خاص

لنجعل «المشروعات الصغيرة» جزءاً من الحل لا المشكلة

• أهمية معالجة سوق العمل والتركيبة السكانية وخلق قيم مضافة للمشاريع
• ضرورة تجاوز التمويل إلى ملفات أكثر تعقيداً كالأراضي الصناعية وتسهيل الإجراءات

نشر في 20-04-2017
آخر تحديث 20-04-2017 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
إن الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أمام تحديات كبيرة تتجاوز المهام الإدارية والمالية، إلى خلق بيئة أعمال تلعب دوراً في حل جانب مهم من اختلالات الاقتصاد وتقلل سلبياته... وهنا يكمن التحدي.
مع إعلان مجلس الوزراء تعيين مجلس إدارة جديد للصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بعد عزل المجلس السابق، يفترض أن يدخل الصندوق مرحلة جديدة لتحقيق اهدافه التي من شأنها -حال نجاح التنفيذ- أن تحدث تحولا في سوق العمل الكويتي الذي يعاني العديد من الاختلالات الحالية والتحديات المستقبلية.

فمجلس الادارة الجديد الذي من السابق لأوانه الحكم على مهنية أعضائه, يقف اليوم امام مجموعة من التحديات، اولها تغيير الصورة السائدة عن الصندوق الوطني الذي عجز -منذ تأسيسه في أبريل 2013 برأسمال ملياري دينار- عن إحداث اي نمو في سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو تذليل عقباته، ناهيك عن انشغاله بالعديد من القضايا الإدارية والخلافية، فضلا عن التركيز على المؤتمرات ومراحل المسح والاحتضان والتدريب ثم التمويل، على من شملتهم المراحل السابقة، وهو ما استهلك كثيرا من الوقت، مع القليل من الانجاز.

أما التحدي الحقيقي امام صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فيتلخص في كيفية أن يكون هذا الصندوق جزءا من الحل لا المشكلة، من عدة نواحٍ، أولاها معالجة جانب مهم من الاختلال في سوق العمل، لمصلحة تنمية الأعمال الحرة، وثانيها ألا تمثل أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة أعباء اضافية على اختلالات التركيبة السكانية، وثالثها الاهتمام بجودة المشاريع التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع، ناهيك عن التوسع في اختصاصات خدمة المبادرين، ليكون الصندوق محطة مرجعية لجميع معاملاتهم واحتياجاتهم.

خلق فرص

فالصندوق، برأسماله الضخم، يمكن أن يكون قناة لخلق فرص عمل للشباب الكويتيين بصيغ جديدة, فالدولة توظف حالياً في كل سنة ما بين 18 إلى 20 ألف موظف جديد، وحتى الان لا توجد أزمة بطالة حقيقية في المجتمع، إلا أن الأرقام تشير إلى أن الطلب على العمل خلال السنوات المقبلة سيبلغ نحو 3 أضعاف العدد الحالي، أي 60 ألف وظيفة سنوياً، وربما يصل في عام 2030 إلى نحو 74 الف فرصة عمل مطلوبة، وهو أمر خطير جداً، في ظل تراجع أسعار النفط وعدم قدرة الدولة على تنويع إيراداتها أو تحفيز سوق العمل، ما يعني أن مخاطر الضغط على الميزانية لتلبية احتياجات التوظيف ستزداد، إلى أن تحدث أزمة بطالة حقيقية أو عجز عن السداد.

قوة عمل قادمة

فإذا علمنا أن 65 في المئة من الكويتيين دون سن 24 عاماً، فإننا نتحدث عن قوة عمل قادمة إلى السوق لن يتحملها القطاع الحكومي المتضخم، ولا القطاع الخاص الذي لا يوظف حالياً أكثر من 10 في المئة من إجمالي قوة العمل الكويتية، وبالتالي فإن وجود مناخات جديدة في سوق العمل كالمشاريع الصغيرة والمتوسطة سيستوعب جزءاً مهماً من شريحة الشباب، بما يخفف العبء عن الدولة، على المديين المتوسط والطويل، بالتوافق مع دوران عجلة التمويل للصندوق.

وهنا يكون الحديث مستحقا عن وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي، التي تعد مشروعا مهما للدولة يلتزم بسياساته الصندوق الوطني وغيره من المؤسسات، إذ تستهدف فرص عمل في المشروعات الصغيرة والمتوسطة بواقع 3500 من 2727 مشروعاً، أي بمعدل 1.28 فرصة عمل لكل مشروع، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بحجم التمويل والاحتياجات التي يتطلبها سوق العمل.

نوعية العمالة

أما النقطة الثانية من جهة أن يكون الصندوق جزءاً من الحل لا المشكلة، فتتمثل في المخاوف من أن تكون المشروعات الصغيرة والمتوسطة سببا في مزيد من الضغط على التركيبة السكانية، من خلال الموافقة على مشروعات تتطلب عددا اكبر من العمالة الوافدة، فالنسبة الحالية تشير الى ان الكويتيين يبلغون 31 في المئة من إجمالي عدد سكان الكويت، وبالتالي فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة يجب ألا تكون بوابة لتسجيل العمالة الهامشية او غير المحترفة بما يؤدي إلى مزيد من الاختلال في التركيبة السكانية، في وقت تقول الدولة إنها تستهدف اتخاذ اجراءات كفيلة بمعالجة الاختلال.

قيمة مضافة

بالطبع، الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودورها في إيجاد الحل يجر للحديث عن جودة هذه المشاريع وأثرها على القيمة المضافة للاقتصاد وإيجاد حلول لتنويع القاعدة الاستثمارية في السوق من ناحية التركيز على المشاريع الانتاجية، خصوصا الصناعية والخدمية والتكنولوجية، للخروج من الطابع الاستهلاكي لمعظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الموجودة حاليا في السوق، مما سيدعم قدرا اكبر من المنافسة والتنوع في بيئة الأعمال ويحفز الابتكار وطرح الافكار والمنتجات الجديدة، إذ إن التركيز على المشاريع الاستهلاكية سيدعم كم المشاريع لا نوعيتها، وهذه إحدى سلبيات الصندوق منذ تأسيسه.

أكبر من التمويل

لا يجب أن يقتصر دور صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة على مجرد التمويل المالي، لأن من ضمن اختصاصاته التعاطي مع ملفات أكثر تعقيدا من مجرد تقديم المال، وهو ما يرتبط بالأراضي، خصوصا الصناعية، إلى جانب تسهيل الاجراءات الحكومية الخاصة بالتراخيص والربط بين الجهات والعمل على تطوير هذه الخدمات باستمرار، كي يكون الصندوق بمثابة المرجعية الاساسية لأصحاب المشاريع والمبادرين.

إن مجلس إدارة الصندوق أمام تحديات متنوعة تتجاوز أعمالهم الادارية والمالية، إلى لعب دور في حل جانب مهم من اختلالات الاقتصاد، لا سيما سوق العمل والتركيبة السكانية، فضلاً عن تمويل الميزانية العامة، عبر الضرائب، عند اعتماد ضريبة الأعمال لاحقا، ففي معظم الاقتصاديات المتطورة أو شبه المتطورة، نجد المشاريع الصغيرة هي أساس الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي.

back to top