المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل... كيف استعادت توازنها؟

نشر في 12-05-2017
آخر تحديث 12-05-2017 | 00:00
عندما أعلنت المستشارة الألمانية ميركل ترشّحها لولاية جديدة في شهر نوفمبر الماضي، بدا وكأنها تريد أن تستمر في منصبها فعلاً. لكنها أعادت اكتشاف دافعها الحقيقي في الفترة الأخيرة وتبدو مقتنعة بأهمية خبرتها في هذه الأوقات المضطربة.
أنجيلا ميركل امرأة متصالحة مع نفسها ومع بلدها. وقفت في مخزن أحد المصانع في وسط برلين وراحت تصغي إلى اللاجئ السوري رامي ريحاوي الذي نجح على ما يبدو في الاندماج في المجتمع المضيف. «شبيغل» سلطت الضوء على الموضوع.
بعدما هرب ريحاوي من بلده الأم إلى ألمانيا، قصد مدرسة لخبراء الحواسيب، أي الموقع الذي زارته ميركل. ثم خضع لتدريب في شركة «كلوشنر» لبيع الفولاذ بالتجزئة قبل أن يتلقى عرضاً للعمل بدوام كامل في الشركة نفسها. قال المدير التنفيذي في شركة «كلوشنر»، جيسبرت رول، فيما كان يقف بكل فخر إلى جانب ريحاوي: «لقد سررنا كثيراً لأن رامي وافق على عرض العمل».

لم يسمح ريحاوي لميركل بالرحيل قبل أن ينقل إليها رسالة مهمة، فقال لها: «البارحة تكلمتُ مع والديّ في حلب. أريد أن أخبرك بأنهما يحترمانك كثيراً». أشرق وجه ميركل ثم انحنت إلى الأمام وطلبت منه أن يرسل تحياتها القلبية إلى والديه.

يقول كثيرون في ألمانيا إن موقف بلدهم المُرحِّب باللاجئين انتهى. لكن في ذلك المخزن الواقع في برلين، يبدو وكأن أشرس منتقدي ميركل يأتون من كوكب آخر ولا تحمل صور السلفي الشهيرة التي التقطتها المستشارة مع اللاجئين الجدد في سبتمبر 2015 إلا دلالات إيجابية. هتفت ميركل فيما كانت تستعد للرحيل بعد زيارة دامت ساعة من الوقت: «من يريد أن يظهر في صورة جماعيةْ؟».

تجمّع حولها المهاجرون الشباب سريعاً وأخرجوا هواتفهم الخلوية من جيوبهم. خلال لحظة قصيرة، بدت ميركل منزعجة. طلبت منهم بلهجة صارمة أن يجلسوا لكن لم ينفذ أحد طلبها ورفع عدد متزايد من الحاضرين هواتفهم. استسلمت ميركل أخيراً لفيض حماستهم وخضعت بكل صبر لما يشبه جلسة تصوير.

ما هي الخطة المرتقبة؟

كانت ميركل منشغلة جداً في آخر أسبوعين. بعد ساعات على تلقّيها تلك الرسالة اللطيفة من والدَي رامي ريحاوي في حلب، شاركت المنصة نفسها مع إيفانكا ترامب علماً أن والد هذه الأخيرة كان قد اعتبر سياسات الهجرة التي تتبناها المستشارة «جنونية».

يوم الأحد 30 أبريل، سافرت إلى المملكة العربية السعودية كي تقابل الملك وتناقش معه خطة السلام من أجل اليمن. بعد رحلة دامت ست ساعات، وجدت نفسها فجأةً تتلذذ بوجبة من يخنة لحم الغنم في القصر الملكي في جدة قبل أن تدرك أن الملك كان يهتم بالتكلم عن البنادق الهجومية الألمانية أكثر من السلام في اليمن.

هل يستطيع أحد أن يواكب التطورات المستجدة؟ في بداية السنة، بعدما أعلنت المستشارة نيّتها الترشّح لولاية جديدة في شهر سبتمبر، بدا وكأنها لا تريد إلا أن تجد من ينقذها من أعباء منصبها. كتب النقاد حينها عن إجهادها الظاهري لكن لم تتّضح أي جهة كانت تعاني أكثر من غيرها: المستشارة الواقعة تحت أعباء منصبها أم الشعب الذي يعيش في عهد ميركل اللامتناهي؟

لكن تلتزم ميركل اليوم بجدول ينفي بشكل قاطع تراجع قوة تحمّلها، فقد تنقلت بين جدة وأبو ظبي و«سوتشي» وقطعت 11300 كلم خلال ثلاثة أيام فقط. من الواضح أنها تجول العالم بوتيرة جنونية كما لم تفعل منذ فترة طويلة كجزءٍ من معركتها للتمسك بمنصبها. لكن رغم مرافقتها في رحلاتها طوال أسبوعين ورغم نشاطها المتواصل، يستحيل أن نتوقع ما تخطط لفعله إذا منحها الناخبون أربع سنوات إضافية في دار المستشارية.

