ثقوب تتسع

نشر في 28-05-2017
آخر تحديث 28-05-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري نشعر جميعا بالخجل لما يحدث، برغم عدم اهتمامنا بالسياسة ودهاليزها ومحاولتنا الدائمة لأن تكون الثقافة ملاذا وخيمة نجتمع في ظلها. في أكثر حالات تشرذمنا واختلافنا في ما مضى لم نصل إلى هذه الحالة من الإحباط والوقوف على حافة اليأس.

نكاد ندرك أن المستقبل لا يبشرنا بخير بهكذا معطيات، والعواصم الثقافية اليوم تتناحر وتتمزق في صراعات جعلت الهم الثقافي آخر هموم المواطن العربي في هذه العواصم. ومجاميعنا الثقافية والفكرية تتصارع صراعا خفيا أحيانا ومعلنا في أحايين أخرى.

لا يسرني قول هذا، ولا تسعدني هذه الحال المريضة مرضا مستعصيا، ولكنها مع الأسف الحقيقة التي لا يمكن أن نهرب منها أو نداريها، ويمكن للمتابع أن يستشف هذا الصراع الثقافي وهذه الكراهية التي تتمايل بأهوائها كيفما تميل صراعات السياسة ومواقف السياسيين.

في الوقت الذي نتمنى فيه أن تأتلف العقول المثقفة تقوم السياسة بتجديد فرقة هذه العقول التي تسارع إلى إظهار خطاب الكراهية. لا يمكن إنكار الكراهية بين مثقفي الخليج ومثقفي الشام ومصر والكراهية بين مثقفي مصر والسودان وصراع مثقفي المغرب العربي، لا يمكن لمتابع لا يخاتل نفسه أو يخدعها أن يتنكر لما يحدث.

أزمة الدول العربية ليست أزمة حكومات، كما نحاول تصويرها لنذرّ الرماد في العيون، ولكنها صراع شعوب في المستوى الأول وسياسيين ومثقفين في المستوى الثاني. ولم تعد أزمة بين دولتين جارتين فقط، وإنما أزمة في داخل الوطن نفسه والذي يستعد للتمزق والانشطار لدويلات سيستمر تناحرها إلى الأبد. ليس خطاب الكراهية هذا خطابا جديدا نتيجة هذه الأزمات الأخيرة، فهو خطاب قديم أصبح اليوم أكثر وضوحا.

لم نعد بحاجة إلى نزاعات جديدة، ولدينا ما يكفي منها، لم نعد بحاجة إلى صراعات ثقافية تسير في خطى السياسي وتنتهج خطابه الذي قد يتغير في أي لحظة، تاركا المثقف يقف وحيدا. لننظر مثلا في الخطاب الثقافي الذي استمر طوال حكم البعث في العراق وما خلفه من صراعات، وأصدر ما يكفي من أدبيات تسد عين الشمس. لم يعد من هذه الأدبيات ما يمكن تداوله اليوم أو اعتماده خطابا فكريا أو حتى تاريخا أدبيا. ما نحتاج إليه فعلا هو حوار كبير وعميق بين المثقفين العرب يتخلون فيه عن صراعهم المعلن والخفي.

ليس من مصلحة دول الخليج العربي التي تسعى إلى الصمود في وجه التغيير المحتمل للشرق الأوسط، أن تبدأ صراعا جديدا وهي تواجه تحديات كبرى، وعلى مثقفيها أن يحاولوا في خطابهم معالجة هذا الصدع لا العمل على اتساعه.

إن انهيار دول الخليج، شئنا أم أبينا، هو انهيار المنظومة العربية كاملة وانهيار مؤسساتنا الثقافية الوحيدة العاملة بكل طاقتها في ظل غياب العواصم الأخرى. فلم يعد لدينا القدرة على تحمل مزيد من الثقوب في الثوب العربي الممزق أصلا، ولم يعد لدينا القدرة على احتمال خسارات أخرى.

back to top