وداعاً للكثرة وأهلاً بالقليل

نشر في 22-04-2017
آخر تحديث 22-04-2017 | 00:00
No Image Caption
يمتلك فوميو ساساكي فراشاً يُلفّ عند توضيبه، وثلاثة قمصان، وأربعة أزواج جوارب. بعدما قرر التخلي عن ممتلكاته، صار أكثر سعادة. يوضح السبب في ما يلي.
دعوني أخبركم قليلاً عن نفسي. أنا رجل في الخامسة والثلاثين من عمري لم يسبق لي الزواج. أعمل محرراً في دار نشر. انتقلت أخيراً من حي ناكاميغورو في طوكيو، حيث عشت طوال عقد من الزمن، إلى حي يُدعى فودوماي في جزء مختلف من المدينة. صحيح أن الإيجار أقل، إلا أن عملية الانتقال هذه قضت على كامل مدخراتي.

ربما يظنّ بعضكم أنني إنسان فاشل: رجل بالغ غير متزوج لا يملك المال. لا شك في أن شخصيتي القديمة كانت ستخجل من الاعتراف بهذا كله. كنت ممتلئاً كبرياء لا طائل فيها. لكنني ما عدت بصراحة آبه لأمور مماثلة. والسبب بسيط جداً: أشعر بسعادة كبيرة كما أنا اليوم. لماذا؟ لأنني تخلصت من معظم ممتلكاتي المادية.

«التقليلية»

«التقليلية» نمط حياة تقلّل فيه ممتلكاتك إلى أدنى حد ممكن. لم يعد عليّ العيش بالقليل الأساسي بفوائد سطحية فحسب، كمتعة الجلوس في غرفة مرتبة أو سهولة التنظيف، بل دفعني ذلك أيضاً إلى تبديل جذري. منحني فرصة للتفكير في معنى السعادة الحقيقي.

ربما تظنّ أن السعادة تكمن في الوفرة. لا أحد يعرف ما يخبئه الغد، لذلك نجمع وندخر قدر الإمكان. ولنحقق هدفنا هذا، نحتاج إلى كثير من المال، ما يدفعنا إلى الحكم على الناس وفق مقدار المال الذي يملكونه. نتيجة لذلك، تقنع نفسك بأن عليك جني الكثير من النقود كي لا تفوّت فرصة النجاح. ولكن كي تكسب المال، يجب أن ينفق الآخرون من مالهم. وهكذا تستمر الدوامة.

لذلك قررت التخلي عن أشياء عدة، مع أنني كنت أملك الكثير منها منذ سنوات. لكنني أعيش راهناً كل يوم بروح أكثر سعادة، وأشعر برضا أكبر مقارنةً بالماضي.

مقارنة النفس بالآخرين

لم أكن دوماً من أنصار {التقليلية}. اعتدت سابقاً شراء كثير من المقتنيات ظناً مني أنها تزيد قيمتي الذاتية وتقودني إلى حياة أكثر سعادة. أحببتُ جمع حاجيات كثيرة لا طائل فيها، ولم أستطع رمي أي منها. كنت أهوى بطبيعتي تكديس أشياء تافهة ظننت أنها تجعلني إنساناً مثيراً للاهتمام.

لكنني ظللتُ في الوقت عينه أقارن نفسي بمن كانوا يملكون أشياء أكثر وأفضل، ما سبّب لي التعاسة. لم أستطع التركيز على أية مسألة، وكنت أهدر وقتي باستمرار. كذلك لم أعامل النساء بإنصاف. ولم أحاول التغيّر، بل اعتقدت أن هذا الأمر يشكّل جزءاً من هويتي وأنني أستحق أن أعيش بتعاسة.

لم تكن شقتي في حالة فوضى يُرثى لها. عندما كانت صديقتي تقرّر تمضية نهاية الأسبوع معي، كنت أقوم بأعمال تنظيف وترتيب كافية لأجعلها تبدو مقبولة. ولكن في الأيام العادية، كانت أكوام الكتب تتوزّع في كل مكان لأن رفوف المكتبة ما عادت تتسع لها، علماً بأنني تصفحت معظمها بسرعة مرةً أو اثنتين وظننت أنني سأقرأها عندما يتسنى لي الوقت.

