بين الواقع وبيع الأوهام

نشر في 29-05-2017
آخر تحديث 29-05-2017 | 00:13
على الرغم من عملية التجهيل وقلب الحقائق التي تُمارس في دولنا بشكل مُمنهج، فإن وعي الناس بشكل عام في تطور مستمر لا يدركه المفصولون عن الواقع الذين ما زالوا يعيشون في أوهام الماضي، وهو الأمر الذي جعل الثقة الشعبية بمصداقية ومهنية الإعلام الرسمي أو وسائل الإعلام المستفيدة من الوضع الحالي في أدنى درجاتها.
 د. بدر الديحاني توهّم أشياء غير موجودة بالفعل على أرض الواقع ثم التصرف على أساس أنها حقائق لا تقبل الجدل يعتبر مرضا نفسيا يحتاج إلى علاج متخصص، وأول خطوة في علاج هذا المرض النفسي الذي يُغيّب الوعي هو الاعتراف بما يجري على أرض الواقع ورؤية الأشياء كما هي بعيداً عن الأوهام والهلوسات المرضية.

وفي الدول المتخلفة يعتبر بيع الأوهام وباء منتشرا، فحكوماتها تعتاش على تزييف الوعي العام وغياب الشفافية، ويؤدي الإعلام الرسمي دوراً كبيراً ومؤثراً في نشر الخرافات، وتزييف الحقائق، وتضليل الرأي العام، وذلك من أجل تزييف وعي الناس وإيهامهم بوجود أشياء غير موجودة بالفعل على أرض الواقع.

لنأخذ، على سبيل المثال لا الحصر، موضوع الديمقراطية في دولنا، فالإعلام الرسمي بجانب وسائل الإعلام التي تُعبّر عن مصالح جماعات تجارية مستفيدة من الوضع القائم، وأيضاً بعض الناشطين في الساحة السياسية لا سيما أعضاء المجلس، يوهمون الناس بأن وضعنا السياسي الحالي هو نموذج للديمقراطية الحقيقية، فلا داعي، كما يزعمون، للحديث عن ضرورة الإصلاح السياسي والديمقراطي، في حين أنه، في واقع الأمر، وضع سياسي مُشوّه يغلب عليه الشكل "الديمقراطي" على حساب المضمون، ويحتاج، بالفعل، إلى إصلاح جذري وشامل كي يصبح نظاماً ديمقراطياً حقيقياً.

أما في بعض دول الخليج فهناك مجالس استشارية مُعيّنة من الحكومات، ولكن الإعلام الرسمي يصورها على أنها مجالس نيابية فيوهم الناس بأن هذه هي الديمقراطية، وأن المجالس الاستشارية المُعينة تُمثّل الناس، وتقوم بالدور ذاته الذي تقوم به البرلمانات الديمقراطية العريقة، ومما يزيد الوضع السياسي تزييفاً وسوءاً هو وجود ما يسمى بالبرلمان العربي الذي يقبل في عضويته لجاناً استشارية حكومية غير مُنتخبة على أنها "برلمانات" تُمثّل شعوب بعض الدول العربية.

ولكن على الرغم من عملية التجهيل وقلب الحقائق التي تُمارس في دولنا بشكل مُمنهج، فإن وعي الناس بشكل عام في تطور مستمر لا يدركه المفصولون عن الواقع الذين ما زالوا يعيشون في أوهام الماضي، وهو الأمر الذي جعل الثقة الشعبية بمصداقية ومهنية الإعلام الرسمي أو وسائل الإعلام المستفيدة من الوضع الحالي في أدنى درجاتها وأحياناً معدومة، لا سيما بعد ثورة تكنولوجيا المعلومات، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت ضحالة فكر معظم من يتولون إدارة الشأن العام، وفضحت عملية تضليل الرأي العام بعد أن كشفت الحقائق كما هي على أرض الواقع، فاتضح للناس عملية تزييف الوعي وبيع الأوهام.

back to top