د. عمر الدوسري و«المسألة الاجتماعية في الكويت» (5)

نشر في 27-04-2017
آخر تحديث 27-04-2017 | 00:15
 خليل علي حيدر يعدّ يوم 30 يونيو 1946 يوما تاريخيا في الكويت ونقطة تحول في اقتصادها كما هو معروف، ففيه يقول المؤرخ عبدالله الحاتم "جرى شحن أول كمية تجارية من النفط الخام وتصديره إلى الخارج على ناقلة البترول البريطانية "بريتيش فيوز ليبر" وهي أول ناقلة بترول ترسو في ميناء الأحمدي لهذه الغاية، وقد أقيم لهذه المناسبة الحاسمة في تاريخ الكويت احتفال رسمي كبير كان من أبرز حضوره سمو أمير البلاد الشيخ أحمد الجابر الصباح".

(من هنا بدأت الكويت، ط2، ص194).

ومع منتصف الأربعينيات، يقول د. عمر الدوسري، "حل النفط محل الاعتماد على التجارة البحرية في الكويت، ونتيجة لتوافر الموارد النفطية بدأت الحكومة الكويتية برنامجا اجتماعيا واقتصاديا للبنية الأساسية لتحسين مستوى معيشة المواطنين، تمثل في إنشاء وبناء الطرق والمدارس والمستوصفات والمنشآت الحكومية وإرسال البعثات، وقد استأثرت الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية بجل اهتمامات الحكومة خلال الخمسينيات من القرن الماضي، مما أدى لظهور طبقة من المتعلمين تسعى لممارسة دورها في الإدارة السياسية".

كان للنفط إذاً الدور الأساسي في نشوء الطبقة الوسطى، وبالتالي، "ظهور الجماعات الأيديولوجية" والتيارات السياسية. ويقول د. الدوسري إن ضغوط هذه الفئة الوليدة ساعدت في وضع الأسس لإقامة النظام البرلماني في الكويت، "لذا لم تعد في الخمسينيات المطالبة بالإصلاح السياسي مقصورة على التجارة كما في السابق".

ورغم الإنفاق الحكومي الهائل على الخدمات التعليمية والصحية والطرق وغيرها من جوانب النهوض بالبلاد، فإن عهد الشيخ عبدالله السالم الذي بدأت فيه النهضة الحديثة، شهد كذلك العديد من الصراعات داخل أسرة الحكم ومع الإنكليز ومختلف القوى السياسية الناشئة خلال فترة حكمه، ما بين 1950- 1965.

وكانت السياسة المالية والتثمين وفرض إرادة الدولة وسياسات التنمية في مختلف المجالات، من العوامل التي أثارت الخلافات داخل الأسرة نفسها ومع القوى الأخرى، ومن الواضح أن الشيخ عبدالله السالم لم يكسب كل المعارك!

فنحن نقرأ في كتاب "مدخل للتطور السياسي في الكويت"، للدكتور غانم النجار أنه "مع حلول عامي 1951- 1952 ومع توقع تنفيذ مخطط التنمية قام بعض أفراد الأسرة الحاكمة "بوضع يدهم" على أراض واسعة من البلاد أملا في الحصول مقابل تلك الأراضي على تعويضات عالية القيمة من الحكومة عند تنفيذها لمشاريعها وحاجتها لتلك الأراضي".

وقد كانت النتيجة، يضيف د. النجار، أنه "خلال العامين الأولين من تطبيق سياسة الاستملاكات العامة (التثمين) 1952-1954 بلغت حصة الأسرة الحاكمة من تلك الميزانية ما يربو على الستين في المئة، مع العلم أن الحجم الأكبر (أكثر من 90%) من الستين في المئة ذهب إلى أفراد قلائل من الأسرة الحاكمة.

هذه الوضعية أثارت بعض أفراد الأسرة الحاكمة وغالبية التجار، وقد كان أن توجهت مجموعة من التجار لعبدالله السالم وأثاروا معه هذا الموضوع مبدين رغبتهم بأن يقوم بفعل شيء للحد من تصرفات أقاربه، والسماح لفئات أكبر بالانتفاع من الثروة.

وفي النتيجة، يقول د. النجار: "قام عبدالله السالم بإصدار أمر أميري ينص على عدم السماح بالملكية الخاصة خارج خط التنظيم العام، وهو الخط المبين في مخطط التنمية الصادر عام 1952، وعلى هذا الأساس أصبح مسموحا للملكية الخاصة أن تتم في مساحة لا تتجاوز الـ3% من مساحة الكويت الكلية، أما الـ97% الباقية فقد أصبحت منذ 1954 أراضي أميرية مملوكة للدولة".

من جانب آخر، حاول عبدالله السالم كسب أفراد الأسرة إلى جانب مشروعه في بناء الدولة الناشئة، ولهذا أسند كل دائرة أو وزارة إلى أحد أفراد الأسرة.

