نفي خسائر الصندوق السيادي يكشف قيمته الإجمالية... لأول مرة

الأصول السيادية تبلغ 510 مليارات دولار بما يقل 82 ملياراً عن معظم التقديرات

نشر في 24-05-2017
آخر تحديث 24-05-2017 | 21:40
محمد البغلي
محمد البغلي
مبادئ سانتياغو التي تنظم الإطار العام للحوكمة والشفافية لعمل الصناديق السيادية حول العالم تتناقض مع آليات عمل الصندوق السيادي الكويتي، من جهة نسبة الامتثال لتطبيق هذه المبادئ.
أفضى بيان رسمي للهيئة العامة للاستثمار، لتوضيح طبيعة خسائرها عن عام 2016، إلى إفصاح هو الأول من نوعه يمكن من خلاله معرفة حجم الأصول السيادية للكويت، استناداً إلى معلومة رسمية معلنة.

فحسب ما أعلنته هيئة الاستثمار هذا الاسبوع، فإن الخسائر المحققة وغير المحققة للعام المالي المنتهي في مارس عام 2016 ليست 6 مليارات دولار، بل 312 مليون دينار، أي نحو 1.02 مليار دولار، ما يعادل 0.2% من إجمالي الاصول المدارة، وهو ما يعني ان اجمالي هذه الاصول السيادية يبلغ 510 مليارات دولار، أي ما يقل بـ 82 ملياراً عن تقديرات معظم مؤسسات وشركات تتبع الاستثمارات السيادية التي طالما قدَّرت أصول الكويت الخارجية عند 592 مليار دولار.

خطوة أولية

ودون التوغل في نقاش عن آلية خسارة مليار أو 6 مليارات دولار، يظل إعلان الهيئة بكل ما يحمل من ايجابية خطوة أولية في اتجاه رفع مستوى الافصاح والشفافية للجهة التي تدير احتياطيات الكويت والأجيال القادمة، بعد أن كان انخفاض مستوى الشفافية للصندوق السيادي الكويتي الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار محل انتقاد من المحللين ومتتبعي الاستثمارات السيادية, إذ يشير مؤشر لينابورغ ماديول الذي يقيس درجة شفافية الصناديق السيادية إلى أن الهيئة العامة للاستثمار تحصل على 6 نقاط من أصل 10 في معايير قياس الصندوق، في حين أن المطلوب على الأقل 8 نقاط للحديث عن مستوى شفافية مقبول عالميا.

مبادئ سانتياغو

إلى جانب أن بيان هيئة الاستثمار هذا الاسبوع تحدث عن الالتزام بـ»مبادئ سانتياغو الحاكمة لصناديق الثروة السيادية»، وهو ما يثير العديد من التحديات بشأن شفافية الصندوق السيادي الكويتي.

فمبادئ سانتياغو التي تنظم الإطار العام للحوكمة والشفافية لعمل الصناديق السيادية حول العالم تتناقض مع آليات عمل الصندوق السيادي الكويتي، من جهة نسبة الامتثال لتطبيق هذه المبادئ، التي حسب تقرير شركة جيو ايكونوميكا لأبحاث واستشارات المخاطر السياسية بلغت ما بين 40 و50 في المئة فقط، وهو مستوى متدنٍّ لصندوق يعد الأقدم عالميا، مما يستوجب تغيير آلية العمل في الهيئة العامة للاستثمار في اتجاه تحقيق شفافية اكبر وامتثال ادق مع القواعد المنظمة الصارمة المعتمدة عالميا.

تساؤلات جوهرية

هناك العديد من التساؤلات الجوهرية بشأن أعمال الصندوق السيادي أقلها كيفية تطور تقييم أصوله من مؤسسات مستقلة خلال أقل من 3 سنوات من 260 مليار دولار إلى ما يوازي 592 ملياراً، دون بيان لطبيعة هذا النمو وحقيقته، لا من مصدر رسمي أو حتى غير رسمي.

فضلا عن التساؤل بشأن اداء الاستثمارات السيادية الكويتية، مقارنة بصناديق أخرى لا يصل عمرها إلى نصف عمر الصندوق السيادي الكويتي، إذ من الممكن أن تكشف الشفافية جانبا من مقارنة الأداء بين الصناديق، عبر نسبة النمو والقطاعات الرابحة والخاسرة، فالعبرة هنا في نسبة الأداء أكثر بكثير من القيمة الاجمالية.

