كاريزما إيمانويل ماكرون... هل «تداوي» فرنسا وتنقذ أوروبا؟

نشر في 17-05-2017
آخر تحديث 17-05-2017 | 00:00
يمكن اعتبار انتخاب إيمانويل ماكرون أشبه بانقلاب سياسي في فرنسا. أخذ أصغر رئيس في تاريخ البلاد على عاتقه مهمّة إعادة توحيد البلد المنقسم.
هل يمكن أن ينجح مشروع التجديد السياسي الذي يريد إطلاقه؟ وهل سيتمكن من إنقاذ أوروبا؟ الإجابة بحثت عنها «شبيغل».
• كان الوقت متأخراً وأوشك احتفال الاستقبال في مقر السفير الألماني في باريس أن ينتهي حين حضر شبان أنيقون بدوا في الثلاثينات إلى قصر «بيوهارنيس»، توسّطهم شاب يرتدي بدلة داكنة فوق قميص أبيض، وقد ترك ربطة عنقه في السيارة.
لم يكن اسم إيمانويل ماكرون الذي كان يبلغ حينئذ 37 عاماً ويتولّى منصب وزير الاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية في فرنسا وارداً على لائحة الضيوف في تلك الأمسية. لكنه حضر فجأةً مع مرافقيه.
قالت مستشارته، امرأة ناعمة كانت ترتدي ثوباً أسود اللون، إنهم كانوا في بروكسل طوال اليوم، ثم أضافت مبتسمة أن الوزير لم يشأ أن يفوّت الاستقبال: «يريد أن يلقي التحية على السيد شويبله».

هذا ما حصل فعلاً. بعد فترة قصيرة، شوهد الاثنان وهما يتكلمان بكل حيوية في زاوية القاعة، ما يعني أن فولفغانغ شويبله كان يتكلّم بينما اكتفى إيمانويل ماكرون الذي يصغر ابنته الوسطى بسنة بهزّ رأسه والابتسام، ولم يحوّل نظره عن وزير المالية الألماني، ذلك الرجل النافذ الذي يكبره سناً.

يجب أن ينجح ماكرون الآن في لمّ شمل بلده من خلال مصالحة معسكرَي اليمين واليسار واسترضاء الناخبين الذين لم يشاركوا في الانتخابات أو صوّتوا لصالح لوبان. كذلك يجب أن يسدّ الفجوة القائمة بين الفرنسييين وبين الاتحاد الأوروبي لأن نصف الشعب على الأقل لم يعد يرى منفعة من الأخير.

يبدو أنه ربما يتمكّن من تحقيق تلك الأهداف لحسن الحظ. ظهرت «ماضون قدماً» التي أسسها ماكرون فجأةً وتمكنت من إطلاق حملة قوية لكن يجب أن تُحوّل نفسها الآن إلى حزب حاكم يحمل اسم «جمهورية ماضية قدماً». اتّكلت الحركة على التبرعات بكل بساطة وجاء معظم الأموال من معارف كَوّنهم ماكرون خلال وجوده في «روتشيلد»، فهو حذا حذو السياسيين في الولايات المتحدة وبريطانيا ونظّم حفلات عشاء لجمع التبرعات، من بينها مناسبات في لندن ونيويورك.

بعبارة أخرى، يدرك ماكرون ما لا يريده وما عليه تجنّبه. يجب ألا يصبح رئيساً «عادياً» كهولاند الذي لم يبهر الفرنسيين يوماً، لا بتصرفاته ولا بحضوره، إذ طبّق الإصلاحات على مضض قبل أن يلغيها لاحقاً، ولطالما بدا كأنه يلقي خطاباته تحت أمطار غزيرة، فكان يرمش من وراء نظارته الضبابية وكانت ربطة عنقه تبدو غير مستقيمة دوماً. في المقابل، يظهر ماكرون بربطة عنق مثالية ولا يُبعد نظره عن الشخص الذي يُكلّمه ولا يمكن أن يتشتت تفكيره لأي سبب.

يجب أن يُشكّل ماكرون الآن حكومة ستسير على خط دبلوماسي شائك نظراً إلى جميع الوعود التي أطلقها. سيكون رئيس الحكومة الذي يختاره حاسماً لأن هذا الخيار سيسمح لرئيس البلد بإثبات مدى جدّيته بشأن التجديد السياسي. لا يستطيع أن يختار شخصاً من الطقم السياسي القديم، لكن في الوقت نفسه يجب أن يكون رئيس حكومته شخصاً قادراً على اقتناص الفرص بسرعة. على عكس هولاند، لا يريد ماكرون أن يهدر الوقت. يتعلق أول قانون يريد فرضه بمنع المشرّعين من توظيف أفراد عائلاتهم.