زامن عهد عبدالله السالم صعود المد القومي في العالم العربي، وكانت الكويت من أبرز مجالات التحرك الإعلامي والسياسي للتيار القومي.

اهتم الكويتيون وبخاصة نخبتهم المثقفة مبكرا بالقضايا القومية والتيارات السياسية والإصلاحية في البلدان العربية "يمثل الاتجاه القومي العربي المعتدل التفكير السياسي لمجموعة التجار" وعن التشكل التاريخي لهم يقول: "يتكون التجار من أصول مختلفة أهمها وأقدمها التجار من أصول عربية من جماعات العتوب والتي جاءت إلى الكويت مع أسرة آل الصباح منذ ثلاثة قرون مضت، وقد جاءت على دفعات، ثم التجار الذين جاؤوا من البصرة مع أموالهم ومصالحهم إلى الكويت بعد تعرض البصرة للاحتلال الفارسي عام 1775م، بالإضافة إلى فئات أخرى من بلاد عربية متفرقة، في حين جاء البعض الآخر من إيران، وبعد الاستقلال وبسبب الثروة النفطية ظهرت فئة جديدة من التجار تنافس الفئة الرئيسة داخل المجتمع الكويتي، ولكن بقي الدور الاجتماعي الأقوى للفئة الأولى ذات العراقة العائلية في المجتمع الكويتي قبل الاستقلال وبعده".

لم "يؤدلج" تجار الكويت الفكر القومي والاتجاه العروبي، حيث تولت ذلك "الطبقة المتوسطة" وطلبة البعثات التعليمية التي تأثرت بمختلف الأحزاب القومية التي تأسست في لبنان وسورية والعراق، والتي أبرزتها ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر.

كانت زعامة د. أحمد الخطيب لهذا التيار في الكويت ذات دلالة تاريخية، في تحليل د. عمر الدوسري، ويقول: "تأسست حركة "القوميون العرب" بعد نكبة فلسطين وقيام إسرائيل عام 1948م، حين قرر مجموعة من الشباب العرب الذين كانوا يدرسون في الجامعة الأميركية في بيروت في بداية الخمسينيات تأسيس هذه الحركة، وكان من بينهم الدكتور أحمد الخطيب وبعد عودته إلى الكويت عام 1952م بدأ الخطيب في تأسيس فرع حركة "القوميون العرب" بالكويت، واستطاع أن يجمع حوله بعض الشباب المتحمسين لقضاياهم القومية، وبالتالي ظهر كأول زعيم كويتي من خارج العائلات الكويتية الرئيسة التقليدية، وبرز منذ تلك الفترة كرجل سياسة يملك موهبة التأثير في الآخرين وقدرته على التنظيم وحشد القوى التي تؤيده، وفي ظل المد القومي خلال تلك الفترة نمت وتطورت هذه الحركة وسط الكويتيين، وأصبح لها شعبية كبيرة داخل المجتمع استقطبت خلالها قطاعات مجتمعية واسعة من الطبقة الوسطى وبعض التجار والفقراء في أوساط الطلبة والعمال والموظفين".

استفادت الكويت من عوامل عدة لتعزيز تجربتها السياسية وبناء الدولة بعد ظهور النفط، ومحاولة تحديث المجتمع، وبرز التيار القومي بقيادة حركة القوميين العرب كقوة سياسية رائدة في رسم معالم المجتمع من جانب، وتوثيق روابط الكويت السياسية والشعبية بالعالم العربي الذي كان يمر بمرحلة مماثلة في ازدهار التوجه القومي من جانب آخر، ويرى د. الدوسري "أن القوى القومية استطاعت بسبب قدرات قادتها استقطاب التأييد الشعبي وكون معظم الأعضاء من بين المتعلمين تعليما رفيعا في الكويت أدى إلى بروز دور جديد لفئة جديدة يهدف إلى وضع مرتكزات فكرية وأيديولوجية جديدة وغرس قيم الحرية والديمقراطية في المجتمع الكويتي".

وفيما أخذت "الأسرة الحاكمة والبدو والشيعة"، يرى د. الدوسري، على عاتقها حراسة القيم المتوارثة لكل فئة، أي مواصلة القيم التقليدية، "فإن القوى القومية أخذت على عاتقها مهمة حراسة القيم الجديدة القائمة على تأكيد مبادئ الدفاع عن الحريات العامة في المجتمع".

كانت هذه الجماعة مكونة من تجار وبيروقراط وطبقة متعلمة وعمال وفئات أخرى، وكان نشاطها عموما "إحدى وسائل الضغط على الأسرة الحاكمة لتشكيل مجلس الأمة عام 1962 من خلال الصحافة وإقامة الندوات والمحاضرات في الأندية السياسية والجمعيات المختلفة، بالإضافة إلى عوامل خارجية ساهمت في قيام البرلمان الكويتي بعد الاستقلال".

كيف تشكل مسار التيارات الأخرى؟ للحديث صلة.

back to top