النوم الهانئ... سرّه في جيناتنا!

نشر في 24-04-2017
آخر تحديث 24-04-2017 | 00:00
No Image Caption
ربما ننام كلنا هانئين عقب اكتشاف الجينة و«الآليات القديمة» التي تتيح لنا أن نغط في سبات عميق ليلاً.
«يشكّل النوم سلسلة ذهبية تربط الصحة بأجسامنا»، كتب المسرحي الإنكليزي توماس ديكر في القرن السادس عشر، عاكساً وجهة نظر استمرت عبر القرون.

لا شك في أن النوم أمر أساسي لخيرنا، فعندما يختلّ يتزعزع كياننا ويهتزّ من مفاصله. يدعم العلم وجهة النظر هذه. في هذا السياق، أظهرت تجارب ظلّ فيها رجال ونساء صاحين من دون أي نوم طوال فترات وصلت إلى 11 يوماً أننا نعاني أعراضاً تزداد حدة إذا عجزنا عن النوم: تراجع تدريجي في التركيز والإدراك، وفي العمليات الفكرية العليا. واللافت أن هذه المشاكل تختفي بعد السماح للمشاركين بالاستلقاء لبضع ليالٍ في أسرتهم في حالة من اللاوعي الجميل.

لكن الجواب عن السؤال «لمَ نحتاج إلى النوم؟» لطالما كان صعباً. اعتبر فرويد أن النوم يسمح لنا برؤية أحلام ننفّذ فيها أماني تكون أكثر اضطراباً من أن نفكّر فيها في حالة الوعي، فيما شدّد آخرون على أن النوم من مخلفات ماضينا في العصر الحجري، حين كان من الخطر التجوّل ليلاً تحت رحمة الحيوانات المفترسة الليلية. لذلك طوّرنا هذه العادة لنبقى سالمين، وآمنين، وغير واعين في كهوفنا.

في الآونة الأخيرة، أشار العلماء إلى أن النوم يساعد أجسامنا في التعافي من مشقات النهار وأدمغتنا في معالجة تجارب الساعات الاثنتي عشرة السابقة.

لكل هذه النظريات مؤيدون ومعارضون، خصوصاً أن العلماء ما زالوا بعيدين كل البعد عن التوصّل إلى اتفاق حول أسباب النوم البيولوجية. لكنّ تقريرين نُشرا قبل أيام أشارا إلى أن الباحثين ربما يستخدمون مسارات استكشاف جديدة تتيح لهم معرفة تأثيرات النوم ولمَ تحتاج إليه الحيوانات بشدة.

التقرير الأول

أعدّ التقرير الأول باحثون في جامعة ولاية واشنطن وعدد من المعاهد الأخرى، ونشر في مجلة Science Advances المجانية. يسلط الضوء على تأثير جينة واحدة في نوعية النوم التي تنعم بها حيوانات مختلفة والإنسان، ويعزّز الأمل بأن يكون لها دور في ضبط النوم.

قاد المشروع جايسون غيرستنر من كلية الطب في هذه الجامعة، وهو اكتشف أن تعبير الجينة FABP7 يتبدّل خلال اليوم في أدمغة الفئران. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ فريقه أن الفئران التي امتلكت FABP7 متعطلة حظيت بنوم أكثر اضطراباً مقارنةً بالفئران الطبيعية التي امتلكت جينة عادية.

أثار الاكتشاف السؤال: ما تأثير طفرات جينة FABP7 في البشر؟ لذلك لجأ الفريق إلى دراسة عن النوم ضمت 300 رجل ياباني وشملت تحليلاً لحمضهم النووي. واللافت أن 29 رجلاً منهم امتلكوا متغيراً خاصاً من جينة FABP7، ارتبط بأنماط نومهم. وحظي مَن امتلكوا هذا المتغير بنوم أكثر اضطرباً واستيقظوا عدداً أكبر من المرات خلال الليل، مقارنة بمن امتلكوا متغيراً «طبيعياً» من هذه الجينة.

أظهرت بحوث إضافية أن من الممكن تحفيز التأثير ذاته لدى ذباب الفاكهة. يذكر غيرستنر: «تشير هذه الوقائع إلى آليات كامنة في هذه الأنواع كافة تتولى ضبط النوم السليم. يبدو أننا توصلنا إلى آلية قديمة استمرت خلال عملية التطور».

صحيح أن الفريق يشدّد على أن لجينات أخرى بالتأكيد دوراً في ضبط النوم، إلا أن اكتشاف الروابط مع FABP7، التي تؤدي أيضاً دوراً في ضبط جينات أخرى تُعنى بالنمو وعملية الأيض، أمر مشجّع بالتأكيد لمن يعملون في مجال بحوث النوم.

الثاني

أعدّ التقرير الثاني، الذي نُشر في مجلة Cell، فريق بقيادة ألينا باتك من مختبر علم الوراثة في جامعة روكفيلر، ويركّز على ظاهرة محبي السهر، مَن يفرحون منا بالبقاء مستيقظين حتى ساعة متأخرة من الليل، إلا أنهم يواجهون صعوبة في النهوض، حتى في وقت متأخر من الصباح، ويشير إلى ارتباط هذه الظاهرة بطفرة جينية تؤدي إلى تباطؤ الساعة الداخلية.

ركّز التقرير على طفرة مختلفة في جينة CRY1. اكتشف الباحثون بقيادة باتك أن أحد المتغيرات يبدّل ساعة الإنسان اليوماوية التي تحدد دورات النوم واليقظة. تبيّن أن مَن يحملون هذا المتغيّر يعانون تأخراً في النوم ليلاً يصل إلى ساعتين. في هذا السياق، يوضح مايكل يونغ، باحث آخر في مختبرات علم الوراثة: «يبدو كما لو أن هؤلاء يعانون حالة دائمة مما يشبه اضطرابات السفر. نتيجة لذلك، لا يكونون في الصباح مستعدين لاستقبال اليوم الجديد».

تجعل هذه الحالة، التي تُعرف باضطراب مرحلة النوم المتأخرة، الإنسان يواجه صعوبة في النوم ليلاً وترتبط بارتفاع خطر الإصابة بالداء السكري، والأمراض القلبية الوعائية، والزهايمر. ومجدداً، يشير اكتشاف رابط بين هذا الضعف وبين جزء محدد من الحمض النووي إلى إمكان التوصل في المستقبل القريب إلى فهم جديد لآليات الضبط المتعلقة بالنوم.

إذاً، ربما ننجح ذات يوم في المستقبل القريب في التوصل إلى فهم حقيقي لتأثير هذا «المنشّط الطبيعي المنعش» في أجسامنا واستخدام هذه المعرفة لنحسّن حياتنا قليلاً.

back to top