كانت الخزانة محملةً بما اعتبرته ملابسي المفضلة، إلا أنني لم أرتدِ معظمها سوى مرات قليلة. أما الغرفة، فاكتظت بأشياء اتخذتُ منها هوايةً لفترة من الزمن ثم سئمت منها: غيتار ومكبر صوت علاهما الغبار، كتب دراسية تعلّم التحدث باللغة الإنكليزية خططت لمطالعتها عندما يتسنى لي وقت فراغ أكبر، وكاميرا أثرية مذهلة لم أحاول يوماً وضع أسطوانة فيلم فيها.

في هذه الأثناء، ظللت أقارن نفسي بالآخرين. كان أحد أصدقائي من أيام الجامعة يعيش في شقة فاخرة في منطقة مطوّرة حديثاً في طوكيو. كان مدخل منزله مبهراً وأثاثه اسكندينافي الطراز. عندما كنت أزوره، كنت أسارع تلقائياً إلى احتساب إيجار شقته في رأسي أثناء دعوته لي بالدخول. كان يعمل في شركة كبيرة ويجني المال الوفير. تزوج من صديقته الخلابة ورزقا بطفل جميل كانا يلبسانه دوماً ثياب أطفال أنيقة. لم نكن مختلفين أيام الجامعة. لذلك كنت أتساءل دوماً: ماذا حدث؟ لمَ اختلفت حياتنا إلى هذا الحد؟

كنت أرى سيارة فيراري مكشوفة مذهلة تمرّ في الشارع إلى جانبي متبخترةً، فأفكّر في أن قيمتها تفوق قيمة شقتي بنحو الضعف. كنت أروح أحدّق فيها بغباء فيما تواصل طريقها مبتعدة عن ناظريّ وأنا أضع قدمي على دواسة دراجتي الهوائية المستعملة.

اعتدتُ شراء بطاقات اليانصيب على أمل بأن أربح مبلغاً كبيراً من المال. كذلك انفصلتُ عن صديقتي بعدما أخبرتها أنني لا أرى أي مستقبل لنا معاً نظراً إلى حالتي المالية المتردية. طوال تلك الفترة، حرصتُ على إخفاء عقدة النقص التي أعانيها وتصرفت كما لو أن حياتي على خير ما يُرام. لكنني كنت بائساً، وجعلت حياة الآخرين تعيسة أيضاً.

ربما تظنون أنني أبالغ إن قلت أنني بدأتُ أصبح إنساناً جديداً. قال لي أحد: {كل ما فعلته رمي أغراضك}، وهذا صحيح. ولكن بالحد من ممتلكاتي، ازدادت سعادتي اليوم تلو الآخر وبدأت أفهم تدريجياً ماهية السعادة.

ودع مقتنياتك

إن كنت تتخبّط اليوم في ما عانيته أنا سابقاً: إن كنت إنساناً بائساً يقارن نفسه بالآخرين باستمرار أو يعتقد ببساطة بأن حياته تعيسة، أقترح أن تودّع عدداً من مقتنياتك. صحيح أن البعض لا يتعلق مطلقاً بالممتلكات المادية وأن عباقرة قلة يزدهرون وسط فوضى مقتنياتهم، لكنني أريد أن أفكّر في طرائق يستطيع من خلالها أناس عاديون مثلي ومثلكم العثور على المتعة الحقيقية في الحياة. يرغب الجميع في السعادة. لكن محاولة شرائها لا تمنحنا إلا سعادة مؤقتة. ونضيع عندما نبحث عن السعادة الحقيقية.

بعد ما مررت به، أعتقد أن توديع أغراضك لا يشكّل مجرّد تمرين في مجال توضيب المنازل. أظن أنه تمرين مفيد لتعلّم ماهية السعادة الحقيقية. ربما يبدو لك هذا أمراً مبالغاً فيه، لكنني أؤمن بذلك حقاً.

* مقتطف محرّر من كتاب Goodbye, Things (وداعاً للأشياء) لفوميو ساساكي نشره موقع Particular Books.

back to top