د. عمر الدوسري و«المسألة الاجتماعية في الكويت» (10- 10)

نشر في 01-06-2017
آخر تحديث 01-06-2017 | 00:15
 خليل علي حيدر يختتم د. عمر الدوسري الفصل الأول وهو الرئيس من كتابه "المسألة الاجتماعية في الكويت"، بنظرة و"تحليل للواقع السياسي الكويتي"، ويفسر أول ما يفسر ظاهرة القوى والجماعات التي أشار إليها من تيارات قومية ودينية وتجار وشيعة وقبائل، ويتحدث عن أسباب تكونها وحلولها محل الأحزاب.

"بما أن الكويت لم يكن فيها أحزاب سياسية كان دور تلك المجموعات وتأثيرها في القرار السياسي بارزا"، ويضيف: "هذه الجماعات تكونت نتيجة لعدم وجود أحزاب، ولذلك فمعظمها يعمل تحت مظلة جمعيات النفع العام، ومعظمها لها اتصالات وجذور بمثيلاتها في الدول العربية خاصة مصر، كالقوميين والإخوان المسلمين". ويقول د. الدوسري مقتبسا عن د. أحمد الخطيب: "الانتخابات عكست الواقع العملي للسياسة الحزبية في الكويت، حيث تبين أنه إذا لم تنتم إلى كتلة لها برنامجها فإن النجاح في الانتخابات يصبح صعبا".

غير أن د. الدوسري يجمع قسما بين "فئات اجتماعية" كالتجار والشيعة والقبائل، وبين "أحزاب" معروفة في التيارين القومي والديني، وهذه كانت تتحرك منذ عقود كأحزاب وإن لم تعلن. ومن الصعب من ناحية أخرى البرهنة على أن النجاح في الانتخابات مرتهن "بالانتماء لكتلة لها برنامجها"، فالكويتيون كانوا في أحيان كثيرة يعطون أصواتهم لمرشحين لهم اتجاهات متعارضة، أو ربما لم يطرحوا إلا أشخاصهم وربما لأسباب اجتماعية أو قبلية أو طائفية، في الدائرة الواحدة.

وثمة موقف حكومي وقانوني غائم من الأحزاب السياسية في الحياة التشريعية الكويتية قد يفسر اضطراب العلاقة بين الحكومة والقوى الاجتماعية المختلفة.

يقول د. الدوسري: "وإلى جانب التوتر الدائم بين الحكومة والبرلمان يعتبر غياب الأحزاب السياسية من أبرز ملامح التجربة الديمقراطية الكويتية، فبالرغم من أن الدستور لم يجز تكوين أحزاب سياسية فإنه لم يمنع تكوينها صراحة أيضا، وفي ظل هذه الحالة لم تتشكل أحزاب سياسية منذ بدء الحياة الدستورية النيابية عام 1963م حتى يومنا هذا، وبقاء الحياة السياسية الكويتية دون قانون للأحزاب يجعلها قاصرة عن بلوغ الحياة الحزبية النيابية الكاملة، حيث لا تزال تلك القوى تمارس نشاطها السياسي المفترض بواسطة أشكال أولية من العمل السياسي، وكأن الزمن قد توقف بالحياة النيابية الكويتية عند عام 1962م ساعة كتابة مواد الدستور".

ونتج عن هذا الفراغ استئثار الانتخابات وما يتعلق بها من أجواء واجتماعات وخطب بالجهد الرئيس الأكبر من نشاط القوى السياسية، وهناك من ناحية أخرى الصراع بين القوى السياسية، و"تخوف الشعب من فكرة الحزبية" وكذلك "استمرار قيام قوى تقليدية تنافس القوى السياسية الحديثة وزحف القيم التقليدية كالقبلية، والفئوية، والطائفية"، وكل هذه المؤثرات، يقول د. الدسوري، "منعت قيام أحزاب في الكويت"، ويضيف مقتبسا عن د. التميمي "أن الحكومة لجأت في سبيل ذلك إلى التحالف مع الروح القبلية والطائفية والفئوية، وإلى استحضار القيم التقليدية لعرقلة التطور الحضاري للمجتمع، وهيأت لذلك عبر تقسيم الدوائر الانتخابية وحصر حق الانتخاب والترشح في فئة محدودة من الشعب وشراء الذمم، وفعل كل ما من شأنه تعزيز تلك القيم في مؤسسات الدولة".

ويؤكد د. الدوسري أن "الكويتيين في عمومهم لا يحبذون فكرة إقامة أحزاب أو الانتماء إليها، وإن كان البعض منهم يرى أن الأحزاب موجودة واقعيا". ويضيف "أن السلطة نجحت في زرع الخوف والرعب في عقل المواطن باستحضار تجربة سيئة للأحزاب في بلدان مثل لبنان والجزائر"، وتستحق هذه النقطة بعض التوقف!

ولا جدال في أهمية الأحزاب للحياة الديمقراطية وتطور الإدارة الليبرالية والتعددية وتداول السلطة وغير ذلك، إلا أن التجربة الحزبية العربية إن لم تكن فاشلة أو سيئة كما هو التصور السائد عنها في الكويت ودول عربية أخرى، فإنها على الأقل، لم تكن ناجحة حتى في دول عرفت الحياة البرلمانية طويلا مثل مصر قبل ثورة 23 يوليو وفي عصر خلفاء عبدالناصر. وفي تقرير نشرته "الجريدة" عام 2010، كتب "أحمد جاد" من القاهرة أن الأحزاب المصرية ضعيفة وواهنة وعاجزة عن الاستقطاب، وقال "إن حزب الوفد ليس لديه أكثر من ألفي عضو فاعل، وإن رئيس الحزب د.السيد البدوي نجح في انتخابات أبهرت شفافيتها الكثيرين، بحصوله على أقل من 840 صوتا". وأضاف التقرير أن عدد الأحزاب المصرية يصل إلى 24 حزبا "لكن الشارع المصري لا يعرف منها سوى 4 أحزاب فقط هي "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم، و"الوفد" و"التجمع" و"العربي الناصري".

