من فتاوى الإرهاب

نشر في 15-06-2017
آخر تحديث 15-06-2017 | 00:10
 خليل علي حيدر تحدث الباحث الإعلامي السعودي "خالد المشوح" في كتابه "التيارات الدينية في السعودية"، عن ثمان من "ثلاثين شبهة تشكل الأساس للأفكار التكفيرية"، لدى مختلف الجماعات الإرهابية، فما "الشبهات" الأخرى؟

9- "اتفق العلماء على أن الجهاد يكون فرضاً على العين- أي واجباً على كل قادر- في حالات، ومنها "إذا دهم العدو بلاد المسلمين".

ويضيف التكفيريون أن الجهاد اليوم "فرض عين"، أي أنه واجب على كل مسلم قادر لأن، كما يقولون، "العدو يحتل بلاد المسلمين من قرون، في الأندلس وغيرها، وهو الآن يجثم على صدور المسلمين في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق وغيرها".

وقد رأينا بالطبع نتائج "جهاد المسلمين" في بعض هذه الدول، وما أفرز من متشددين وإرهابيين، غدوا وبالا على بلدانهم وعلى أوروبا وأقلياتها المسلمة، وها هم التكفيريون يطالبون بالمزيد!

10- لا يعترف التكفيريون في المنظمات بالحدود السياسية للبلدان العربية والإسلامية، ويقولون إن "الله تعالى جعل الأمة الإسلامية أمة واحدة"، ولا يميزون بين "الوحدة الدينية" و"الوحدة السياسية أو الاقتصادية" ولا يكترثون بآراء وإجماع مواطني كل دولة في مثل هذه الوحدة، ولا يلتفتون إلى تجارب الوحدة وتعقيداتها في أي مكان وزمان، فالوحدة الإسلامية في اعتقادهم مثل الجهاد، "مطلب مقصود لذاته"، مهما بدت صعبة وغير عملية في عصرنا هذا، وحدة تمتد من المغرب وموريتانيا إلى إندونيسيا والفلبين، وقد لا تتوقف عن ضم الأندلس وغزو البلقان والتوسع في إفريقيا وأوروبا وكل مكان، ربما إلى أن تثور حرب ذرية!

وتضيف تيارات العنف الإسلامية: "يجب أن تكون البلاد الإسلامية بلداً واحداً تحت إمام واحد هو خليفة المسلمين، أما الواقع المعاصر فإنه من وضع الاستعمار الذي أقام هذه الحدود السياسية بيننا وفرقنا إلى دويلات ضعيفة، بعد أن سعى في إسقاط الخلافة الجامعة".

وتعلن هذه التيارات الإسلامية ختاماً، كما يورد كتاب المشوح، "نحن لا نعترف بهذه الحدود ولا نرى شرعية هذه الدويلات الممزقة ونعتبر بلاد المسلمين بلدا واحداً ونقاتل من أجل إعادة الخلافة الإسلامية الضائعة".

(التيارات الدينية، ص 46).

ومأساة المسلمين السياسية اليوم في اعتقادي، أن الملايين منهم، من الأميين والمتعلمين والفقراء والأثرياء والرجال والنساء، يرفضون أي تفكير منطقي أو تحليل واقعي أو حسابات اقتصادية في القضية، ولا يتصور الكثير منهم ما قد يحدث للعالم العربي أو الإسلامي إن عمدت بعض هذه التنظيمات إلى الهيمنة على هذه البلدان وإسقاط الحدود بجرة قلم أو بفتوى. ولا يتعظ الكل بما فعل "داعش" ولا يزال بشباب العالمين العربي والإسلامي، مرة أخرى لأن هذه الوحدة كالجهاد، "دعوة مقصودة لذاتها".

ثم هل سقطت "الخلافة" بسعي من الاستعمار، أم بتجاهل الدولة العثمانية للتطور العلمي، وعدم تحديث المجتمع في البلدان التابعة لها، وبسبب غرق السلاطين وكبار موظفي الدولة في الفساد، وغير ذلك؟

11- وتقول تيارات العنف والتفكير: "من النواقض التي يقع بها الحكام المرتدون مداهنتهم للكفار، حتى أن منهم من لبس الصليب، ومنهم من زار الفاتيكان، ومنهم من هنّأ الدول الكافرة بمناسباتها، ومنهم من حزن لوفاة بابا الفاتيكان وعزّى النصارى فيه، إلى غيرها من النواقض".

فانظر طفولة هذه الرؤية وسذاجة مثل هذا التفكير في عصر كعصرنا، ووجود للمسلمين في كل أقطار الدنيا!

