منخل يجعل مياه البحر صالحة للشرب!

نشر في 17-04-2017
آخر تحديث 17-04-2017 | 00:00
No Image Caption
بلغ الباحثون نقطة تحوّل بارزة في خضم مساعيهم إلى تحلية المياه بفاعلية حين أعلنوا ابتكار غشاء مصنوع من أكسيد الغرافين لنخل الملح من مياه البحر مباشرةً. نُشر البحث في مجلة «ناتشر نانو تكنولوجي».
في هذه المرحلة، لا تزال تقنية جديدة ابتكرها الباحثون محصورة داخل المختبر، لكنها تشير إلى إمكان تحويل أحد مواردنا الأكثر وفرة (مياه البحر) إلى واحد من أكثر الموارد ندرة (مياه شرب نظيفة) بسرعة وسهولة.

أثبت فريق البحث الذي قاده راهول ناير من جامعة «مانشستر» في بريطانيا قدرة المنخل الجديد على تصفية الأملاح بفاعلية وتقضي الخطوة المقبلة باختباره ومقارنته بأغشية تحلية المياه المتاحة راهناً.

يوضح ناير: «يشكّل ابتكار أغشية قابلة للتطوير يصل فيها حجم المسام الموحّد إلى المستوى الذري خطوة متقدمة بارزة ومن المتوقع أن تمهّد لظهور خيارات جديدة لتحسين فاعلية تقنيات تحلية المياه. إنها أول تجربة دقيقة في هذا المجال. أثبتنا أيضاً أن تطوير المقاربة المذكورة وإنتاج كميات كبيرة من الأغشية المصنوعة من الغرافين بأحجام المنخل المطلوبة احتمال واقعي».

لطالما اعتُبرت الأغشية المصنوعة من أكسيد الغرافين مرشّحة واعدة لتصفية المياه وتحليتها لكن رغم إقدام فِرَق بحثية عدة على تطوير أغشية يمكن أن تنخل جزيئات مائية كبيرة، سيتطلب التخلص من الملح مناخل أصغر حجماً عجز العلماء عن ابتكارها حتى الآن.

تتعلق إحدى المشاكل الكبرى بتضخم أغشية أكسيد الغرافين عند تغطيسها في المياه، ما يسمح لجزيئات الملح بالتدفق عبر المسام الممتلئة.

تجاوز فريق جامعة «مانشستر» هذه المشكلة عبر بناء جدران من إيبوكسي الراتنج على كل جهة من غشاء أكسيد الغرافين، فمنعه بذلك من التضخم في المياه.

نجح الباحثون بهذه الطريقة في السيطرة على حجم المسام في الغشاء بدقة، ما أدى إلى نشوء ثقوب صغيرة بما يكفي لتصفية الأملاح الشائعة من مياه البحر.

لتطبيق هذه العملية، يتعلق عامل أساسي بتشكيل «طبقة» من الجزيئات المائية حول الأملاح الشائعة عند تذويبها في المياه.

صرّح ناير للصحافي بول رينكون: «يمكن أن تمر الجزيئات المائية بطريقة فردية لكن يعجز كلوريد الصوديوم عن القيام بالمثل كونه يحتاج دوماً إلى مساعدة تلك الجزيئات المائية. حجم طبقة المياه حول الملح أكبر من حجم القناة، لذا تعجز عن المرور».

لم تسمح هذه العملية بجعل مياه البحر منعشة وصالحة للشرب فحسب، بل إنها جعلت الجزيئات المائية تتدفق بوتيرة أسرع عبر حاجز الغشاء أيضاً، لذا أصبحت هذه الطريقة مثالية في مجال تحلية المياه.

أوضح ناير: «حين يبلغ حجم الشعيرات نحو نانومتر، أي ما يساوي حجم الجزيئة المائية تقريباً، ستشكّل تلك الجزيئات ترتيباً مترابطاً جميلاً على شكل قطار. هذا ما يسرّع حركة المياه: إذا ضغطنا بقوة على طرف واحد، ستتحرك الجزيئات على الطرف الآخر بسبب روابط الهيدروجين في ما بينها. لا يمكن بلوغ هذه المرحلة إذا كانت القناة صغيرة جداً».

اليوم تتعدد مصانع تحلية المياه الكبرى حول العالم وتُستعمَل فيها أغشية مصنوعة من البوليمرات لتصفية الملح، لكن لا تزال هذه العملية غير كافية ومكلفة في معظمها، لذا يسعى الباحثون بكل جهدهم إلى إيجاد طريقة لتسريعها وتخفيض كلفتها وتسهيلها.

بفضل التغير المناخي، سنحصل على كميات كبيرة من مياه البحر على القمم الجليدية الساحلية في «غرينلاند» مستقبلاً علماً بأنها تجاوزت أصلاً نقطة اللاعودة ومن المتوقع أن ترتفع مستويات البحر بمعدل 3.8 سنتمترات بحلول عام 2100. وإذا ذاب الغطاء الجليدي كله في «غرينلاند»، سيصل علو المحيطات مستقبلاً إلى 7.3 أمتار.

كلفة مقبولة

لكن في الوقت نفسه، يصعب إيجاد مياه شرب نظيفة في أجزاء كثيرة من العالم اليوم: تتوقع الأمم المتحدة أن يواجه 14% من سكان العالم مشكلة ندرة المياه بحلول عام 2025. لن يستطيع عدد من تلك البلدان أن يتحمّل كلفة إنشاء مصانع كبرى لتحلية المياه.

يأمل الباحثون الآن بأن يكون المنخل المصنوع من الغرافين فاعلاً بقدر المصانع الكبرى لكن على نطاق صغير لتسهيل استعماله.

كذلك سيكون إنتاج أكسيد الغرافين في المختبر أسهل وأقل كلفة من طبقات الغرافين الفردية، ما يعني أنّ التكنولوجيا ستكون مقبولة الكلفة وسهلة الإنتاج.

جهاز تصفية

كتب رام ديفاناثان الذي لم يشارك في البحث ويعمل في «المختبر الوطني في شمال غرب المحيط الهادئ» في مجلة «نيوز أند فيوز»: «سيمهّد الفصل الانتقائي بين جزيئات المياه والأيونات عبر الحصر الفيزيائي للمساحات الواقعة بين الطبقات لتركيب أغشية غير مكلفة لتحلية المياه. يتعلق الهدف النهائي بابتكار جهاز تصفية يسمح بإنتاج مياه صالحة للشرب انطلاقاً من مياه البحر أو مياه الصرف الصحي بالحد الأدنى من مدخلات الطاقة».

اعتبر ديفاناثان أيضاً أن الخطوة المقبلة ستقضي باختبار صلاحية الأغشية عند استعمالها خلال فترات طويلة ومدى الحاجة إلى استبدالها.

back to top