منيف... «أشعلت خيالي»

نشر في 17-04-2017
آخر تحديث 17-04-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري لست مدافعا عن أدب عبدالرحمن منيف الذي لا أميل إليه كثيرا سوى رواية "شرق المتوسط" التي أخذت شهرة أقل من مدن الملح، لكنها الأفضل سرديا من بين رواياته التي قرأت.

ولست مدافعا عن مواقف منيف السياسية، والتي لا أتفق معها، لكن ذلك لا يغير حقيقة أنه أحد الأسماء المهمة في السرد الروائي، والرجل نذر نفسه للرواية. رحل منيف عام 2004 عن عالمنا وترك لنا سيرته التي لا يجد بعد رحيله القدرة للدفاع عن أي اتهام قد يلحق به.

تناولت الصفحات الثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي ما طرحه الباحث العراقي فالح عبدالجبار عن استيلاء عبدالرحمن منيف على أشرطة كان قد سجلها عضو الحزب الشيوعي العراقي حيدر الشيخ علي حين تم سجنه في إيران ومعاناته في تلك السجون قبل أن يصبح وزيرا في إقليم كردستان.

ويبدو أن الشيخ علي قرر إصدار مذكراته في تلك السجون، وستأتي هذه المذكرات مطابقة لرواية عبدالرحمن منيف "الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى". وما ذكره فالح عبدالجبار هو محاولة تمهيد لهذه المذكرات التي سلمها لعبدالرحمن منيف ولم يعدها إليه رغم مطالبته بها كما ذكر.

لا أجد سببا مقنعا لهذا التصريح بأن منيف قام ببناء روايته على هذه التسجيلات، وأن بطله طالع العريفي في الرواية هو الشيخ علي، دون أن يذكر أي إشارة للبطل الحقيقي للرواية. لا أجد سببا للاتهام الآن تحديدا إلا ما ذكرته، بأن الشيخ علي يريد استعادة سيرته من الرواية بمساعدة الباحث فالح عبدالجبار. ولا أرى في ذلك بأسا، وهو حق من حقوقه، وسأقف مع الباحث وصاحب السيرة ضد عبدالرحمن منيف، واتفق مبدئيا بأن منيف استوحى روايته من الأشرطة التي قدمها له الباحث عبدالجبار، لكن ذلك عمل مشروع للروائي، سواء كان منيف أو سواه.

بالتأكيد حين تقدم مشروع رواية لروائي فأنت تعرف مسبقا أنه سيكتب رواية، وليس بالضرورة أن يكون لك الحق بمطالبته بأن تكون تلك الرواية نسخة طبق الأصل من السيرة الذاتية.

هناك فرق كبير بين كتاب السير الذاتية وكتاب الرواية، فرق في الجنس السردي وأساليبه، فرق في الخيال المضاف للرواية، والذي لا تتيحه السيرة الذاتية. ومنيف روائي وليس كاتب سير ذاتية، ولجأ للرواية التي يجيد جنسها السردي لكتابة روايته.

قد يبني الروائي روايته على قصة حقيقية دون أن يذكر أبطالها الحقيقيين، ودون أن يلتزم بواقعيتها. وما فعله منيف ليس عملا إبداعيا شاذا. العديد من الروائيين اتخذوا قصصا حقيقية أساسا لرواياتهم دون أن يتهمهم أحد بالسرقة أو الاستيلاء على قصص الغير.

في رواية شهيرة لتوني موريسون بعنوان "محبوبة" بَنَتْ الروائية عملها على حادثة شهيرة وردت في "الكتاب الأسود"، والذي وردت فيه قصة هروب مارغريت جارنر من العبودية في كنتاكي مع زوجها وأطفالها الأربعة إلى أوهايو عام 1856. وقبل أن يلقى القبض عليها قتلت طفلتها الصغرى، وكانت تنوى قتل بقية أطفالها على أن يعودوا للعبودية.

ليس انتحال موريسون لشخصية جارنر وابنتها هو الأول في العوالم الروائية، ولن يكون الأخير، وكذلك لن يكون ما فعله منيف منافيا في العمل الروائي، وليس للضجة التي أثيرت أي مبرر، ولا يحتاج منيف للدفاع عن نفسه بأكثر من جملة موريسون، وهي تبدأ الرواية "لقد كانت قصة جارنر أكثر من كافية لتشعل خيالي".

back to top