جارية الرشيد تنطق بيتاً يحوّله أبو نواس إلى قصيدة (3 - 30)

نشر في 29-05-2017
آخر تحديث 29-05-2017 | 00:02
تتنقّل شهرزاد في هذا الجزء من الليالي، بين أكثر من حكاية، تتعلق كلها بما يروى عن الخليفة «المأمون» من حكايات، من حكاية الجارية خديجة ابنة الحسن بن سهل، التي أعجبته بعد سهرة طويلة بينهما حتى مطلع الفجر فتزوجها فوراً، إلى حكاية الرجل الفقير الذي عطف عليه كلب الأغنياء يوماً، إلى الأبيات التي كتبها أبو نواس لهارون الرشيد، فكانت صورة طبق الأصل لما حدث مع الخليفة.
لما كانت الليلة التاسعة عشرة بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد، أن إسحق الموصلي قال: خرجت ليلة من عند المأمون متوجهاً إلى بيتي فمررت بزقاق منعزل فلفت نظري جسم طويل في الظلام. لما قربت منه رأيت شيئاً معلقاً بحبل مُدلى من نافذة. تأملته فوجدته زنبيلاً كبيراً، كسى ظاهره وباطنه بالحرير، فقلت لنفسي: لا بد لهذا من سبب. وصرت متحيراً في أمره، ثم هيأ لي السكر أن أجلس فيه، فما كدت أفعل حتى جذبه من في الدار، ظناً منهم أني الشخص الذي يرتقبونه. ولما وصل الزنبيل بي إلى النافذة، إذا بأربع جوار كأنهن الأقمار يتلقينني ويقلن لي: انزل على الرحب والسعة. مشيت بين يدي جارية معها شمعة حتى وصلت إلى مجالس مفروشة لم أر مثلها إلا في دار الخلافة، وأقبلت وصائف في أيديهن الشموع ومجامر البخور، وبينهن جارية كأنها البدر قالت لي: مرحباً بك من زائر.

أجلستني وسألتني عن خبري، فقلت لها: كنت عند بعض أخواني، فلما تركتهم عائداً إلى داري، حصرني البول في الطريق، فملت إلى هذا الزقاق حيث وجدت زنبيلاً معلقاً بحبل، فهيأ لي الشراب أن أجلس فيه فقالت لي: لا ضير عليك، وأرجو أن تحمد عاقبة أمرك، ما صناعتك؟ فأجبتها: تاجر في سوق بغداد، فسألتني: هل تروي من الأشعار شيئاً؟ فأجبتها: أروي شيئاً ضعيفاً. قالت: فأنشد شيئاً. فقلت: إن للقادم دهشة، ولكن تبدئين أنت. قالت: صدقت. ثم أنشدت شعراً رقيقاً من كلام القدماء والمحدثين، فلم أدر، أعجب من حسنها وجمالها أم من حسن روايتها؟ ثم سألت: هل ذهب ما كان عندك من الدهشة؟ أجابت: نعم، والله. قالت: إن شئت فأنشدنا شيئاً من روايتك. فأنشدتها لجماعة من القدماء ما فيه الكفاية فاستحسنت ذلك ثم قالت: والله ما ظننت أنه يوجد من أبناء السوقة مثل هذا، ثم أمرت بالطعام، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

لما كانت الليلة الثامنة عشرة بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن إسحق الموصلي قال: إن الجارية أمرت بإحضار الطعام، وأصناف الرياحين والفواكه، مما لا يكون إلا عند الملوك، ثم دعت بالشراب، فشربت قدحاً ثم ناولتني وقالت: هذا أوان المذاكرة، فرويت لها عدة أخبار حسان، فقالت لي: إني لأعجب كيف يكون أحد من التجار يحفظ مثل هذه الأخبار؟ فقلت لها: كان لي جار يحادث الملوك وينادمهم، وكنت أزوره وأسمع منه، فقالت، لعمري لقد أحسنتَ الحفظ.