تتّسم ميركل بشكل أساسي بتركيزها على التفاصيل وقدرتها على تفسير السياسات المعقدة بعدد صغير من العبارات الحاسمة. تعرف المستشارة أن إيران تدعم تمرّد الحوثيين في اليمن وأن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يؤيد الثوار بدوره. قد يتحسن الوضع إذا غادر البلاد لكنه يخشى أن يتعرّض للاغتيال إذا حاول الفرار إلى المنفى. يبدو الوضع معقداً جداً لكن تنجذب ميركل إلى تعقيدات مماثلة.

مثل جميع المستشارين في نهاية ولايتهم، تستمتع ميركل بالسفر. ومثل سلفها غيرهارد شرودر، تحب أن تبتعد عن المشاكل والشكاوى التي تُصعّب عليها الحياة في بلدها.

وضع هش

تعبت ميركل من جميع النقاشات التافهة. في الفترة الأخيرة، عمد وزير الداخلية توماس دو مازيير مثلاً إلى إعادة إحياء الجدل القديم حول الثقافة الألمانية السائدة ولم تكن ميركل على الأرجح مسرورة بهذه الخطوة. حين نسمع فريقها وهو يتحدث عن دو مازيير، يستحيل ألا نتذكر الأولاد المشاكسين الذين يطرقون على الأكواب ويدوسون على أغطية الطاولة حالما تدير أمهم رأسها!

يبدو الوضع العام هشاً جداً. حتى الآن، لا يزال انفراج العلاقات مع هورست سيهوفر، الرئيس النافذ للاتحاد المسيحي الاجتماعي (الحزب البافاري الشقيق للاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه ميركل) صامداً لكن تدرك ميركل مدى هشاشته. بحسب رأيها، من السخافة أن يتجدد الجدل حول الجنسية المزدوجة بسبب الاستفتاء التركي، لكن يشكّل الأشخاص الذين يؤيدون تغيير الموقف من هذا الموضوع أغلبية الناس. يريد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن يتخلص من مسألة الجنسية المزدوجة مثل سيهوفر طبعاً. قد يتّحد المحافظون الألمان دعماً لترشيح ميركل لمنصب المستشارة لكنهم ما عادوا يؤيدون جميع أفكارها.

بحسب المعلومات المتاحة، فكرت ميركل مطولاً بشأن ترشّحها لولاية رابعة. على عكس هلموت كول، تستطيع ميركل أن تتخيّل حياتها خارج معترك السياسة وتشعر بأن الاتحاد الديمقراطي المسيحي يزداد تطرفاً رغماً عنها. لكن حين انتُخِب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في شهر نوفمبر الماضي وبدا التفكك الأوروبي احتمالاً وارداً، استنتجت أن الوضع سينهار من دونها.

فيما كانت ميركل تفكر بقرار الترشّح مجدداً، اعتبرت ذلك القرار واجبها السياسي. ظهر على الساحة أيضاً مارتن شولز، رئيس البرلمان الأوروبي سابقاً والمرشّح ضد ميركل عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي: مقارنةً بميركل، يبدو هذا الرجل حيوياً بقدر جراء لابرادور! لم تستجمع ميركل نفسها قبل انتخابات ولاية «سارلاند» في شهر مارس.

قال فريقها إن هذه الحملة هي الأصعب في مسيرتها ولن يكون التكلم عن النجاحات الماضية كافياً. لكن على عكس شرودر الذي بدأ مسيرته كزعيم متّزن قبل أن يطرح إصلاحات واسعة على مستوى الرعاية الاجتماعية ويعيد اكتشاف شغفه بالديمقراطية الاجتماعية خلال الحملة، لم تتمكن ميركل مطلقاً من إعادة تعريف نفسها.

عودة ميركل القديمة

على صعيد آخر، تبدو ميركل حذرة لأقصى حد. خلال أزمة اللاجئين، جازفت بتطبيق سياسة كانت مقتنعة بها بالكامل، لكن كان ذلك الوضع استثنائياً وقد أدى قرارها إلى نشوء موجة انتقادات لم يسبق أن واجهتها يوماً. في النهاية، ساهمت شخصياً في إعادة إغلاق الحدود.

حين كانت ميركل على المنصة مع إيفانكا ترامب وسألها أحدهم إذا كانت مؤيدة للحركة النسائية، كان يمكن أن يشاهد الجميع الأفكار التي تجول في عقلها: إذا قالت «نعم»، قد يكلّفها جوابها بعض أصوات الرجال. لكن إذا قالت «لا»، ستغضب النساء منها. لحلّ هذه المعضلة، أعطت جواباً مبهماً لا يمكن أن يرضي أو يزعج أحداً. لقد عادت ميركل إلى سابق عهدها!

* رينيه بفيستر

مثل جميع المستشارين في نهاية ولايتهم تستمتع ميركل بالسفر

فكرت ميركل مطولاً بشأن ترشّحها لولاية رابعة
back to top