وأكدت دراسة أجراها الباحث في مركز "الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية"، د.عمرو هاشم ربيع "أن عدد أعضاء الأحزاب الـ24 نحو مليونين ونصف المليون مواطن، مما يعادل نسبة 4 في المئة من أفراد الشعب المصري، يحتل منها الحزب "الوطني" المرتبة الأولى بنحو 1.5 مليون عضو يليه حزب "الوفد" ويبلغ عدد أعضائه 50 ألف عضو، لكن على أرض الواقع يبلغ عدد أعضاء الجمعية العمومية ممن لهم حق الانتخاب نحو 2000 وفدي".

وتوضح الدراسة أن عدد أعضاء حزب "التجمع" قلعة اليسار في مصر "يبلغ 25 ألف عضو إلا أن أعضاءه الفاعلين لا يتجاوزن الـ900 عضو، أما الحزب "الناصري" فيبلغ عدد أعضائه 5 آلاف عضو و400 عضو لحزب الغد- جبهة أيمن نور".

(الجريدة، 25/ 7/ 2010).

لماذا تنجح الحياة والتجربة الحزبية في تركيا وإسرائيل وربما باكستان وإندونيسيا، ولا تنجح في دول كمصر ولبنان والعراق وسورية وغيرها من الدول العربية؟

هل ستسلم الحياة الحزبية إن قامت في الكويت من عللها المعروفة في دول عربية أخرى؟ هذه مسألة لم تبحث بعد بحياد!

يرى د. الدوسري أن غياب الحياة الحزبية "لم يمنع الممارسة الديمقراطية أن تأخذ مجراها"، حيث اتجهت المعارضة إلى جمعيات النفع، واتخذت منها في بعض الحالات واجهات اجتماعية لممارسة النشاط السياسي خصوصاً أيام السبعينيات والثمانينيات. غير أن الناخب "بقي بدون أي نوع من الالتزام السياسي الذي تعرفه الأحزاب الرسمية في الدول الأخرى، وغالبا ما يعطي صوته لمن يقضي مصالحه، وقد يعطي صوته على سبيل "الفزعة" لنصرة الصاحب أو ابن القبيلة".

ما موقف "الأسرة الحاكمة" كما يحلل د. الدوسري، من هذا الصراع السياسي؟

يرى د. الدوسري أن موقفها لم يكن وديا من كل الأطراف، بل "إن الأسرة الحاكمة متخوفة من القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية في المجتمع الكويتي على سلطتها"!

ويضيف د.الدوسري أن من عبّر عن مخاوفها مثلا عام 1980، كان الشيخ جابر العلي أحد أقطاب السلطة في الأسرة الحاكمة خلال لقائه مع كل من وزير الخارجية البريطانية "دوغلاس هيرد" والسفير البريطاني في الكويت "كمبريدج"، حيث ذكر الشيخ جابر العلي بموجب وثائق الأرشيف الوطني البريطاني التي نشرت في "القبس"، 13/ 1/ 2011، "أن هناك عدة أخطار تهدد السلطة هي الإخوان المسلمون والشيعة والقوميون والتجار والبدو، وأن الصراع بين هذه الفئات في أي مجلس جديد يكون على حساب الاستقرار في البلاد".

وقد لا يخلو رأي الشيخ جابر العلي في جوانب منه من الصحة، إذا أخذنا في الاعتبار خاصة المتشددين في هذه الفئات. أما د. الدوسري فيقول مذكراً "يبدو أن الشيخ تناسى أن الأسرة الحاكمة هي المحرك لهذا الصراع". هل لا تزال الصراعات بحاجة إلى هذا "المحرك"؟

خاتمة:

حاولنا في عرضنا للفصل الأول وهو الرئيسي من كتاب د. عمر أبا الخيل الدوسري "المسألة الاجتماعية في الكويت" أن نطلع القارئ على أبرز محتوياته، ويركز الباحث تحليله كما ذكرنا على الجوانب السياسية وصراعات الحياة البرلمانية بشكل أساسي، إذ إن عنوان الفصل الواقع في 122 صفحة من 444 صفحة، هو "البنية الاجتماعية للبرلمان الكويتي"، ويبقى المزيد للحديث عن حول تطور المجتمع الكويتي وجوانب "المسألة الاجتماعية"، وهي بالطبع كثيرة.

ويخصص الباحث بقية فصول الكتاب للحديث عن تطور الخدمات التعليمية والصحية والفقر وتوزيع الثروة ومسائل الهجرة والعمالة والتجنيس، وتتضمن هذه الفصول كما هائلا من المعلومات والتفاصيل، وتلخيصا لمداولات المجلس حولها.

ونحن إذ نشكر الباحث الفاضل نتمنى أن يجد الوقت لأن يطور هذا المدخل القيم لأوضاع الكويت والخدمات الاجتماعية ما بين 1960 و1990 وأن يقوم بكتابة المزيد من التحليلات الاجتماعية المكملة لها.

back to top