ثم أخذنا في المذاكرة، وكلما سكت ابتدأت هي، حتى قطعنا أكثر الليل وبخور العود يعبق، وأنا في حالة لو توهمها المأمون لطار شوقاً إليها، ثم قالت لي: أنت من ألطف الرجال وأظرفهم لأنك ذو أدب بارع، وما بقي إلا شيء واحد، فقلت لها: ما هو؟ قالت: أن تترنم بالأشعار على العود، فقلت لها: إني كنت تعلقت بهذا قديماً، ثم أعرضت عنه إذ وجدت أني لم أرزق حظاً فيه وحبذا لو تم أنسنا بسماع الأوتار، والرأي لك وأنت صاحبة الفضل ولك المنة في ذلك. فأمرت بإحضار عود، وغنت عليه بصوت ما سمعت بمثل حسنه، مع حسن الأدب وجودة الضرب والكمال الراجح، ثم قالت: هل تعرف لمن هذا الصوت وهذا الشعر؟ فأجبت بالنفي، فقالت: الشعر لفلان، واللحن لإسحق. فسألت: هل لإسحق مثل هذه البراعة؟ فقالت: بل هو أبرع وأبدع، وسبحان الذي أعطاه ما لم يعطه أحداً سواه. ولم نزل على ذلك حتى طلع الفجر، فأقبلت عليها عجوز وقالت لها: لقد حان الوقت يا سيدتي، فنهضت وقالت لي: لتستر ما كان منا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

ابنة الحسن بن سهل

لما كانت الليلة الحادية والعشرون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن إسحق الموصلي قال: لما قالت الجارية لي: استر ما كان منا، قلت لها: لم أكن محتاجاً إلى وصية في ذلك. ثم ودعتني وأرسلت جارية تمشي بين يدي إلى باب الدار، وخرجت متوجِّها إلى داري، فصليت الصبح ونمت، وفي الصباح، جاء رسول المأمون فسرت إليه وأقمت نهاري عنده. فلما كان وقت العشاء تفكرت في ما كنت فيه في الليلة الماضية، فمضيت إلى ذلك الزقاق حيث وجدت الزنبيل فجلست فيه، ورفعت إلى ذلك المجلس، فرحبت بي الجارية، وأمرت بالطعام والشراب والغناء، وبقينا في المنادمة والمذاكرة والمناشدة وغريب الحكايات إلى الفجر، ثم انصرفت إلى منزلي. وفي اليوم التالي، أردت الانصراف من عند أمير المؤمنين في المساء، لكنه تشبث بي وطلب مني البقاء، فبقيت على مضض، ثم انتهزت فرصة انشغاله ببعض شؤون قصره الخاصة، وانصرفت من غير استئذان، إذ هان عليّ ما قد ألقاه من غضب أمير المؤمنين في سبيل استمتاعي بمجلس تلك الجارية، وما رأتني حين رفعت إليها في الزنبيل حتى صاحت بي: هل اتخذت دارنا محل إقامة؟ فأجبتها: جعلت فداءك. حق الضيافة ثلاثة أيام، فإن رجعت بعد ذلك فأنتم في حل من دمي...

ثم جلسنا على عادتنا حتى حان وقت الانصراف، فتذكرت خروجي من عند المأمون، وقلت لنفسي: إنه لن يتركني أرجع وحدي إلى الجارية إن رويت له قصتها، فقلت لها: يا سيدتي إن لي ابن عم يعجب بالغناء، وهو أحسن مني وجهاً وأشرف قدراً وأكثر أدباً وأعرف خلق الله تعالى بإسحق، فهل آتي به معي؟ فضحكت الجارية وقالت: أطفيليّ وتقترح؟ لكن إن كان ابن عمك كما تصفه فلا بأس بمعرفته. قمت بعد ذلك متوجهاً إلى داري، فلم أصل إليها حتى جاءني رسل المأمون وحملوني إليه فوراً.