فعلاً، يعرف هذا الرئيس ما يريده الشعب، وتعهّد بأن تتألف نصف حكومته من النساء. خلال شهر، ستتّضح مساحة المناورة التي سيحصل عليها ماكرون لتطبيق أجندته. من المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية في 11 و18 يونيو المقبل ولا يمكن تطبيق الإصلاحات التي يتصوّرها (في سوق العمل أو نظام التعليم) إلا بعد حصد الغالبية في البرلمان.

لكن ستُسلّط الانتخابات المقبلة الضوء على ظاهرة جديدة أخرى: إنه الرئيس الذي لا يأتي من أي حزب قائم ويأمل بأن يحصد غالبية برلمانية عبر حركته السياسية الجديدة. يجب أن تطرح «ماضون قدماً» مرشّحين في 577 دائرة انتخابية. سيكون اختيارهم شائكاً أيضاً: يريد ماكرون أن يجد مرشحين جدداً لتولي نصف المقاعد على أمل بألا يشمل البرلمان الأشخاص نفسهم تحت تسمية مختلفة. يبدو منطق تفكيره واضحاً فهو يعرف أن صورة السياسيين المحترفين في فرنسا سيئة جداً.

خصوم ومشككون به

أصبح ماكرون ومصداقيته تحت المجهر ويدرك الرئيس الجديد هذا الوضع جيداً لأنه ابن النظام الذي يعلن الحرب عليه الآن.

بدا أخيراً كأنه يحاول أن يفرض نفسه، فرفض عرض رب عمله السابق، رئيس الوزراء الأسبق مانويل فالز، الذي اقترح عليه أن يتولى إطلاق حملته نيابةً عنه. كان فالز دعم ماكرون لدخول الحكومة الفرنسية وأعلن أنه ينوي الترشّح عن حركة «ماضين قدماً» في دائرته الانتخابية في جنوب باريس. لكن رفض ماكرون العرض، ما دفع البعض إلى اعتبار الرئيس المنتخَب حديثاً «صاحب مواقف قاتلة» على تويتر.

ربما يؤيد ماكرون المصالحة لكنه يجيد فن الإذلال أيضاً. يريد إيجاد مرشحين برلمانيين قادرين على طرح أفكار جديدة ويأمل بأن تشكّل الانتخابات في يونيو المقبل تأكيداً على شرعية انتخابه رئيساً عبر منحه تفويضاً بتنفيذ كل ما وعد به. يجب أن يحاول التوفيق بين الجديد وبين القديم وأن يضمن نجاح التعايش إذا أرادت فرنسا أن تشهد تغييراً حقيقياً وتتحرر من الركود الراهن ومن جو الاكتئاب.

ستزيد صعوبة تنفيذ المشروع لأن التعاون بين الحزبين لا يُعتبر إحدى مزايا فرنسا عموماً. تندرج الائتلافات الحاكمة المحلية في إطار «التعايش»، وتُعتبر غالباً طريقة لإبقاء المعارضة تحت السيطرة. لكن يأمل اليمين الوسطي بحصول هذا السيناريو تحديداً مع أن هذا المعسكر، في خضم محاولاته اليائسة للتمسك بالمنافع التي تقدّمها المناصب السياسية، يبدو شبيهاً بالشخصيات الكرتونية التي تقفز فوق الهاوية ولا تلاحظ أن اليابسة ما عادت موجودة تحت قدميها. إذا فاز المحافظون بالغالبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو احتمال لا يمكن استبعاده، لا مفر من إلغاء عدد من خطط الرئيس الشاب على الأرجح لأن اليمين الوسطي سيبذل قصارى جهده لردعه.

تقف أطراف أخرى ضد ماكرون أيضاً، من بينها النقابات العمالية المحلية. صحيح أنها لا تشمل عمّالاً بقدر ألمانيا، لكنها تستطيع أن تنظّم إضرابات عامة في أي وقت. يمثّل ماكرون كل ما تكرهه النقابات: إنه مصرفي سابق يريد أن يصلح نظام الرعاية الاجتماعية في البلاد من خلال تطبيق إصلاحات مكروهة في سوق العمل بموجب مرسوم رئاسي عند الحاجة.

كذلك دعا السياسي جان لوك ميلانشون، الذي ينتمي إلى اليسار المتطرف وحصد نحو 8 ملايين صوت في الجولة الأولى من الانتخابات، مناصريه إلى رفض خطط ماكرون.

