أحاديث امرأة لا تشبهني

نشر في 05-06-2017
آخر تحديث 05-06-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم "أبدا لم أكن أنا! وأبدا لم تكن هي ولم نكن اثنتين، بل كنا واحداً! لكن هذا الواحد قبل القسمة فأصبح ناقصا، وظل يبحث عن الكمال".

هذا اقتباس من رواية "أحاديث امرأة لا تشبهني" وهي الأولى للكاتبة ندى إمام، ولها قبلها مجموعة قصصية وديوانان كانت قد أعطتني إياها العام الماضي، وللأسف نسيتها في سيارة التاكسي، لذا لم اطلع على تجاربها الأخرى بالشعر والقصة القصيرة.

رواية "أحاديث امرأة لا تشبهني" هي الأولى لها، وحسب قولها إنها استغرقت 4 سنوات في كتابتها مع أن عدد صفحاتها لا يتجاوز 101، وهذا يدل على مدى اعتنائها واهتمامها وكثرة مراجعتها للعمل، الذي حصل على المركز الثالث بمسابقة نادي القصة.

الكاتبة قسمت الرواية إلى مشاهد، وكل مشهد يمثل حديثا لواقع ما، مثل حديث الذكريات، حديث البحر، حديث الليل، حديث الحب، حديث الخيانة، إلخ.

الرواية تسرد وقائع حياة امرأتين من بداية تعارفهما في المدرسة بعمر الست سنوات، غادة الريفية المولد وعفاف ابنة المدينة، ويظهر اختلاف الشخصيتين من الطفولة ويكبر مع تقدم العمر ونمو السرد لنرى شخصية غادة منفتحة بجرأة على معرفة تجارب الحياة بنهم وعدم احتساب النتائج، عكس شخصية عفاف السلبية المترددة القانعة بالعيش الهادئ النمطي المستسلم لدوران ساعات الوقت بلا أي معنى للهدف أو البهجة، حياة عادية روتينية مملة باردة، أهم ما يسعدها هو صداقتها مع غادة وتماهيها بحياتها حتى باتت لا ظل لها أو كما جاء في هذه الفقرة: "انظري يا دودو إن ظلي ليس موجودا بينما ظلك يتبعك أينما سرت، أين ظلي يا دودو؟".

تضحك غادة وتقول بثقة: "أنا ظلك، هل تريدين ظلا أجمل مني؟ أتعجب في داخلي وأسأل نفسي هل أنا بهذه الضآلة بالنسبة لغادة؟ أم انني ولدت وجيناتي قاصرة غبية؟!".

ورغم زواجهما من رجلين ناجحين في أعمالهما فإنه ليس الزواج ولا الأمومة ولا الحياة الميسرة منحتهما الراحة والسعادة وفهم معنى الحياة، فكل منهما تعيش في فراغ عاطفي بسبب كثرة سفر زوجيهما، ولا وجود لأي هدف في حياتهما مثل أغلبية النساء بالعالم العربي، نساء لم تتعرف ولم تجد ذواتها ولا أي معنى لوجودها خارج مفهوم إطار الزواج والأمومة.

هذا الفراغ يدفع غادة إلى العمل كمضيفة، ثم تقع في غرام زميلها الذي يتركها بعد فترة ليتزوج مضيفة أخرى، فتلجأ غادة إلى تعاطي الكحول ثم تموت ابنتها المراهقة غرقا في البحر، وبعدها تصاب بالاكتئاب فتنتحر.

تتلبس عفاف شخصية غادة فتمارس نفس عاداتها وتعيش في علاقات خيانة محرمة مع الرسام مازن الذي يهرب مع زوجته إلى أوروبا بمجرد ما فاتحته بموضوع الزواج وتخليها عن زوجها، الذي مات فجأة وزاد من ضياعها وعلاقاتها المحرمة، وتضاعف انهيارها النفسي عندما التقطت مذكرات غادة وابنتها زينة الملقاة مع القمامة عندما بيعت شقة غادة بعد موتها، واكتشفت فيها سر انتحار زينة بسبب حملها من مدرسها الأستاذ كمال، وربما كان هذا الأمر هو أيضا السبب وراء انتحار أمها غادة، وهذه فقرة من كتابة عفاف: "لم أكن أشعر بالغيرة تجاهها بقدر ما كنت أشعر بالحب والإعجاب فهي تعبث في داخل نفسي وتخرج مكنوناتها التي لم أعرها اهتماما، لكن دون أن ترهقني بالبحث، ورغم ادعائي أنني الأقوى والأكثر سيطرة على نفسي وأفكاري، إلا أنني كنت بلا أفكار على الإطلاق! فكانت تبث أفكارها بداخلي فتملأني وتشكلني وتصيغني من جديد مدعمة أفكاري النائمة بأفكارها اليقظة المتوقدة".

الرواية تحمل كما كبيرا من الضياع النفسي لشخصيات ليس لها هدف يمنحها وجود ملموس حقيقي، لم تدرك قيمة ذواتها ولم تتعرف إليها فأكلها الفراغ وأضاعها المجون، حتى بعدما تهتدي إلى نفسها نجد عفاف في مشهد الخروج من التيه تكتب آخر جملة في الرواية: "أضبط نفسي متلبسة بمحاكاتها!".

في البداية لم أستسغ اسم الدلع للبطلتين، دودو لغادة وفوفو لعفاف، لكن مع المضي في القراءة وجدت أن اختيار الكاتبة ندى إمام هذين الاسمين مناسب لمثل نموذج هذه الشخصيات الضائعة، التي لا تملك قيمة وجودية في الحياة، ولا يمثل معنى وجودها إلا هامش التواجد فيها.

back to top