لما كانت الليلة الثانية والعشرون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن إسحق الموصلي قال: لما دخلت على المأمون وجدته مغتاظاً مني وقال لي: يا إسحق أخرجت عن الطاعة؟ أجبته: لا والله يا أمير المؤمنين. فقال: ما قصتك؟ فحدثته بالحديث وقلت له: إني وعدتها بإحضار ابن عم لي إليها. فقال لي: أحسنتَ، وبقي طوال اليوم متعلق القلب بهذا الأمر، وما صلينا العشاء حتى خرجنا متنكرين وأنا أوصيه بأن يتجنّب أن يناديني باسمي أمام الجارية. سرنا إلى أن أتينا مكان الزنبيل، فوجدنا زنبيلين اثنين جلسنا فيهما ورفعا بنا إلى المحل المعهود، فأقبلت الجارية وسلمت علينا، فلما رآها المأمون أعجبه حسنها وأدبها، ثم أخذت تذاكره الأخبار وتناشده الأشعار...

وأحضرت المشروب فشربنا، وهي مُقبلة عليه مسرورة به، وهو أيضاً مقبل عليها مسرور بها. أخذت بعد ذلك العود وغنّت فأطربت، ثم سألتني: هل ابن عمك من التجار؟ أجبتها: نعم. وواصلنا المنادمة، فلما شرب المأمون ثلاثة أرطال داخله الفرح والطرف وقال لي: ويحك يا إسحق، غن لنا شيئاً بهذه الطريقة، فلم يسعني إلا الإذعان، ثم أخذت في الغناء، وغنيت كل ما سمعته من الجارية وزدت عليه. فلما وقفت على حقيقة أمرنا، خجلت من الخليفة ونهضت من المجلس فاختفت وراء الستائر.

عندما فرغت من الغناء، سأل المأمون إحدى الجواري عمن تكون سيدتها، فقالت: هي ابنة الحسن بن سهل، واسمها خديجة، فأرسل في طلبه فوراً، وخطبها لنفسه منه، فقال الحسن: هي جاريتك وأمرها إليك يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: قد تزوجتُها، ومهرها ثلاثون ألف دينار تحمل إليك في الصباح. ولما خرجنا قال لي: يا إسحق لا تقص هذا الحديث على أحد، فسترته إلى أن مات.

نوادر أبي نواس

قالت شهرزاد للملك شهريار: يُحكى أن الخليفة هارون الرشيد قلق ذات ليلة قلقاً شديداً وشغلته الأفكار، فقام يتمشى في جوانب قصره، حتى انتهى إلى مقصورة عليها ستر، فرفعه فرأى سريراً عليه شيء أسود كأنه إنسان نائم، وعلى يمينه شمعة وعلى يساره شمعة. بينما هو ينظر إلى ذلك ويتعجّب منه، إذ وجد باطية مملوءة خمراً معتقة والكأس إلى جانبها، فاشتد عجبه وقال لنفسه: أتكون هذه الخمر لمثل هذا الأسود؟ ثم دنا من التخت، فإذا فوقه صبية نائمة وتجللت بشعرها، فكشف عن وجهها فرآها كأنها البدر ليلة تمامه، فملأ الكأس من الخمر وشربه على ورد خدها، ومالت نفسه إليها فقبل خالاً كان على وجهها، فانتبهت من نومها، وما رأته حتى عرفته وقالت: يا أمين الله، ما هذا الخبر؟ فأجابها من الوزن والقافية نفسيهما: هو ضيف طارق في حيكم كي تضيفوه إلى وقت السحر

فقالت مكملة: أكرم الضيف بسمعي والبصر.

ثم قدمت له الشراب، وشربت معه، وأخذت العود بعد ذلك فأصلحت أوتاره وضربت عليه 21 طريقة، ثم عادت إلى الطريقة الأولى، فأطربت بالنغمات، وأنشدت هذه الأبيات:

