كم بقي من فسحة الوقت؟!

نشر في 28-05-2017
آخر تحديث 28-05-2017 | 00:23
 حسن العيسى فسحة الوقت هي الباقية، والتي يمكن لدول الخليج أن تنفق بها من صناديقها السيادية بعد تهاوي أسعار النفط، وهي تختلف من دولة لأخرى، في الكويت يتوقع جاسم السعدون بورقته البحثية لمركز الخليج لسياسات التنمية بعنوان "الثابت والمتحول" أنها ستكون بحدود تسع سنوات ونصف السنة، ويقول: "... وبهذا نستنتج أن المدخرات أو الصناديق السيادية، مهما بلغ حجمها فإنها لا تمنح إلا فسحة متفاوتة من الوقت لمواجهة تداعيات ركود سوق النفط... ولا تضمن استدامة الوضع المالي أو الاقتصادي وحتى السياسي من دون جراحات أو إصلاحات مالية واقتصادية جوهرية...".

التاريخ لا يعيد نفسه كما يقول ماركس، لكن الحدث قد يكرر نفسه مرة كمأساة ثم مرة أخرى كملهاة، وكانت هناك - إن صح التعبير - المأساة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في عام 86 أو 98 حين هوت أسعار النفط، ماذا تعلمت دول الخليج من تلك التجارب؟ كررت هذه الدول نفس خطايا رواج القرن الماضي، إذ ارتفعت نفقاتها العامة بالمطلق... بسياسات مالية منفلتة... واليوم ما بعد 2014 تحدث الملهاة بسقوط النفط، وتقف الإدارة شبه عاجزة أمام هول المشهد ماذا تصنع وكيف تواجه الناس، وقبل ذلك كيف تواجه نفسها، وكأن حالنا في الكويت، نتوسل حكمة جحا الذي راهن السلطان بأنه سيجعل حماره يتكلم بعد سنة، وراهن ماذا يمكن أن يحدث خلالها متمثلاً موته أو موت السلطان أو موت الحمار، ماذا عن رهاننا بعد تسع سنوات، والأرجح وشبه المؤكد أن أياً من احتمالات جحا لن تحدث، فستبقى أسعار النفط بحالها الكاسد، فالنفط الصخري أو الرملي الأميركي تنخفض تكلفته، ولا معجزة قادمة في الاقتصاد الصيني أو الأوروبي ترفع الطلب على نفطنا، ماذا سنصنع؟!

اقرأوا "الهموم الكبرى" في السياسة الداخلية، على سبيل المثال، وزارة التربية تتخذ إجراءات ضد طالبات ابتهجن بنهاية دراستهن خارج المدرسة، فتحركت الوزارة بعد أن لبست البدلة العسكرية لوزارة الداخلية لتعاقب الطالبات وأولياء أمورهن بناء على طلب "الادعاء العام" للنائبين وليد الطبطبائي ومحمد هايف... هذه أولوية استرضائية "ريائية" أهم من كل أولويات مناهج التعليم الكارثية وحالات الغش الرهيبة بين طلبة وأساتذة مرقوا الأجوبة في امتحانات للثانوية العامة مثلما نشر بالقبس بالأمس، مثال بسيط فيما يشغل بال هذه الوزارة، ولا يبدو أن هناك هماً أكبر يقلق مجلس الوزراء بكامله غير تلك الشاكلة من الهموم.

مثال آخر، تحدث بتصريح صحافي قبل فترة، وزير المالية معبراً عن قلقه من مستقبل الدولة، ولا يختلف الأمر إن قلنا هو مستقبل مالي أو كان مستقبل وجودها، فلا معنى لدولة بدون أموال، قامت الدنيا عليه، بسبب هذا التصريح والذي يبدو طبيعياً، لم يكن الانتقاد ضده يتساءل: ماذا فعلت يا وزير خلال السنوات الثلاث الماضية ومنذ لحظة تهاوي سلعة النفط؟ وماذا ستصنع اليوم طالما ترى أن مجلس الوزراء يضع أولوية السياسي المتخلف في الاسترضاءات والمحسوبيات قبل حقيقة الهم الاقتصادي؟ هل ستتخذ موقفاً جاداً وتقدم استقالتك احتجاجاً على نهج فشل مجلس الوزراء في مواجهة الأزمة، وإيثاره طريق السلامة والصفقات السياسية، وبهذا تقدم رسالة بليغة عن حجم مأساة الإدارة وعجزها؟ أم ستبقى في مكانك وترقع الأمور وتسكت؟! كان الانتقاد لأنس، ينحصر فيمن أتى به للوزارة، وكيف وصل؟ وهو محسوب على من...!

خارج حدود الدولة، طالعنا ما حدث بين "أشقاء مجلس التعاون" أخيراً، وهذا الموضوع من المحرمات أن يفتح فيه النقاش الإعلامي بشفافية، بسبب القوانين "الخيرة" للرأي التي شرعت في السنوات الأخيرة من مجلس التابعين، وكيف طبقت وتمت مصادرة حريات مواطنين لأنهم قالوا كلاماً لا أكثر يعد من ممنوعات القانون... فلنسكت إذن.

كم بقي من فسحة الوقت في عمر دولنا يمكن أن تناقش فيه بجدية خطر ديمومتها بعد قرب زوال الدم الأسود الذي كان يجري في أجسادها؟ هل هناك أي أمل للإصلاح السياسي الاقتصادي؟ أم سنظل على طمام المرحوم؟

back to top