كلما تطورت الشفافية والافصاح، تجنبنا تكرار الذكريات الأليمة للصندوق السيادي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حدث من تجاوزات وعمولات وخسائر تتعلق بصفقات شركتي سنتافي وتوراس التي استمرت حتى العام الماضي بخسارة الهيئة العامة للاستثمار لقيمة تصل إلى 90 في المئة من أصل استثمارها في مجموعة أريفا للطاقة النووية الفرنسية، بعد أن دفعت 676 مليون دولار، مقابل شراء 4.8 في المئة من رأسمال «أريفا» في 2010، إذ إن الخسارة في «أريفا» لم تأتِ بسبب ظروف السوق أو زيادة المحاذير بشأن الاستثمارات النووية عالمياً، ولكن لأن الاستثمار وفق ما ذكرت صحيفة «لا ليتر دو ليكسبانسيون»، جاء بناءً على بيانات محاسبية غير صحيحة للشركة، وهذا ما يستوجب تشديد قواعد الحوكمة والشفافية في الصندوق إلى أعلى مستوى.

وهناك العديد من التحولات في العالم لا بد أن تنعكس على إدارة وعوائد وأداء استثماراتنا في الخارج، أهمها الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي (البريكسيت) وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتقلبات اسواق العملات، وبالتالي كلما تطورت الشفافية انعكس إيجابا على الاداء والنتائج.

إن من أهم مبادئ سانتياغو مثلا التأكد من أن الصناديق السيادية تستثمر وفقاً لاعتبارات اقتصادية وأهداف مرتبطة بالأخطار والعوائد المالية، لا لأهداف سياسية، وهنا يمكن طرح العديد من الأسئلة حول جدوى وكفاءة ومهنية الاستثمار في العديد من الدول العربية التي لم تتم حتى مناقشة أثر الربيع العربي فيها، وما ترتب عليه من تغيير شامل في هياكل الحكم على الاستثمارات الكويتية في تونس ومصر وسورية مثلا، وكيفية اداء هذه الاستثمارات ونسب المخاطرة وغيرها.

مزايا الإفصاح

وربما يتساءل البعض: ماذا يعني لنا الإفصاح والشفافية؟ بل ولماذا ننشر بياناتنا المالية السيادية للعالم أجمع؟

الحقيقة أن نشر معلومات عن الصندوق السيادي سيعطي على الأقل أكثر من رأي متخصص في تقييم عمليات الصندوق وجودة الاستثمارات فيه، خصوصا أن العالم يشهد منذ نحو 9 سنوات أزمة مالية على مستوى الأصول والقروض، ثم آليات المعالجة، وبالتالي فإن التقييم من أطراف حيادية ومستقلة يعطي جودة اكثر في الاداء، خصوصا فيما يتعلق بأثر الاستثمارات الكويتية في الولايات المتحدة، مركز الأزمة العالمية، أو أوروبا التي تعاني لتجاوز أزماتها الاقتصادية.

فضلا عن أن ضعف الشفافية في الصناديق السيادية يمكن أن يعيد الحملة الدولية على أي دولة لم تلتزم بالمعايير الخاصة بشفافية صناديقها التي تدير مئات المليارات من الدولارات، خصوصا أن العالم اليوم أصبح أكثر حساسية فيما يتعلق بالاستثمارات غير الشفافة، ويمكن لدول أن تفرض عقوبات وغرامات وضرائب أكثر في سبيل رفع مستوى الشفافية في الأموال المستثمرة لدى شركاتها، خصوصاً مع تنامي الاتهامات بوجود معايير سياسية لا استثمارية تتحكم في اتجاهات صناديق الاستثمار، التي تأتي في مقدمتها الصناديق السيادية الخليجية بالدرجة الأولى.

مع إعلان مبادئ سانتياغو باتت الاستثمارات السيادية تحت مجهر البحث والتدقيق أكثر، وهو ما يتطلب خطوات اكبر من مجرد إعلان القيمة الاجمالية للصندوق، بل نشر عملياته وميزانياته لتحقيق اعلى مستويات الشفافية.

خطوة إيجابية أولية لرفع مستوى الإفصاح والشفافية مع ضرورة الامتثال لمبادئ سانتياغو
back to top