انهيار القناعات الراسخة

تحدّثت مارين لوبان، المرشّحة التي احتلت المرتبة الثانية في الانتخابات، عن نشوء معارضة قوية مع أنها تحتاج أولاً إلى التركيز على حزبها. كما يحصل في بقية مناطق فرنسا، لم يعد وضع «الجبهة الوطنية» مشابهاً لما كان عليه منذ بضعة أسابيع. صوّت معظم الناخبين في ست بلديات من أصل 11 بلدية تحكمها «الجبهة الوطنية» لصالح ماكرون. منذ ذلك الحين، انهالت الانتقادات على لوبان وعلى نائبها فلوريان فيليبو مع أن «الجبهة الوطنية» حققت أفضل نتائجها في أية انتخابات رئاسية.

زاد الوضع سوءاً بالنسبة إلى «الجبهة الوطنية» حين أعلنت نسيبة مارين، ماريون، أنها ستنسحب «مؤقتاً» من الحياة السياسية كي تركّز على تربية ابنتها. كانت ماريون ماريشال لوبان (27 عاماً) تُعتبر في نظر المحافظين اليمينيين بارقة أمل للمستقبل.

هكذا هو الوضع غداة الانتخابات الأخيرة التي نسفت القناعات الراسخة وقضت على النظام السياسي القديم. بعدما كان حزبان يتبادلان السلطة بينهما، يشمل البلد الآن أربع كتل بالحجم نفسه تقريباً، فضلاً عن كتلة إضافية تتمثّل بالناخبين الذين لم يصوّتوا.

تعويض عن الإخفاقات

يتوقع ماكرون أن يحقّق ذلك الهدف أصلاً، فقد قال في خطابه من اللوفر: «سأعيد التناغم إلى فرنسا مجدداً». سيكون عامل الوقت حاسماً. يجب أن يعوّض الرئيس الآن عن إخفاقات أسلافه. فشل نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند في تنفيذ أجزاء كافية من خططهما الكبرى. لم يكن ميلهما إلى قول كلام فارغ كفيلاً بإحباط الفرنسيين فحسب، بل إنه همّشهما عن نفسَيهما وعن السياسة وعن أوروبا أيضاً.

كان أسلاف ماكرون يتكلمون دوماً عن ماضي بلدهم المجيد وإرثه التاريخي لكنهم خسروا بذلك قدرتهم على رؤية الحاضر ومشاكله المتزايدة. تعهّد ماكرون من جهته بأن يبذل «قصارى جهده في السنوات الخمس المقبلة لنسف أي سبب يدعو الناس إلى التصويت للأحزاب المتطرفة». يبدو هذا التحدي طموحاً جداً.

حتى قبل أن يصعد ماكرون إلى المنصة التي جُهِّزت له عشية فوزه بالانتخابات وقبل أن يشكر حشد الناس الذي كان يهلل لفوزه، أجرى مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي هنّأته. عندما يتّجه إلى برلين، سيشرح لها ما يخطط له من أجل بلده وسيناقشان أيضاً المسار الذي يجب تطبيقه في أوروبا. تذكر مصادر مقربة منه أنه ينوي التعاون معها بدل أن يعارضها. على عكس ما فعله هولاند منذ خمس سنوات، لم يطرح ماكرون نفسه كخصم لألمانيا خلال حملته الانتخابية ولم يحاول أن ينشر مشاعر البغض في خضم سعيه إلى كسب الأصوات. خلال هذه الحملة الفرنسية، طبّق خصوم ماكرون تلك المقاربة.

قال أحد المقربين منه: «يجب أن تحمي أوروبا نفسها بطريقة أفضل. هذا ما يريد ماكرون تحقيقه. لكن بالنسبة إليه، لا يعني تأييد الاتحاد الأوروبي أن يقف متفرّجاً وينتظر بكل بساطة».

حذر في بروكسل

تبقى أفكاره الإصلاحية بشأن أوروبا مجرّد موجة عابرة حتى الآن. يدرك ماكرون جيداً مدى حساسية الشركاء الأوروبيين لفرنسا وقال في مناسبات متكررة إن فرنسا يجب أن «تقوم بواجبها» قبل تجديد الثقة بين برلين وباريس. صرّح لصحيفة «شبيغل» في مقابلة أجراها في مارس الفائت: «من واجبنا الآن أن نطبّق الإصلاحات أخيراً». قال أيضاً إنه يعتبر الالتزام بقواعد العجز في ميزانية الاتحاد الأوروبي «شرطاً مسبقاً» لتجديد فرنسا وكسب ثقة الألمان مجدداً. لكن سبق وقال أسلافه الكلام نفسه.

