الصين تحتضن مستقبل الاقتصاد التشاركي

نشر في 27-05-2017
آخر تحديث 27-05-2017 | 00:00
ستبدأ الصين قريباً إنشاء قاعدة تصنيع واسعة قد تفضي إلى اقتصاد يقوم على التشاطر، ويوفر للمصنعين الصغار قدرة الوصول إلى طابعات ثلاثية الأبعاد ومعدات أخرى، وربما تصبح الصين ذات يوم الدولة التي تعلم العالم كيفية التشاطر في مختلف الميادين.
 بلومبرغ • شهدت الشركات الناشئة في الصين فترة رائعة استمرت عدة أشهر من الاقتصاد التشاركي، فقد طرحت صناعة تشاطر الدراجات أول انتاجها المعروف باسم يونيكورن "وحيد القرن"، كما أن الشركات التي تسمح لمستخدمي الهواتف بالمشاركة في البطاريات جمعت ما لا يقل عن 150 مليون دولار في الأسابيع القليلة الماضية، ولكن احدى الشركات الناشئة أعلنت في الوقت نفسه أنها تتوقع مشاطرة ما لا يقل عن نصف مليون مظلة في غوانجو في هذه السنة، بينما حصلت شركة مشاطرة كرة سلة تتخذ من جياكسنغ مقراً لها على تغطية ايجابية من وسائل الاعلام الرسمية، ومما لا شك فيه في ضوء هذه الطفرة أن هذه الصناعة لن تواجه متاعب في تأمين التمويل اللازم.

قد تسهل السخرية من هذه الشركات، ولكن حتى اذا تم هدر الأموال وتوجهت الشركات نحو عمليات اندماج أو تعرضت الى افلاس فإن نموذج التشاطر يبدو كأنه قد ضمن مستقبلاً مشرقاً وواعداً تماماً في الصين بقدر ربما يفوق أي مكان آخر في العالم.

وتجدر الاشارة الى أن شركات تشاطر الركوب والقيادة والمنازل قد ظهرت في الصين في مطلع هذا العقد وبعد وقت قصير من ظهورها في الولايات المتحدة من خلال تأسيس شركات مثل أبر إنك وايربنب إنك ثم ازدهرت هذا الصناعة بعد ذلك.

وبحسب مكتب بحوث اقتصاد التشارك الحكومي في الصين فإن 600 مليون مواطن صيني قد أقاموا شركات تساوي 500 مليار دولار في ذلك القطاع في العام الماضي، في ارتفاع عن سنة 2015 بنسبة وصلت الى 103 في المئة.

اجتذاب المستثمرين

ومثل هذه الأرقام تجتذب المستثمرين في العادة، وعلى سبيل المثال فإن شركات التشاطر في الصين جمعت حوالي 25 مليار دولار في العام الماضي وحده، كما أن هذا القطاع حقق نمواً بدرجة تفوقت على النمو في قطاعي السيارات والمنازل، إذ كان قطاع تشاطر الدراجات أحد أبرز الميادين وانتشر بسرعة وقوة وبصورة جلية في ذلك البلد.

وحتى اذا شهد الكثير من القطاعات الاقتصادية في الصين تباطؤاً أو تعثراً فإن توقعات الحكومة تشير الى أن اقتصاد التشارك في البلاد سوف يشكل نسبة تصل الى 10 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول عام 2020.

عوامل التفاؤل

في غضون ذلك توجد ثلاثة عوامل تبرر هذا التفاؤل. ويتمثل أول هذه العوامل في وضع الصين الديموغرافي، وفي أحد أطراف المنظور هنا تعتبر الألفية أحد عناصر محرك التفوق العالمي للصين في صناعة التجارة الالكترونية اضافة الى اقتصادها التشاركي الذي نجم عن ذلك المسار.

