوي. لكن كل ما أفتكر اللي حصل بحس بسكينة بتدبحني... هاهاها.

= بتضحك على إيه؟

* عارفة الكاتب الكبير برنارد شو في مرة عمل حفلة كبيرة في بيته ودعا فيها كل أصدقائه... وفي عز الحفلة وقف وقالهم: أصدقائي الأعزاء ليس هناك أصدقاء!

حقّق مسلسل «الرجل الآخر» نجاحاً كبيراً. قدّم المؤلف مجدي صابر كأحد أهم كتاب الدراما التلفزيونية من الجيل التالي لكتاب أمثال أسامة أنور عكاشة، ويسري الجندي، ومحفوظ عبد الرحمن، وغيرهم، وإن كان الشريف ظل بعد المسلسل، أكثر من عام بلا عمل، وبعيداً عن معشوقته السينما، فأراد أن يحقق الحلم الذي عاش يتمناه وأجّله أكثر من 18 عاماً، عندما قرّر أن يتولى الإخراج، ورفض عرض يوسف شاهين ومصطفى العقاد بأن ينتجا له فيلماً من إخراجه عام 1982.

قرر أن ينتج ويخرج ويقوم ببطولة الفيلم الذي كتبته كوثر هيكل بعنوان «العاشقان»، وشاركته بطولته بوسي، مع كل من شويكار، وعبد المنعم مدبولي، وعزت أبو عوف، في محاولة لتذكير الجمهور بتجربة «حبيبي دائماً» ظاهرياً فحسب، فيما حرص على أن يضمن الفيلم مضموناً أهم.

رغم أن ظاهر فيلم «العاشقان» رومانسي، فإن باطنه جاء لينتقد فكرة «الخصخصة»، التي بدأتها الحكومة المصرية، ولكن معظم النقاد ركز على قصة الحب، بل إن أحداً لم يتنبّه إلى اللوحة الكبيرة خلف شخصية عزت أبو عوف في الفيلم، والتي كانت ترمز إلى «الماسونية»، من دون التركيز على أن «الخصخصة» تفعيل للأنانية الفردية، الأمر الذي يقتل كل شيء جميل، حتى الحب.

«الكلام في الممنوع»

«الكلام في الممنوع» أحد أهم الأفلام المصرية التي تناولت قضية الوحدة الوطنية ومخاطر الطائفية، ولو لم يتحمس نجم بحجم نور الشريف له لما قدر لهذا المشروع أن يرى النور.

الفيلم غير نمطي، لمس العصب العاري في العلاقة بين المسلمين والأقباط بجرأة شديدة، بلا وعظ، لكنه لم يحظ بالاهتمام الكافي رغم جرأته الشديدة وقوة معالجته الساخرة بعيداً عن القبلات والأحضان والخطابة.

بعد أشهر قليلة من قضية الفتنة الطائفية في «الكشح» بصعيد مصر، قرر الكاتب الصحافي ناجي جورج، الذي يكتب زاوية بعنوان «يوميات موظف» بجريدة «الأهالي»، وزوج الفنانة إيفا، كتابة «الكلام في الممنوع» الذي تناول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بجرأة شديدة، وقدم السيناريو لصديقه نور الشريف الذي تحمس كثيراً له، وأبدى إعجابه بشخصية ضابط تنفيذ الأحكام المختلف، والذي يقوم بمهمة القبض على طبيب هارب من حكم الإعدام اتهم بالاغتصاب والقتل، ويختبئ في أحد الأحياء الشعبية ويطلق لحيته، ويهتم بوالدته المسنة من دون أن يعرف أحد إذا ما كان مسلماً أو قبطياً. وعندما يصل إليه الضابط يجده يستعد لإجراء جراحة بتر لقدم والدته. ورغم الجفاف والقسوة التي تسود العلاقة بينهما يتعاون الضابط مع المجرم الهارب، بل ويحاول إثبات براءته.

البقية في الحلقة المقبلة

الشريف حصل على جائزة أفضل ممثل من مهرجان القاهرة عن «ليلة ساخنة»

أحمد زكي قضى على طموح الشريف في تجسيد شخصية جمال عبدالناصر

النقاد اختاروه ثاني أفضل ممثل في تاريخ السينما المصرية بعد شكري سرحان

يوسف شاهين يتنازل عن دور ابن رشد لنور الشريف تقديراً لموهبته

«الكلام في الممنوع» أحد أهم الأفلام المصرية التي تناولت قضية الوحدة الوطنية
back to top