من الواضح أن ماكرون ينظر إلى ألمانيا بفضول واهتمام وأثبت على مر حملته الانتخابية الشرسة والمرحلة التي سبقتها أنه يدعم أوروبا.

ربما يتمكّن زعيم سياسي أصغر سناً من وضع حدّ لأعراض التعب التي تطغى راهناً على أوروبا لأن وضع فرنسا ينطبق على بروكسل أيضاً: ثمة حاجة ماسّة إلى نبض جديد. بالنسبة إلى ماكرون المولود في عام 1977، لا يُعتبر الاتحاد الأوروبي تجربة مزدهرة لكنه الواقع الوحيد الذي يعرفه. ينطبق المبدأ نفسه على معظم الأشخاص الذين يحيطون به وفاز معهم بالانتخابات.

باستثناء جان بيساني فيري (65 عاماً)، رئيس منظمة «بروغل» السابق وكبير المستشارين الاقتصاديين لماكرون، يبلغ العاملون في أوساط الرئيس الجديد نحو 40 عاماً كحد أقصى، علماً بأن عدداً كبيراً منهم أصغر سناً. يبلغ الخبير الاستراتيجي في حملته اسماعيل إيميليان، الذي كان شخصية محورية في إطلاق حركة «ماضين قدماً»، 30 عاماً فقط.

عندما ترك ماكرون منصبه الاستشاري في الإليزيه، كان ينوي في البداية أن يؤسس شركة مبتدئة مع إيميليان وجوليان دينورماندي، مهندس عمره 36 عاماً ويتولى راهناً تنظيم حفلات حركة «جمهورية ماضية قدماً». لكن كان تعيين ماكرون كوزير اقتصاد كفيلاً بإنهاء تلك الخطط. يتولى ستيفان سيجورنيه (32 عاماً) تحضير حركة ماكرون للانتخابات البرلمانية ويتابع التواصل مع ممثلين ومرشحين في الدوائر الانتخابية. أما سيلفان فور الذي يحب الأوبرا وكان تخرّج في «مدرسة الأساتذة العليا»، فهو مستشار الاتصالات ويبلغ 45 عاماً.

يحبّ هؤلاء الأشخاص كلهم البدلات الضيقة والمصمَّمة بشكل مثالي. يتمتع بنجامين غريفو (39 عاماً) بميزة أخرى يتقاسمها الآخرون أيضاً: «نحن جميعاً أبناء محافظات وقصدنا جامعات محترمة. لكن لا ينتمي أيٌّ منا إلى الطبقات العليا في باريس».

فرنسا منقسمة

في يوم الاثنين الذي تلا الانتخابات، جلس كريستوف غيلي في مقهى في «ساحة الجمهورية» وطرح تحليله للنتائج التاريخية. غيلي عالِم جغرافيا في بداية الخمسينات من عمره وهو الرجل الذي أثّر بشدة في استراتيجيات الحملة الانتخابية الخاصة بماكرون ولوبان معاً. إنه مبتكِر النظرية القائلة إن فرنسا منقسمة إلى جزأين. تحمل دراسته عنوان «فرنسا المحيطية» وتعرض مواصفات دقيقة عن البلد بوضعه الراهن، فتصف كيف أصبحت المناطق الريفية أكثر بُعداً عن وسط المدن الفرنسية وكيف باتت تعارض بعضها بعضاً لدرجة أنّ الفصل الجغرافي تحوّل في نهاية المطاف إلى شرخ اجتماعي.

يقول غيلي: «فاز ماكرون هذه المرة لكن ربما تفوز لوبان أو أي مرشّح شعبوي آخر في المرة المقبلة». بحسب رأيه، يتحرك الفرنسيون منذ فترة طويلة مثل الصفائح التكتونية ويتنقل المجتمع باستمرار من طرف إلى آخر: «يمكن أن تنقلب الأمور كافة في أي وقت. توشك الطبقة الوسطى التي تضمن تماسك كل مجتمع على الاختفاء بسبب ظاهرة العولمة». بحسب قوله، يجب أن يضمن إيمانويل ماكرون أن يستفيد الضعفاء مجدداً من ازدهار فرنسا كي لا تتوسع فيها نزعة التطرف.

بعد سنة ونصف سنة، في أبريل 2017، قبل فترة قصيرة من أول جولة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قال شويبله الذي يحافظ على نفوذه: «لو كنتُ فرنسياً، لاخترتُ التصويت لصالح ماكرون». بعبارة أخرى، أعطى سحر السياسي الفرنسي مفعوله، ويبدو أنه لم يختفِ بعد.

