6/6 : الكويت... منبت الأحرار

نشر في 28-04-2017
آخر تحديث 28-04-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم حرصت في برامجي التلفزيونية على أن أسلط الأضواء، بين حين وآخر، على قامات وطنية كويتية كانت سباقة في زرع قيم الجمال والمحبة والتنوير في زوايا تاريخ بلادنا، ولم يجرفهم لغو الحديث، بل القولُ البليغ والأثر المقيم والإصلاح بالحسنى وأدب الخطاب.

رجال من أمثال الشيخ يوسف بن عيسى وعبدالعزيز الرشيد وفهد العسكر وصقر الشبيب وفهد بورسلي وزيد الحرب وأحمد العدواني، وغيرهم من المصلحين الرواد؛ السياسيون منهم أو الاجتماعيون والدينيون، الذين مثّلوا بمجملهم ملح أرض كويتنا الغالية.

شدّني من أولئك الكبار الذين تَرَكُوا في تاريخ بلادنا آثاراً وتراثاً مقيماً، الشاعر والأديب والرائد الثقافي أحمد مشاري العدواني، المولود في عام 1923 م بحيّ "القبلة"، والذي بدأت رحلة تعليمه بحفظ القرآن الكريم في "الكتاتيب"، ثم أتم تعليمه الابتدائيّ والثانويّ بالمدرستين الأحمدية والمباركية، ولم تقتصر نشأته على تحصيل العلوم المدرسية فحسب، ولكن شاءت الأقدار أن تُعِدَّ الطفل النابه لأدوار مستقبلية جليلة في خدمة وطنه وعروبته، بنشاط ثقافي متوقد.

مع حاجة الكويت في الثلاثينيات من القرن الماضي لتأهيل أبنائها في التعليم الجامعي، ابتُعِث أحمد مشاري العدواني كأحد الطلاب الفائقين، مع ثُلةٍ من زملائه، إلى القاهرة، حيث درس اللغة العربية التي عشقها واعتنقها في الأزهر الشريف، ما بين 1939 و1949م. وخلال هذه الفترة كان "العدواني" قد بدأ يتلمس طريقه إلى الكتابة المسرحية والشعرية، وينظر بعين المستقبل إلى واقع وطنه الذي كان أيضاً يخوض مرحلة مخاض جديد، للانتقال من حياة البداوة والصيد البحري والغوص والسفر، إلى تكوين الدولة الحديثة، فحرص على أن ينشر مقالاته في مجلة "البعثة" مع رفيق دربه الراحل حمد الرجيب، في الفترة من 1946 إلى 1954م، حيث كانت تلك المجلة حينها بمثابة أم المطبوعات والدوريات الثقافية الكويتية، بما أتاحته من فرصة لتلاقي أفكار وإبداعات مجموعة من ألمع المثقفين الكويتيين آنذاك، والذين أصبحوا فيما بعد رواداً للنهضة في بلادهم.

كانت البصمات الأكثر تأثيرا للراحل أحمد مشاري العدواني حين تولى مسؤوليات وكيل وزارة الإعلام المساعد لشؤون التلفزيون عام ١٩٦٥م، وتألق عطاؤه حين أُسند إليه عام 1973 منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عند تأسيسه، وهي اللحظة التي تهيأت للعدواني لتنفيذ رؤاه التنويرية، من خلال غرس البنية التحتية للثقافة والفنون والآداب بالكويت، تزامناً مع أعمال البنية التحتية للمجتمع المدني الحديث والدولة العصرية.

العدواني رصد بشعره أهم لحظات تاريخ وطنه وأمته، وأبدع الكثير من القصائد الوطنية والعاطفية التي تغنى بها كبار مطربي عصره، وكان سنامها قصيدة "يا دارنا يا دار"، بصوت كوكب الشرق أم كلثوم ولحن الموسيقار العملاق رياض السنباطي، كما خلّد العدواني اسمه في تاريخ بلاده حين نظم نشيد "وطني الكويت سلمت للمجد" الذي ربط اسمه بأطراف وطنه، مع كل مرة يعزف فيها السلام الوطني، وتردد الأجيال كلماته المعبّرة التي صاغها لحناً خالداً الفنان الراحل إبراهيم الصولة.

كان للراحل الكبير العدواني "كَوْنُه" الخاص الذي عاش فيه، ولم يجرؤ أحد على وُلوجه أو السباحة في مياهه الإقليمية، كما وصفته الدكتورة نورية الرومي، وسيظل أنموذجاً لأسماء خالدة في تاريخنا، كخلود "يا دارنا يا دار، يا منبت الأحرار".

back to top