لولو

نشر في 22-04-2017
آخر تحديث 22-04-2017 | 00:20
 فهد البسام شاهدت قبل فترة قريبة، ربما للمرة الألف، مسرحية "لولو"، من تأليف الرحابنة، وبطولة السيدة فيروز طبعاً، تخللتها مجموعة من أشهر أغانيها الخالدة، برفقة المبجل نصري شمس الدين، مسرحية جميلة وممتعة لا ينافسها في ذلك إلا سلسلة مسرحيات البيت المسكون، وبعض روائع فروغي للإنتاج الفني، أنصحكم ونفسي بمشاهدتها لما فيها من فن راقٍ وحوارات ذكية وأغانٍ ساحرة تلامس الروح وأزمة منتصف العمر، فلا يضير الألف أن تكون ألفاً وواحداً أو حتى أكثر، فالعمل الفني الجيد لا يُمل بسهولة، ولا بد أن تكتشف زاوية أو فكرة جديدة تضيفها لرصيدك في كل مشاهدة جديدة.

باختصار تبدأ المسرحية بخروج الفتاة "لولو" من السجن، بعد مرور ١٥ عاماً قضتها ظلماً في جريمة قتل لم ترتكبها، فاستقبلها سكان قريتها بالترحاب والرقص والأغاني كاستقبال الفاتحين، وبدأوا فوراً بالتبرؤ من مواقفهم الرخوة، مقدمين الاعتذارات عن تخليهم عنها، وعن شهادتهم الكاذبة التي ورطتها وأضاعت أغلى سني عمرها هباءً بالسجن، والتي رجعت بعدها فوجدت غيرها قد "قعدوا على مقاعدنا سرقوا منا المشوار"، إلا أنهم ما إن علموا عن نيتها بالانتقام منهم بقتل أحدهم بلا تحديد، مقابل المدة التي قضتها مقدماً بالسجن، سارعوا مرعوبين للقاضي يطالبونه بإعادة حبسها للتخلص من انتقامها الذي قد يصيب أحدهم خبط عشواء، إلا أنه رفض السمسرة في الجرائم، محملاً الأغلبية مسؤولية اندفاعها وشهادتها المزورة، لكن حرمه المصون كان لها رأي آخر حاز إعجابهم، يقضي بإرسال "لولو" لمستشفى المجانين.

ومن ثم تقوم المسرحية على كيفية مواجهة هذا التهديد بالانتقام العشوائي الذي أثار الرعب والهلع بين سكان القرية، فتعد "لولو" العدة لتنفيذ انتقامها، وسكان القرية يعيشون حالة الترقب والفزع، وفي هذه الأثناء يحاول أحد السياسيين كعادتهم في كل مكان، من عدن حتى تطوان، استغلال رغبتها في الانتقام، فيزين لها قتل خصمه السياسي، لتتلاقى رغبتها الخاصة مع المصلحة العامة، فلا يمنع أن تحقق بانتقامها المنتظر خدمة للوطن كذلك، ويظهر أيضاً حبيبها السابق الذي كان يبكي وهو يعدها بالانتظار لبقية العمر، حين كانت هي في طريقها للسجن، فاكتشفت بعد أن واجهته بخذلانه أنه قد صار ثرياً من أصحاب العقارات بالخارج، وتزوج غيرها وبلع وعده وقسمه، كالكثير من مدعي الرجولة، وأظنه قد أضيف أيضاً لقائمة المتوقع قتلهم، ومع توالي اكتشافات "لولو" لنوايا سكان القرية وخداعهم، تزيد الرغبة المتبادلة في التخلص كل من الآخر، هم يريدون التخلص منها لأنها عرّتهم أمام أنفسهم قبل كل شيء وعلمت بمخططاتهم الدنيئة، وهي تريد منهم بالمقابل سداد دينها المدفوع سلفاً من عمرها.

كان يساند "لولو" في مخططها القائم على إثارة الرعب في القرية مجموعة من "القبضايات" الذين يفاخرون بأنهم من عتاة المجرمين الخطرين وأرباب السوابق الشجعان، ثم يتضح أنهم ليسوا بتلك الخطورة المدعاة، ولا المرجلة المزعومة، لكنهم مجرد باحثين عن دور مفقود في المجتمع، وعن قائد يتبعونه يشعرهم بقيمتهم وأهميتهم في الحياة.

يبقى المشهد الختامي الذي يبتدئه نصري شمس الدين بأغنية "يلا يا إخوان"، استعداداً للحفل الذي تقيمه "لولو" لسكان القرية، ولن أحرق النهاية على من يرغب في مشاهدة المسرحية، إلا أنه لا يسعني هنا إلا أن أذكر نفسي وإياكم دائماً بأن الدنيا ليست إلا مسرحاً كبيراً، والناس أفلام، وأغلبهم أفلام مقاولات... والفرجة ببلاش.

back to top