زبدة الهرج: مبارك عليكم الشهر

نشر في 27-05-2017
آخر تحديث 27-05-2017 | 00:13
 حمد الهزاع مازلت أتذكر مع إطلالة شهر رمضان رحلتي إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، ومازلت أتذكر نظرات الحزن والحسرة التي كانت تعلو وجوه اللاجئين، وأتذكر كيف أنني أصبحت مفاوضاً غير رسمي بالمصادفة، ففي 12/8/2012 الموافق 24 من رمضان، حزمت أمتعتي وذهبت إلى المطار، وكانت الوجهة هي السفر إلى مخيم الزعتري لإجراء تحقيق صحافي حول أوضاع اللاجئين السوريين هناك.

وبعد أن هبطت الطائرة التي أقلتني من الكويت إلى مطار علياء الدولي الساعة 10صباحاً توجهت مباشرة إلى السفارة الكويتية في عمّان، حيث طلبت مقابلة سعادة السفير الدكتور حمد الدعيج، وجدته دمث الخلق متواضعاً بشوشاً، وقد عرّفته بنفسي وشرحت له سبب مجيئي، وطلبت منه مساعدتي لزيارة مخيم الزعتري، تبسم السفير وكان لسان حاله يقول "انت دست في بطن البروتوكول"، إلا أنه بكل ود طلب مني مهلة، حتى يجد الطريقة الرسمية المناسبة للسماح لي بالدخول إلى المخيم، وفعلاً في ثاني يوم عند الساعة 11:30 صباحاً اتصل بي سعادة السفير ليخبرني بأن السلطات الأردنية وافقت على زيارتي لمخيم الزعتري، وأنه سيرسل لي سيارة توصلني إلى هناك، ومن ثم تعود بي إلى الفندق، وفي نهاية المكالمة عزمني على تناول الفطور في بيته، إلا أنني اعتذرت لضيق الوقت، وقد شكرته على حسن استقباله وكرم أخلاقه.

عند الساعة الواحدة ظهراً توجهت إلى المخيم، ورافقني في هذه الرحلة الدكتور محمد سليمان عضو المجلس الوطني السوري ومنسق مخيم الزعتري، وبعد ساعة تقريباً وصلنا إلى وجهتنا، كان الجو حاراً والغبار يتطاير من كل مكان، وكنت وقتها صائما، ولما وصلنا إلى بوابة المخيم وجدنا مظاهرة حاشدة للاجئين فضلاً عن قيامهم بالاشتباك مع عناصر الجيش الأردني المكلف بحماية المخيم، فطلبنا من الضابط المسؤول السماح لنا بالتحدث مع المتظاهرين عسى أن نستطيع تهدئة الوضع، ومع إلحاحنا وإصرارنا وافق على دخولنا إلى المخيم، واستطعنا أن نحتوي الأزمة بعدما تمكنّا من التفاوض مع ممثلين عن المتظاهرين والجلوس معهم في خيمة متهالكة يغطي فراشها التراب الكثيف، كان الوضع مزرياً ومحزناً، وكانت وجوه اللاجئين شعثاء غبراء بسبب الغبار المستمر في هذه المنطقة الصحراوية، ولأن الأزمة السورية كانت في بدايتها فقد سعت الحكومة الأردنية إلى بذل قصارى جهدها لاحتواء الأعداد الكبيرة من النازحين، وتقديم كل سبل المساعدة لهم حسب الإمكانيات المتاحة.

وما إن هدأت الأمور وناقشنا طلبات المتظاهرين وتم حلها مع الجهات المختصة حتى شعرت بالنصر لأنني استطعت أن أنزع فتيل الأزمة التي كادت تتحول إلى كارثة، فقد كنت مفاوضاً رائعاً وأستطيع أن أميز نفسي عن مفاوضي الأمم المتحدة كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وديميستورا الذين زادوا الطين بلة لسوء قراراتهم وبرودة تعاطيهم مع انتهاكات النظام السوري، يعني كانوا "منيلين بستين ألف نيلة".

إن الحديث عن رحلتي إلى مخيم الزعتري وما شاهدته وسمعته من اللاجئين عن قصص مأساوية تعرضوا لها من قبل النظام السوري يحتاج إلى مقالات لسرد وقائعها... لقد غادرت مخيم الزعتري وتركت ورائي ذكريات حافلة بالأحداث المؤلمة، ومأساة إنسانية لآلاف اللاجئين السوريين الذين طال ظلام ليلهم.

ثم أما بعد:

ونحن نمد على مائدة الإفطار ما لذ وطاب من صنوف الطعام، وكأننا أول مرة نصوم في حياتنا، لابد أن نتذكر إخوة لنا لا يملكون قوت يومهم أو ما يسد رمق جوعهم وعيشهم، وأن ما يميز شهر رمضان عن باقي الأشهر هو التنافس في العبادات، لا التنافس بكثرة الطعام وملء البطون.

back to top