الليبرالي القبيح

نشر في 04-06-2017
آخر تحديث 04-06-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري لأسباب كثيرة، أهمها ارتباط المصطلح بالدين، لم نستطع تحديد مفهوم واضح وتعريف دقيق لليبرالية. وكانت المعاني التي مهد لها رجال الدين حين ربطوا المصطلح بالخروج من الدين والانقلاب على الثابت الديني هي التي احتلت وعي العوام، حتى أصبحت الكلمة مخيفة ومرعبة، وكأنها تهدد بنسف العقيدة وثوابت الإيمان.

وواقع الحال أن كلمة ليبرالي لم تكن في أي مفهوم أو تعريف قاموسي أو تطبيقي نقيضا للدين، أو لها أدنى علاقة بمناهضة الفكر الديني. ولا أقصد هنا الفكر الإسلامي، لأن المصطلح أصلا ليس ابتكارا عربيا أو إسلاميا.

الفوبيا المصاحبة لمصطلح الليبرالية في العالم العربي تبدو مضحكة، فقد نجح رجل الدين في تسويق العداء لها، معتمدا على خطابه الجماهيري، الذي يعتمد على الثابت الديني، في الوقت الذي يمارس رجل الدين ليبرالية لا يعترف بها. حين نفهم أن الليبرالية، كمصطلح عام، هي قبول التغيرات التي تطرأ على مجتمع ما، حين تصبح عادات وقيم الأمس ليست عادات وقيم اليوم، هي تحقيق المزيد من الحرية الفردية وقبول الانفتاح وتقبله. وكمصطلح سياسي، هي قبول العملية السياسية والإيمان بالديمقراطية، وهو ما يتفق معه رجل الدين حين يشارك في العمل السياسي، ويقسم على المحافظة على الدستور الذي تشكل الليبرالية عنصرا مهما من عناصره.

ونحن هنا نتفق مع رجل الدين على أن ممارسته الليبرالية

لا علاقة لها بإيمانه وثوابته الدينية، وليس مطلوبا منه أن يكون رجلا بإيمان مغاير وهو يمارس الديمقراطية أو الليبرالية. الذين يمارسون العمل الديمقراطي بمختلف طوائفهم ومشاربهم الدينية هم ليبراليون طالما وافقوا على هذه الممارسة الحديثة، والتي ليست من موروثنا السياسي.

ولا نتفق مع رجل الدين في محاولته التهجم على الليبرالية التي يمارسها، وإيهام نفسه وجمهوره بأنها عدوه الأول والأخير.

أما محاولة الاقتناع بأن هذه الممارسة الليبرالية ليست سوى وسيلة للوصول إلى مرحلة الانقلاب عليها فيما بعد، فهي محاولة فشلت منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم، وستفشل غدا.

السذاجة في طرح مفهوم الليبرالي في الإعلام والبرامج التلفزيونية، بأنه رجل متحرر لا ينتمي لأي طائفة دينية، وهو يعيش مختلفا عن بقية أفراد المجتمع، لكنه لا يؤمن فعليا بما يفعل. ففي حوار ناصر القصبي مع زملائه في إحدى حلقات مسلسله الرمضاني يطرح فكرا غريبا لرجل ليبرالي كما يدعي. هو ضد الديمقراطية، لأنها لن تخرج له كما يتصور الأشخاص الذين يريدهم، فلن يفوز في الفرز الديمقراطي سوى رجل متدين من الطائفتين، أو بدوي تساعده قبيلته، لكنه لم يطرح لنا البديل، وفي الحقيقة نحن نعرف البديل ضمنيا.

السيد مبارك الدويلة، الذي مارس العمل الديمقراطي فترات طويلة، لم يجد من يهاجمهم في مقاله الأخير سوى العلمانيين والليبراليين، دون أن نفهم سبب الهجوم، سوى أنه يتنصل من ممارسته السابقة، وكأنه لم يكن يعمل بدستور علماني وليبرالي. فانتماء الرجل للإخوان المسلمين ودفاعه عنهم لا يعني أنه ليس علمانيا وليبراليا، وكان يمكن أن يكون كذلك، لو اعتزل الممارسة الديمقراطية وعاش مخلصا لفكرته بعيدا عن هذين المصطلحين.

back to top