لسان الهوى في مهجتي لك ناطق

يخبر عني أنني لك عاشـــــــــــق

ولي شاهد عن فرط سقمي معرب

وقلب جريح من فراقك خافــــــق

ولم أكتم الحب الذي قد أذابنـــــي

ووجدي مزيد والدموع سوابــــق

وما كنت أدري قبل حبك ما الهوى

ولكن قضاء الله في الخلق سابـــق

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

لما كانت الليلة الثالثة والعشرون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للرشيد: أنا مظلومة يا أمير المؤمنين. فسألها: من ظلمك؟ أجابت: ولدك اشتراني بعشرة آلاف درهم، وأراد أن يهبني لك، فبعثت إليه ابنة عمك الملكة زبيدة بذلك الثمن، وأمرته أن يحجبني عنك في هذه المقصورة. فقال لها الرشيد في الليلة المقبلة أكون عندك إن شاء الله تعالى. ثم تركها ومضى. لما أقبل الصباح، توجه إلى مجلسه وأرسل إلى أبي نواس فوجده في إحدى الخمارات وحجزه صاحبها حتى يدفع ألف درهم أنفقها على غلام مليح هناك، فأمر الخليفة بدفع ذلك الدين عنه وإحضاره، فلما وقف بين يديه، قال له الخليفة: أنشدني شعراً يكون فيه «يا أمين الله ما هذا الخبر»، فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين.

لما كانت الليلة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا نواس أنشد الرشيد هذه الأبيات:

طال ليلي بالعوادي والسهر

فانبرى جسمي وأكثرت الفكر

قمت أمشي في محلي تارة

ثم طورا في مقاصير الحجر

فرأت عيناي وجها زاهراً

لفتاة زان خديها الخفــــــــــر

فشربت الكأس منها جرعة

ثم قبلت لها خالا ظهــــــــــر

فاستفاقت وهي في غشيتها

تنثني كالغصن في وقت المطر

ثم قامت وهي لي قائلـــة: 

يا أمين الله ما هذا الخبــــــــر؟

قلت: ضيف طارق في حيكم

كي تضيفوه إلى وقت السحر

فأجابت بسرور: سيدي

أكرم الضيف بسمعي والبصــر

 

فاستغرب الرشيد ذلك وقال له: ويلك كأنك كنت حاضراً معنا: وأمر له بجائزةٍ ثمينة.

 

الكلب الكريم

لما كانت الليلة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: ومما يُحكى أيها الملك السعيد، أن رجلاً كثرت عليه الديون، فترك أهله وعياله وخرج هائماً على وجهه، ولم يزل سائراً إلى أن أقبل بعد مدة على مدينة عالية الأسوار، عظيمة البنيان. دخلها وهو في حالة الذل والانكسار، واشتد به الجوع وأتعبه السفر. فيما هو يمشي في بعض شوارعها، رأى جماعة من الأكابر سائرين معاً، فمشي معهم حتى دخلوا داراً أشبه بقصور الملوك، فدخل في زمرتهم، ووجد هناك رجلاً جالساً في صدر المكان، وعليه هيبة عظيمة وجلالة جسيمة، وحوله الغلمان والخدم. لما رآهم رحب بهم. لكن الرجل لما دخل ذلك المجلس أخذه العجب مما رأى من فخامة المكان وكثرة الخدم والحشم، وصار في حيرة وكرب خائفاً على نفسه، ثم جلس وحده بعيداً عن الناس حيث لا يراه أحد. بينما هو كذلك أقبل رجل ومعه أربعة من كلاب الصيد، وعليها أنواع القز والديباج، وفي أعناقها أطواق من الذهب بسلاسل من الفضة، فربط كل واحد منها في محل مخصص له، ثم أتى لكل كلب بصحن من الذهب يفيض بالأطعمة الفاخرة، ووضع لكل كلب منها صحنه أمامه. كان الرجل جائعاً، فصار ينظر إلى ذلك الطعام، ويحدِّث نفسه بأن يتقدم إلى كلب منها ويأكل معه، ولكن الخوف منعه. ثم إن كلباً منها نظر إليه فألهمه الله تعالى معرفة حاله، فتأخر عن الصحن وأشار إليه فأقبل وأكل حتى اكتفى، ثم رجع إلى مكانه، فأخذ الكلب ذلك الصحن وألقاه أمامه، فأخذه وخرج من الدار. سافر بعد ذلك إلى مدينة أخرى فباع الصحن واشترى بثمنه بضاعة عاد بها إلى بلده فباعها، وقضي ما كان عليه من الديون، وكثر رزقه وصار في نعمة وبركة. وبعد مدة من الزمان، قال لنفسه: لا بد من أن أسافر إلى مدينة صاحب الصحن وآخذ له هدية مليحة لائقة، وأدفع له ثمن ذلك الصحن. لما وصل إلى تلك المدينة، توجه إلى القصر، فلم ير إلا أطلالاً بالية وغراباً ناعياً، ودياراً أقفرت، وأحوالا تغيرت وتنكَّرت، فارتجف منه القلب والبال، وأنشد قول من قال:

