إلى أرواح الشهداء... عذراً

نشر في 16-06-2017
آخر تحديث 16-06-2017 | 00:09
 فهد بن ماهر مر عامان منذ أن ارتقى شهداء مسجد الإمام الصادق بعد أن امتدت إليهم أيادي الغدر والخيانة والإرهاب، مر عامان منذ أن قدمت لنا الأحداث صفعة مدوية أفاقتنا من مرض الطائفية الذي تمادينا في الانغماس فيه، مر عامان منذ تلك اللحظات المرعبة والبشعة التي صبرنا عليها متكئين على تلاحم وانصهار جميع معاشر المجتمع، لنخلق ملحمة عنوانها وحدتنا الوطنية وإيماننا بأرضنا وشعبنا لا بطوائفنا وقبائلنا، مر عامان منذ أن تهاوت أجساد شهدائنا وارتقت أرواحهم الطاهرة وتشابكت معها جميع أيادينا لننسى لأيام معدودة كل تقسيماتنا الساذجة والعنصرية التي أحلت علينا الوبال، مر عامان وبضعة أيام على تفجير مسجد الإمام الصادق.

ولكن هل من مُدكر؟ بعد سنتين من أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق ومحاولة جر الكويت إلى دوامة الإرهاب والعصف المذهبي عاد النسيج الكويتي إلى تراخيه الاجتماعي، فقد عادت الأكف التي تصفق لكل خطاب عنصري بغيض أو طائفي نتن، عادت بعض النخب الاجتماعية لاستكمال مشروعها بتصنيف الكويتيين في فئات وهمية غير حقيقية، وتوزيع الولاء والانتماء على أساس هذا التصنيف، عدنا مجدداً إلى دوامة الشيعة والسنّة والحضر والبدو، تلك الجدلية السخيفة والتقسيمة الغبية التي تم تكريسها بشكل ممنهج، وأصبحت محركاً رئيساً لرسم المواقف السياسية والاجتماعية، وكذلك منهجاً للتعاطف في بعض القضايا والتنكيل في قضايا أخرى. ولكن لماذا؟

إن وجود مجتمع واع بطبيعة الصراع الحقيقي في البلد، أي الصراع بين مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة بنظامها المدني والديمقراطي والتقدمي والمشروع المضاد الهادف إلى إعادة دولة المشيخة والعشائرية المتخلفة، سيسبب ضغطاً وإرباكاً للسلطة، بل إن هذا الأمر سيجعل السلطة تتراجع "ممتعضةً" عن مشروعها، وهذا يعتبر أحد أهم الأسباب التي خلقت فكرة تقسيم المجتمع إلى طوائف ومشارب غير متناسقة سياسياً، وغير مجتمعة على هدف وطني، بقدر ما أنها تحاول تحقيق أرباح سياسية قبلية أو مذهبية توفر لها الفرص، بعد أن حصرت السلطة الفرص بالنخب السياسية القبلية والمذهبية لضمان استمرارها.

لقد استغلت السلطة أدواتها منذ القرن الماضي في بناء هذا المشروع الهادف لتقسيم البلد، فقد صنفت المناطق السكنية بطريقة فئوية غريبة وغير متداخلة، وقد عكفت السلطة على تذييل أسماء المواطنين بالانتماءات القبلية بطريقة غير مبررة كذلك، ومن ثم استعانت السلطة بحليفها الذي تمتطيه صاغراً متى احتاجت؛ التيار الديني، فقد كان هذا التيار بشقيه السني والشيعي وسيلة سهلة وسريعة التأثير في خلق مجتمع منقسم إلى فريقين متناحرين سياسياً واجتماعياً في أوقات عديدة، فهذه التيارات تخلق وعيا زائفا غير حقيقي، فنرى التيار الإسلاموي السني يهيب بأتباعه احتمالية فلتان الحكم من أيديهم، وفي الطرف الثاني نرى التيار الإسلاموي الشيعي يهيب أتباعه بجدلية الوجود والزوال، وعند المعارك السياسية يتم استخدام المنطق نفسه لتوجيه بوصلة المواطنين نحو التوجيهات السياسية السلطوية لتأييدها ودعمها، وكذلك استطاعت السلطة بأدواتها خلق أنظمة انتخابية تكرس الطابع الفئوي ذاته وتعززه.

في الحقيقة كانت السلطة الكويتية ذكية جداً في نوع الفئوية التي أرادت أدلجة الشعب بها، فعمدت إلى خلق طائفية وردية غير طافحة على سطح الحياة، ولكنها تطفح فوراً عند الوصول إلى عملية سياسية وجب القيام بها، فنرى المجتمع بسطحه مجتمعا متماسكا ولكن عند الوصول إلى انتخابات مجلس الأمة أو الاتحادات الطلابية أو جمعيات النفع العام أو النقابات العمالية نرى أن القبلية والطائفية تكونان المحرك الرئيس، ويُعزى ذلك لمحاولة تهميش دور هذه الكيانات والجعل منها مجرد كيانات شكلية لا تحقق أي تأثير سياسي حقيقي لعلم السلطة بمدى تأثيرها وقدرتها على تشكيل وعي سياسي حقيقي، لذلك هي ترى أن هذه الكيانات يجب أن تكون بأيدي الأشخاص غير المناسبين. إن الأجواء الرائعة التي عشناها بعد تقديم بلدنا سبعة وعشرين شهيدا من لحمة وتكاتف ونسيان للانتماء المذهبي والقبلي هو حل للمشكلات السياسية في البلاد إلى جانب العديد من الحلول، فهذه الأمراض والأوبئة تؤثر في حياتنا الاجتماعية بشكل وبآخر، وتهدد بشكل صريح الجبهة الداخلية في البلاد مما يسهل عملية جر الكويت للحرب الطائفية المشتعلة في المنطقة، وعليه علينا التكاتف ورمي اختلافاتنا خلف ظهورنا، وتوجيه بوصلتنا نحو هدفنا الاستراتيجي، ألا وهو استكمال بناء الدولة الكويتية الحديثة بطبيعتها المدنية والديمقراطية والتقدمية، والذي لا يستقيم في مجتمع طائفي وقبلي.

ختاماً، هنيئاً لشهداء مسجد الإمام الصادق شهادة العز والفخر التي جعلت منهم أرواحاً مقدسة نستذكرها في كل لحظة انقسام، شكراً لشهداء مسجد الإمام الصادق لتقديمهم درساً لا يُنسى لأهمية اندماج المواطنين وتوحيد بوصلتهم لوصولهم إلى هدفهم، عذراً لشهداء مسجد الإمام الصادق لأننا لم نتعلم الدرس بعد.

back to top