أصوات الضمير

نشر في 12-06-2017
آخر تحديث 12-06-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم خمسون قصيدة من الشعر العالمي ضمها كتاب تحت عنوان "أصوات الضمير"، وهو من اختيار وترجمة وتقديم المترجم طلعت الشايب، الذي يقول عن الترجمة: "إذ إن للشعر روحاً غير ظاهرة تختفي في أثناء عملية سبكه من لغة إلى أخرى، ودون إضافة روح جديدة لن نكون سوى أمام جثة هامدة ومحاولة لا تنجح إلا في إخراج الميت من الحي، إن ترجمة الشعر عملية إبداعية بالغة التعقيد، وهي أكبر من مجرد عملية نقل تترجم كلاماً إلى كلام".

وأضيف إلى قوله أنه كلما أوغل الشعر في غموض معناه وتكاثفت صوره وتعددت منابع التأويل فيه زادت صعوبة صيد المعنى وترجمته، وخاصة في الشعر الصوفي والفلسفي، أما في الشعر الخطابي أو الذي تكثر فيه الصور الحركية فهنا تسهل ترجمته ونقله مطابقاً لما جاء في لغته الأصلية.

ومما يصعب الترجمة حين تكون ترجمة كلمة واحدة، في لغتها عند نقلها إلى لغة أخرى، تحتاج إلى كلمتين أو ثلاث أو أكثر، وهذا يدفعني للسؤال عن ترجمة القرآن، كيف يمكن ترجمته مع تعدد معانيه وكثرتها وصعوبتها وعمق تفسيراتها في لغته الأصلية، وكيف ستصبح الحال عند نقله إلى لغة أخرى؟

الشاعر بديع الرمادي يقول: "إن ما يستهويه في شعر بيسوا وغيره من شعراء العالم الكبار هو الإصغاء إلى الصدى الذي يبقى من الشعر في النفس، الإصغاء إلى الدبيب، دبيب الإيقاع وترجمته إلى لغتي الخاصة مع الإبقاء على النسق الحي للعمل المترجم".

وهذا يدل ويوضح صعوبة الترجمة الأمينة لنقل النص وروحه الغامضة المخفية في جوانحه.

ترجمة طلعت الشايب أبدعت في نقل أصوات الشعراء الذين كتبوا قصائدهم من أعماق أرواح معذبة، وقفت أمام جبروت الإرهاب والظلم والعنف والسجن والتعذيب والاضطهاد والقمع والنفي والاعتداء الجسدي والتدمير النفسي والقهر السياسي والتهميش الاجتماعي، ووقفت ضد الديكتاتوريات لأجل تحرير بلادها وأرواح مواطنيها.

القصائد المترجمة منتخبة لمختلف شعراء العالم الذين قدموا أرواحهم لأجل نيل حرية بلادهم وحريتهم.

شعر طالع من حشرجات الروح، موجع جداً بعذاباته، وصادق مثل الألم لا يكذب ولا يتجمل.

الشعراء المشهورون والمعروفون لنا هم: شيركو بيكه س، وفروخ زاده، وجاك بريفير، وناظم حكمت، ورسول حمزتوف، وليلى الجبالي، وبرتولد برخت، وكافافيس، ويانيس ريستوس، وعزيز ناسين، ويفجيني يفتوشنكو،

لكنني سأختار قصائد لشعراء آخرين قصائدهم مشحونة بوجعهم الذي كان ثمناً لنضالهم، وهذا مقتطف من قصيدة سيرة عذاب للشاعر الإيراني رضا براهيني يقول مقطعها الأخير:

"قبل ثلاثة أيام، اغتصبني "اردلان"/ هل اغتصبوك؟ لا شيء يهم!/ ومثل كلب في حالة جماع/ أسنان "اردلان" مازالت في كتفي/ كان هناك بالطبع سياط، وصفعات، وركلات/ وبذاءات أخرى كثيرة/ أنت شاعر/ ويقال إن الشاعر يعرف أشياء كثيرة/ فقل لي بربك، ماذا أفعل بعد ذلك؟/ وماذا سيفعلون بي بعد ذلك؟/ معذرة/ سامحني لما سببته لك من صداع،/ ولكن ما الحيلة؟/ إنها حياة عامل/ ولا بد أن يقول لنا أحد ما العمل".

وهذه قصيدة للبولندية راشيل كورن: "اليوم، لأول مرة/ وبعد سبع سنين طوال/ أرتدي ثوباً جديداً/ لكنه قصير جداً على حزني/ ضيق جداً على محنتي/ كل زرٍ أبيض من أزراره/ يسقط مثل دمعة، من ثنياته،/ ثقيلة كأنها حجر!".

وهذه قصيدة للإيرانية فروغ فرخزاد: "أُحدثكم/ أُحدثكم عن نهاية الليل/ عن نهاية الظلام/ يا رفيقي/ إن كنت تقصد بيتي/ احمل لي معك مصباحاً ونافذة صغيرة،/ أريد أن أري صخب الشارع السعيد".

وهذه قصيدة لليلى الجبالي من الجزائر: "صفعتني على وجهي/ لم يحدث أن صفعني أحد من قبل/ صدمة كهربائية/ ثم قبضتك،/ ولغتك القذرة،/ نزفت كثيراً، حتى لم أعد أستطيع/ أن أحمر خجلاً!/ الليل كله/ قاطرة في معدتي/ أقواس قزح أمام عيني/ كأنني آكل فمي/ أغرق عيني/ أيادٍ فوق جسدي كله/ وكأنني أبتسم،/ وجاء جندي آخر ذات صباح/ متشابهان، كأنكما قطرتا دم/ زوجتك، أيها الملازم/ هل قلبت لك السكر في فنجان القهوة؟/ هل قالت لك أمك إنك كنت تبدو وسيماً؟/ هل لمست بأصابعك شعر أطفالك؟".

جميع القصائد هي صرخات أرواح أضناها الوجع في سبيل أن تبزغ شمس الحرية، بعض الشعراء دفع الثمن قبل أن يراها، وبعضهم عاش حتى رآها، لكن قصائدهم ستبقى ضميراً يهز العالم.

back to top