12- يقول التكفيريون ودعاة العنف كما ينقل "المشوح": "من مظاهر ابتعاد هذه الأنظمة عن الشريعة، انتشار الموبقات من الربا والفساد الأخلاقي والانحراف العقدي وغيرها". (ص46).

ونتساءل بصراحة وموضوعية: هل زوال هذه "الموبقات" من مجتمعات العالم الإسلامي سيجعلها تتفوق دولياً؟ ألا تنتشر أضعاف هذه المويقات في مجتمعات و"دول الكفر" في الشرق والغرب؟ ثم هل خلت مراحل الخلافة ودولها يوما من مثل هذه الموبقات حقا؟ ثم أليس للإنسان عقلٌ يسترشد به ويعرف الخطأ من الصواب؟

13- ويقول تيار العنف والتفكير: "المجاهدون، جاءت النصوص بأنهم هم الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، وسيكملون مشروعهم الجهادي إيمانا بما وعده الله تعالى لهذه الطائفة من النصر والتمكين". (ص 46).

وبالطبع لا يقف هؤلاء دقيقة تأمل يسألون فيها أنفسهم من هي "الطائفة المنصورة"، وسط هذه الأحزاب والتيارات والتنظيمات والقيادات والاجتهادات، التي يعتبر كل منها نفسه لا غيرها "الطائفة المنصورة"، داخل كل مذهب، وداخل صفوف الإسلاميين والأحزاب؟!

14- يكنّ تيار العنف والتكفير عداوة شديدة للدولة الوطنية وكل إطار سياسي، إذ، كما يقولون عادة، "لا يجوز الانتماء إلا إلى الإسلام، والانتماء إلى الأوطان إنما هو انتماء جاهلي، والوطنية التي يُربّى عليها الناس إنما هي وثنية في حكم الإسلام، وهي نوع من الشرك بالله تعالى". (ص47).

ويضيف تيار التكفير: "من مظاهر الخروج عن الإسلام إلى الجاهلية، تدريس الوطنية وربط الناس بها". (ص47).

وهذا نموذج آخر لغيبوبة هذه الجماعات، وتجاهلها لصعوبة جمع عشرات الشعوب المتفاوتة في مستويات حياتها وثقافتها وتاريخها في دولة "إسلامية" واحدة، فيما تبرهن الحياة الواقعية استحالة الجمع بين حزبين إسلاميين (ولو شاء ربك لجمع الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، فمن يجمع مثلا الإخوان والسلف وحزب التحرير والتنظيمات الجهادية؟

15- كل من يخرج على الإسلام بما ينقضه... كافر.

يقول التيار: "لا يجوز أن يتوقف المسلم عن تكفير من خرج عن الإسلام بناقض من النواقض، التي ذكرها العلماء بحجة الجهل، إذ إن الجهل لا يعذر أحد به في مسائل العقيدة، وإلا لعذرنا اليهود والنصارى بجهلهم، ولم يعذر العلماء بالجهل إلا في حالتين: من نشأ ببادية بعيدة أو كان حديث عهد بإسلام". (ص47).

وتمكن خطورة هذه القاعدة في تحديد التصرف الذي يخرج المسلم من "دائرة الإيمان" ويدخله "دائرة الكفر"، إذ سرعان ما تنفتح قنوات التكفير والدعوة إلى السجن والقتل، كما نرى بين "الجماعات الجهادية" نفسها في العراق والشام وشمال إفريقيا!

16- ينفي دعاة التكفير والعنف الجدل حول الإيمان والكفر، ويقولون إن "التكفير هو حكم الله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) وقد ذكر العلماء نواقض الإسلام وأحكام الردة والمرتدين في كتبهم". ثم يقول دعاة التكفير: "من ارتكب ناقضاً فلكل مسلم تكفيره طاعة لله تعالى ولرسوله، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) من بدل دينه فاقتلوه". كما هو في البخاري. (ص48).

وخطورة مثل هذه الفتوى واضحة، إذ تضع بيد المتشددين والإرهابيين سلطة الإفتاء والحكم وتنفيذ ومطاردة خصومهم وفرض جو من الإرهاب الفكري والاجتماعي كما يحصل في مجتمعات العالم الإسلامي بين الحين والآخر، وقد اختلف الفقهاء في تحديد ماهية الكفر والإيمان!

جاء مثلا في كتاب "بيان للناس" الصادر عن الأزهر الشريف عام 1994، والذي لخص في مجلدين، أساسيات الإسلام كما يراها الأزهر، بخصوص العبادات، (ج1 ص 160): "تارك الصلاة إن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام، وإن كان تركه تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي وجماهير السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزّر ويحبس حتى يصلي". ولكل طرف من هؤلاء حججه من القرآن والسنة، وقس على هذا في أمور كثيرة أخرى تتعلق بالعقائد والعبادات مما له صلة بالكفر والإيمان، وما يتصل به من تكفير وتفسيق أو لا هذا ولا ذاك!