خلت الزوايا من خباياها كمــــــــــــا

خطت القلوب من المعارض والتقى

وتنكر الوادي فما غزلانـــــــــــــــه

تلك الظباء ولا النقا ذاك النقـــــــــا

وقول الآخر:

سرى طيفُ سعدٍ طارقاً يستفزني

سحيراً وصحبي بالفلاة رقــــــودُ

فلما انتبهنا للخيالِ الذي ســــرى

إذا الجو قفرٌ والمزارُ بعيــــــــــدُ

هدية

لما شاهد الرجل تلك الأطلال البالية، ورأى ما صنعت بها أيدي الدهر علانية، ولم يجد بعد العيان إلا الأثر، أغناه الخبر عن الخبر، والتفت فرأى رجلاً مسكيناً في حالة تقشعر منها الجلود، ويحن إليها الحجر الجلمود، فقال: يا هذا ما صنع الدهر والزمان بصاحب هذا المكان؟ وأين بدوره السافرة، ونجومه الزاهرة؟ وما سبب الحادث الذي حدث ببنيانه، حتى لم يبق فيه غير جدرانه؟ فأجابه: هو هذا المسكين الذي تراه، وهو يتأوَّه مما عراه، ولكن أما تعلم أن في كلام الرسول عبرة لمن به اقتدى، وموعظة لمن اهتدى، حين قال صلى الله عليه وسلم: «إن حقاً على الله تعالى ألا يرفع شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه»، فإن كان لسؤالك عن هذا الأمر من سبب، فليس مع انقلاب الدهر عجب.

أنا صاحب هذا المكان ومنشؤه ومالكه وبانيه، وصاحب بدوره السافرة وأحواله الفاخرة، وتحفه الزاهية وجواريه الباهية، لكن الزمان مال، فأذهب الخدم والمال، وصيرني في حال غير الحال. لكن لا بد لسؤالك هذا من سبب، فأخبرني به واترك العجب. أطلعه الرجل على القصة، وهو في ألمٍ وغُصَّة، وقال له: جئتك بهدية فيها النفوس ترغب، وثمن صحنك الذي أخذته من الذهب، فإنه كان سبباً لغناي بعد الفَقر، ولعمارة ربعي وهو قفر، ولزوال ما كان عندي من الهم والحصر.

هز الرجل رأسه وبكى، وأنَّ واشتكى، وقال: أظنك يا هذا مجنوناً، فإن هذا الأمر لا يكون من عاقل، كيف يتكرم عليك كلب من كلابنا بصحن من الذهب وأرجع أنا فيه؟ إن رجوعي فيما تكرم به كلبي لن يكون أبداً، فامض من حيث جئتَ بالصحة والسلامة، فقبل الرجل قدميه، وانصرف راجعاً يثني عليه، ثم إنه عند فراقه ووداعه، أنشد هذا البيت:

ذهب الناسُ والكلابُ جميعاً

فعلى الناسِ والكلابِ السلامُ.

وإلى حلقة الغد

إسحق الموصلي يغادر قصر الخليفة دون استئذان للقاء فتاة

كلب الأغنياء يمنح صحناً ذهبياً لفقير عاد بعد سنوات فوجد الأغنياء أكثر فقراً منه

المأمون يخطب فتاة لإعجابه بشعرها وغنائها
back to top