ماكرون ساحر على نطاق واسع، بمعنى أنه الرجل الذي يستطيع إنقاذ أوروبا والذي وضع حداً للشعبويين اليمينيين، وجدّد أمل الأوروبيين بعد سنة مريعة شهدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن تنامي نفوذ معسكر اليمين.

أكثر ما يثير الدهشة أنه طرح نفسه كمرشّح مستقل ولم يحصد دعم أي حزب. كان رئيس حركة بدت حتى الفترة الأخيرة أقرب إلى فرقة كشفية بارعة في العالم الرقمي، بدل أن تكون حزباً سياسياً مستعداً لاستلام مقاليد السلطة. هو يتبنى مقاربة التفكير البنّاء، ويظنّ أن جميع الناس يتمعتون بالقدرة على تحقيق إنجازات عظيمة. لكن لا يمكن اعتبار فرنسا مبتدئة، ويميل كثيرون في هذا البلد إلى تجنّب التغيير الجذري. هل يمكن أن يصبح ماكرون، ذلك الرجل الذي لم يعرف إلا النجاح في حياته، رئيساً لجميع فئات الناس في فرنسا؟

رئيس مختلف؟

أمضى فريق من المصورين نصف سنة وهو يتابع ماكرون إلى أن بلغ نهايته السعيدة. عُرِض الفيلم الوثائقي الذي حمل عنوان «وراء كواليس الحملة الانتخابية» في اليوم الذي تلا فوزه. يثبت الفيلم أن السياسة ممتعة بعيداً عن هياكل الأحزاب القائمة لكنّ تطبيق هذه المقاربة بالغ الصعوبة.

يطغى حضور زوجته بريجيت على الفيلم كما في حياته الواقعية. اليوم يعرف الجميع على الأرجح قصتها وخلفيتها. كانت معلّمة ماكرون في مدرسة ثانوية في «أميان» وتكبره بأربع وعشرين سنة. تعرّفا إلى بعضيهما بعضاً حين أمضيا أسابيع عدة في كتابة مسرحية معاً. كان يبلغ 17 عاماً حين وعدها بأن يتزوجها لاحقاً.

سرعان ما نفّذ وعده في عام 2007 وأصبحت بريجيت ماكرون اليوم سيدة فرنسا الأولى. إنها امرأة ودودة وأنيقة ومرحة. قالت قبل فوز زوجها بفترة قصيرة: «من الأفضل أن يصبح إيمانويل رئيساً الآن. تخيّلوا كيف سيصبح شكلي في عام 2022».

مع الزوجين ماكرون، سيصل إلى قصر الإليزيه ثنائي تربطه علاقة وثيقة لم يعد الفرنسيون معتادين عليها، إذ يمكنهم تذكّر العلاقة الباردة بين الزوجين شيراك اللذين كانا ينامان في غرفتين منفصلتين ثم أنباء الطلاق والمغامرات العاطفية لساركوزي وهولاند.

حين يتكلم ماكرون عن زوجته، يقول عبارات مثل: «من دون بريجيت، ما كنتُ لأصل إلى ما أنا عليه»، أو «بريجيت جزء مني والعكس صحيح».

ثمة تشابه بين تنامي نفوذ ماكرون السياسي وعلاقته بزوجته، إذ لا يُعتبر الوضعان تقليديَّين وينظر البعض بعين الشك إلى طموحاته وزواجه. هل يمكن اعتبار هذه العلاقة «غير الطبيعية بالكامل» كما قال عنها في إحدى المناسبات لائقة وهل يمكن أن تستمر؟ ردّ الزوجان معاً على المشككين بهما بطريقةٍ جعلت الجميع لا يُفاجؤون بوجود بريجيت إلى جانبه كي تُعدّل ربطة عنقه أو تُوقّع على نسخ من كتابه من دون أن تفارقها الابتسامة. في بعض المناسبات، كانت تهتف حين يصطفّ المعجبون أمامها فجأةً: «أنا لم أكتبه!».

يحب إيمانويل ماكرون الذي سيبلغ 40 عاماً في ديسمبر اقتباس كلمات الشاعر الفرنسي الرومانسي ألفريد دي موسيه: «جئتُ متأخراً إلى عالمٍ قديم جداً». مع وصوله الآن إلى ساحة السياسة العالمية باعتباره أصغر رئيس فرنسي على الإطلاق، من واجبه أن يثبت أنه مختلف!

back to top