فكيف يعطي التكفيريون والإرهابيون الحق لكل فرد مسلم بتكفير من يرى، وربما قتله "طاعة الله تعالى"؟!

17- يعارض التكفيريون ما يسمونه "وجود الكفار في جزيرة العرب"، معتمدين على حديث نبوي رواه البيهقي في سننه، "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان"، ويضيف التكفيريون بأنه قد أفتى بعض الشيوخ بـ"عدم صحة العقود التي تعطى للمشركين من أجل الإقامة داخل الجزيرة العربية، ومن ثم وجب إخراجهم منها، فإن أصروا على البقاء فليس لهم إلا القتل لأنهم في حكم المحاربين المحتلين لبلاد المسلمين". (ص48).

ويمكن القول هنا في الرد بأنه ليس من الواضح ما المقصود بالجزيرة العربية: هل هي الحجاز أم كل ما بين البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي مثلاً؟ وما الحدود الشمالية للجزيرة والعربية، هل تصل إلى تركيا أم تقف عند حدود سورية والعراق والأردن التي كما يقال، رسمتها اتفاقية سايكس بيكو؟

وإذا كان المراد بجزيرة العرب اليمن كذلك فقد بقي اليهود في اليمن حتى أيامنا هذه، حيث هاجر الكثير منهم إلى إسرائيل وكذا العراق، بل البحرين التي أخذ المسلمون من المجوس فيها الجزية، ولم تجر تصفيتهم أو قتلهم أو إخراجهم فورا من "جزيرة العرب".

جاء في كتاب "جغرافية شبه جزيرة العرب" للباحث السوري "عمر رضا كحالة"، طباعة مكة المكرمة 1964، اختلف جغرافيو اليونان والرومان في حدود جزيرة العرب فجعل "إكسنفون" Xenophon حدودها الشمالية تبدأ من الفرات، وأضاف إليها قسما كبيرا من العراق، وقال "بطليموس" و"سترابون" إن حدودها الشمالية تبدأ من مدينة الرقة بدير الزور في سورية، واختلف جغرافيو العرب في تحديدها وضم بعضهم معظم العراق وبادية الشام، وإن اعتبر "كحالة" حدود الجزيرة العربية في الشمال العراق وشرق الأردن.

وعلى صعيد الواقع الزمني الحالي نتساءل: هل ظروف المسلمين في هذا العصر تعطيهم القدرة أو تسمح لهم القوانين بطرد كل مسيحي ويهودي وربما هندوسي وبوذي من دول الخليج والجزيرة بحجة عدم جواز اجتماع دينين في جزيرة العرب، في حين يحتاج المسلمون إلى أتباع الأديان الأخرى لأسباب تنموية ودفاعية وبسبب شرعية القوانين الدولية التي تحكم العالم الإسلامي إلى جانب دول العالم والإنسانية جمعاء؟

ثم هل كل ضرورات وظروف بداية الدعوة الإسلامية قبل قرون بعيدة، وكل حسابات حماياتها يومذاك والدعوة في بدايتها وعدد المسلمين محدود والأوضاع الدولية والجغرافية والعسكرية وغيرها مختلفة تماما عنها اليوم، تتطابق مع الواقع الديني والسكاني للعالم الإسلامي ودول مجلس التعاون اليوم؟

ولعل الجزء الثاني مما يشير إليه كتاب المشوح هنا فيما ينلقه عن التكفيريين بخصوص فتوى الشيخ بكر أبو زيد حول "عدم صحة العقود التي تعطى للمشركين من أجل الإقامة داخل الجزيرة العربية" لا تقل خطورة عن القسم الأول، فهو ينسف كل شرعية للسفارات ووزارات الداخلية الخليجية والعربية فيما تمنح للراغبين في زيارة دول مجلس التعاون أو الإقامة فيها من تأشيرات دخول أو إقامة شرعية في البلاد، بل يهدد كل الزائرين والمقيمين من غير المسلمين، "ومن ثم وجب إخراجهم منها، فإن أصروا على البقاء فليس لهم إلا القتل، لأنهم في حكم المحاربين المحتلين لبلاد المسلمين".

وربما لم يسمع أحد في عصر الانفتاح والتواصل والعولمة بفتوى أشد عزلة ووحشية منها، ولو ترجمت ونشرت في إنكلترا وفرنسا وألمانيا لتضاعف عناء المسلمين، وتعمقت "الإسلاموفوبيا" التي يتهمون المسيحيين الأوروبيين بإثارتها ضد المسلمين في الغرب!

back to top