أبو الدرداء الأنصاري حكيم الأمة

نشر في 29-05-2017
آخر تحديث 29-05-2017 | 00:00
No Image Caption
اسمه عامر بن مالك، ولقبه: عويمر، وهو من الأنصار من الخزرج، قال عنه (صلى الله عليه وسلم): "حكيم أمتي عويمر"، والعجيب أن إسلام أبي الدرداء جاء متأخراً، لكنه جاء متدفقاً مندفعاً دافعاً إلى محاولة تعويض ما فاته، فقد كان رضي الله عنه من آخر الأنصار إسلاماً، وكان يعبد صنماً، وضعه في أشرف مكان في بيته، يضمخه كل يوم بالطيب، ويلقي عليه أفخر الثياب وأغلاها، وذات يوم عزم عبدالله بن رواحة، وكان صديقاً لأبي الدرداء في الجاهلية ومقرباً إلى نفسه، على أن يحرك عقل وتفكير صاحبه الذي لا يزال يعبد صنماً رغم نور الإسلام الذي أضاء المدينة المنورة، انطلق ابن رواحة قاصداً بيت أبي الدرداء، وتحكي أم الدرداء فتقول: جاء عبدالله بن رواحة ودخل بيتي فسأل عن عويمر، فأخبرته أنه خرج آنفاً، وكنت أمشط رأسي، فدخل ابن رواحة ومعه قادوم فأنزل الصنم وجعل يقدده، فقلت: أهلكتني يا ابن رواحة، فخرج، وأقبل عويمر، فوجدني أبكي شفقاً منه، فقال: ما شأنك؟، قلت: أخوك عبدالله بن رواحة دخل فصنع ما ترى، فنظر أبوالدرداء إلى الصنم المحطم، وغضب غضباً شديداً، ثم فكر وانكشف أمام عينيه فجأة زيف ما كان يفعل، فقال أبو الدرداء كمن استيقظ من سبات عميق: أعدي لي ماءً في المغتسل، فاغتسل، ولبس حلته ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

شهد أبوالدرداء غزوة أحد والمشاهد كلها، وكان بلاؤه يوم أحد مشهوداً، وترك التجارة وكانت مهنته وانكب على العبادة يريد رضا ربه، وكان يقول: "كنت تاجراً قبل المبعث فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا فتركت التجارة ولزمت العبادة".

حرص أبوالدرداء على العلم، وكان حرصه على العمل بما يعلم أقوى وأشد، وكان ملازماً لسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى قال عنه الصحابة: "أتْبَعُنَا للعلم والعمل أبوالدرداء"، جمع الله له بين العلم والفقه وبين العمل والدعوة، وهو أحد القراء السبعة المشهورين الثقات، جاء ترتيبه رقم 22 فيمن رووا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، كما روى عن زيد بن ثابت، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم جميعاً، وذكر صاحب كتاب: "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد" أن أبا الدرداء من أصحاب المئة رضي الله عنهم، وعدَّ له مئة حديث وتسعة وسبعين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على حديثين منهما، وانفرد البخاري بثلاثة أحاديث، وانفرد مسلم بثمانية أحاديث، كما روى له أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وروى عنه من الصحابة نفر كثير.

عاش أبوالدرداء حياة زهد وتواضع وعلم وذكر، ويروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب زاره في بيته فلم ير فيه غير فراش من جلد، وكساء رقيق لا يحميه من البرد، فقال له: رحمك الله، ألم أوسع عليك؟، فقال له أبوالدرداء: أتذكر حديثاً حدثناه رسول الله؟ قال عمر: أي حديث؟ قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب"، قال: نعم، قال أبوالدرداء: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ فبكى عمر، وبكى أبوالدرداء.

بعثه عمر إلى الشام ليعلم الناس القرآن والحديث فاستقر في دمشق، وإليه انتهت مشيخة الإقراء فيها، وولي قضاءها في خلافة عثمان، وظل بها حتى مات، قالت زوجته: لما احتضر أبوالدرداء جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟

back to top