وعلى سبيل المثال بدلاً من التركيز والانفاق على صناعة السيارات أو حتى بطاريات الهواتف سوف يفضل العديد من الشبان الصينيين توفير المال من أجل تجارب أنماط الحياة المختلفة مثل السفر أو الشروع في تأسيس شركات ناشئة، وفي الوقت ذاته يفتقر المعمر الصيني الى شبكة أمان اجتماعية وهو يعتمد بالتالي على دعم أولاده وأحفاده، ويمكن لهذا المسن أن يتذكر الصين القديمة الأكثر شدة وقسوة. ومن هذا المنطلق وبصورة غير مفاجئة يصبح أكثر ميلاً الى الاقتصاد والتوفير بشكل طبيعي وهو ما يجعل التشاطر أكثر قبولاً وجاذبية.

ويتمثل العامل الثاني في الطبيعة السريعة التغير في استهلاك المواطن الصيني، ونتيجة الشكوك في سلامة المنتجات ومواجهة الارتفاع المتزايد في أسعار المنازل وتحمل الأعباء ومسؤولية رعاية الأبوين المتقدمين في العمر يقول شبان الطبقة المتوسطة انهم أصبحوا أكثر تمييزاً ازاء كيفية انفاق أموالهم، ويفضي ذلك الى تحول موثق تماماً من منتجات السوق الى منتجات وخدمات رئيسية، وينطوي هذا التوجه على شقين، الأول هو المال الذي كان يمكن أن ينفق على شراء سيارة والذي يمكن استبداله بطريقة التشاطر في الركوب، والثاني هو أن التشاطر يمكن من الوصول الى تجارب رئيسية، مثل التشارك في منزل جيد خلال قضاء عطلة.

واللافت أن هذا الاتجاه يوازي نمو التجارة التي تعتمد على استخدام البضائع المستعملة وهي طريقة تفضي بشكل فعلي الى أعمال مشاركة الطويلة الأجل بما في ذلك السلع الفاخرة مثل حقائب غوتشي.

أنظمة دفع الجوال

العامل الثالث والأكثر أهمية هو تحول المستهلك الصيني نحو أنظمة الدفع عن طريق الهاتف الجوال مثل مجموعة علي بابا القابضة وعلي بي وابل إنك وابل بي، وتجدر الاشارة الى أن عمليات الدفع التي تعتمد على الهاتف الجوال كانت أكثر بخمسين مرة من تلك التي جرت في الولايات المتحدة في العام الماضي.

وفي الوقت الراهن أصبح من الشائع رؤية المستهلك الصيني وهو يستخدم هاتفه الجوال من أجل تسديد دفعات مشترياته أو اتمام عملية من نوع ما والتي قد تكون من أجل مبلغ بسيط للغاية، وعلى سبيل المثال فإن تكلفة تشاطر رحلة عبر دراجة تبلغ بشكل نموذجي ما بين 0.07 دولار الى 0.14 دولار من أجل رحلة لثلاثين دقيقة فقط، وليس من الغريب أن البعض من المستثمرين يظن أن خدمة تشاطر مظلة يمكن أن تكون عملية وقابلة للحياة.

ويعني هذا المناخ المرحب به أنه من الممكن أن يصدر عن الصين العديد من الابتكارات العالمية بدلاً من وادي السليكون، وقد بدأت شركات مشاطرة ركوب الدراجات الصينية بتوسيع أعمالها الى جنوب شرق آسيا حيث يتم تقليدها وانتشارها على شكل موديل عمل لمواجهة تحديات النقل الغريبة في الصين، كما أن الصين سوف تشرع عما قريب في انشاء قاعدة تصنيع واسعة قد تفضي الى اقتصاد يقوم على التشاطر ويوفر للمصنعين الصغار قدرة الوصول الى طابعات ثلاثية الأبعاد ومعدات اخرى، وربما تصبح الصين ذات يوم الدولة التي تعلم العالم كيفية التشاطر في مختلف الميادين.

المعمر الصيني يفتقر إلى شبكة أمان اجتماعية وهو يعتمد في معيشته على دعم أولاده وأحفاده

شركات التشاطر الصينية جمعت 25 مليار دولار العام الماضي وحده
back to top