جاسم القطامي وصورة السياسي

نشر في 11-06-2017
آخر تحديث 11-06-2017 | 00:13
مفهوم «رجل الدولة» بتفاصيلة الدقيقة يتجاوز بمراحل مواصفات ما هو متوافر حاليا من نوعية رديئة تدير شؤون الناس سواء في البرلمان أو الحكومة، ويمكن إيضاح جزء من هذه الصورة في شخصية الراحل جاسم القطامي.
 مظفّر عبدالله أول العمود :

في زمن مضى كانت القضية الفلسطينية هي مادة الخبر التالي لأخبار البروتوكولات واستقبالات المراجع العليا في الدولة، اليوم أزاح "داعش" كل ما له صلة بالفلسطينيين في الأخبار وجعله في بند ما يستجد من أعمال.

***

كثير منا لاحظ تلون السياسيين وكذبهم المكشوف، وقرأنا لبعضهم مقالات حول أصول إدارة الدولة بعد تركهم مناصبهم الوزارية أو القيادية الحساسة التي فشلوا فيها وجلوسهم في البيت! ومنهم من كشف النقاب عن رشا كان يقوم بإعطائها لنواب في البرلمان لتمرير قانون ما، وفي برنامج تلفزيوني على الملأ، هكذا بلا حياء.

تذكرت في هذا الجو الملوث شخصية وطنية فريدة من نوعها، وهي شخصية المرحوم بإذن الله جاسم عبدالعزيز القطامي (1929- 2012)، وتساءلت: كيف استطاع هذا الرجل الفذ أن يبقى وفيا لمبادئه رغم تنقله بين مناصب مختلفة في المهام والطبيعة؟ وكيف انسجم مع نفسه وطوع المراكز التي شغلها لخدمة الناس والحفاظ على كرامتهم دون تنازل أو تهاون؟

هنا يجب التأكيد أن مفهوم "رجل الدولة" بتفاصيلة الدقيقة يتجاوز بمراحل مواصفات ما هو متوافر حاليا من نوعية رديئة تدير شؤون الناس سواء في البرلمان أو الحكومة، فجاسم القطامي تنقل بين ما يمكن اعتباره دوائر متناقضة، فكان رجل بوليس ثم رئيس دائرة شرطة الكويت عام 1954، ثم استقالته الشهيرة المسببة من المنصب بسبب رفضه استخدام القوة مع المتظاهرين ضد العدوان الثلاثي على مصر 1956، ثم رجل سياسة تنفيذيا في الخارجية، ولاحقا مشرعا في البرلمان، ثم مدافعا عن حقوق الإنسان، وبين كل ذلك خيط رابط يلخص مفهوم رجل الدولة.

تتطور الأحداث ويصمد هذا الرجل- الذي خلع بدلة العسكر- على المبدأ، ويطالب بحكم ديمقراطي دستوري في خطاب ألقي في ثانوية الشويخ بمناسبة ذكرى الوحدة المصرية السورية، وتمضي الأيام بعد معاقبته على هذه المطالبة بسحب جوازه وبقائه بلا عمل من 1959حتى 1961إلى أن عين مستشارا في الديوان الأميري- وهو على مبدئه- ثم اختير وكيلا لوزارة الخارجية التي تأسست عام 1962ليساهم في بناء أهم مرفق في الدولة، وواجه عواصف عبدالكريم قاسم، ثم استقال ليترشح في أول مجلس أمة عام 1963، ويصبح عضوا مدافعا بكل صلابة عن الدستور وحقوق الناس، وكان من أول المطالبين بحقوق المرأة كاملة عام 1975 مع زميله راشد الفرحان، فكان بحق ذا نظرة شمولية يندر مثيلها.

مارس السياسة من خلال العمل الشعبي والبرلماني حتى مجلس عام 1985 ، وهو آخر برلمان شارك فيه، وتم حله بعد عام.

وينتقل القطامي في حقبة التسعينيات إلى مواكبة موجة الاهتمام بحقوق الإنسان التي راجت في المنطقة العربية بعد غزو العراق للكويت، وأسس فرعا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في الكويت، ثم الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان التي نلت شرف العمل فيها معه ٦ سنوات رغم ضعف قواه الصحية وتقدمه في السن.

هذه سيرة مختصرة لحياة جاسم القطامي الذي لم يتلون، ولم يلن من أجل مكسب مادي أو معنوي، بل ظل لآخر يوم في حياته رمزا للقيم والخصال الجميلة التي يندر وجودها فيمن يتصدرون العمل السياسي اليوم.

أظن أن المسألة في ذهن هذا الرجل الحاضر دائما بيننا بسيطة وتتلخص في القسم الذي يتلوه كثير من وزراء ونواب هذه المرحلة البائسة ولا يقاومون الحنث به ونصه: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق".

هذه الجملة ثقيلة على بعض سياسيي المرحلة الراهنة، لكن الراحل طبقها حرفيا ولم يحد عن كلمة واحدة منها، فكان بحق رجل دولة نادراً.

back to top