6/6 : مصر الخاطر والدم

نشر في 14-04-2017
آخر تحديث 14-04-2017 | 00:24
 يوسف الجاسم مقالة رائعة كتبها الأخ الأستاذ محمد جاسم الصقر في جريدة "الجريدة"، بعنوان "من أدمى النيل وأبكى الأهرام؟"، فور وقوع جريمتي تفجيري الكنيستين في طنطا والإسكندرية، وشدّتني كلماته الوجدانية إلى أيام الخمسينيات والستينيات التي تفتحت فيها مداركنا، وتشكل وعينا على حبنا كعرب لمصر العروبة، ووهج ثورتها الناصرية، وصوت زعيمها جمال عبدالناصر، ونحن نطرب لصداه صارخاً "ارفع رأسك يا أخي العربي"، وكنا نعيش إشراقات حقبة عمالقة الفن والأدب والثقافة والعلم المتدفقة من ضفاف النيل في تلك الفترات من القرن الماضي، لتسقي جدب ساحاتنا العربية وتوْقها للمزيد من الارتواء من خصب أرض النيل.

الأخ محمد الصقر في حرقته النقيّة على أرض الكنانة الساكنة في خاطره وخواطر العرب كافة، أشعل فينا حزناً نبيلاً على مصر المحروسة، وهي تجمّع أشلاء أبنائها وبناتها ضحايا مذبحة الإرهاب الداعشي في طنطا والإسكندرية، الذين انسكبت دماؤهم الزكية على صفحة مياه النيل العظيم، فبكتهم الأهرامات الخالدة، وفزعت عليهم قلوب كل العرب، لأنهم يحملون مصر في خواطرهم ودمائهم، مثلما أنشدت أم كلثوم رائعتها الخالدة في سينما ريفولي بأول حفل لها بعد الثورة في ١٩٥٢/١٠/٣٠، والتي صاغها العملاقان الخالدان أحمد رامي بالكلمة الزاخرة، ورياض السنباطي باللحن المبدع:

مصر التي في خاطري وفي فمي

أُحبها من كل روحي ودمي

لا تبخلوا بمائها على ظمي

وأطعموا من خيرها كل فمِ

نعم هكذا كانت مصر ولا تزال لنا ولكل العرب في زمن الشدائد يداً ممدودة وغطاء ولحافاً لكل من يستجير بها، ولذلك هي بمكانة القلب في أجسادهم وما يوجعها يوجعهم.

ضربات الإرهاب في كل مكان تدمي القلوب وتؤرق النفوس، ولكن حين يغرس الإرهاب الأعمى خناجره في صدر العروبة النابض "مصر الخالدة" فإنه يُدمي أكباد كل العرب، فليس أقسى على الأبناء من أن يروا أمهم تتألم، فما بالك إن رأوها دامية تتمزق حزناً وكمداً على أرواح أبنائها، في وقت يتطلع شعبها الصابر إلى خلاص حقيقي من ضائقة الحياة، ويعمل على إحياء نهضة تراجعت وتوارت خلف حُجُب ظلام الإرهاب الديني عبر مراحل متتالية نالت من استقرار الشعب المصري العظيم.

مصر المحروسة عصيّة على الخنوع، ولن تركع بشموخها وتاريخها الغائر في أعماق الزمن لإرهاب تنظيم داعش ومن يقف خلفه الذي سيصطدم بحائط شعبها العظيم الموحّد أقباطاً ومسلمين منذ بدء الديانات على الأرض. وسنبقى نردد مع أم كلثوم:

نحبّها من روحنا ونفتديها بالعزيز الأكرم

الرحمة للضحايا الأبرياء ولمصر العزاء والرجاء بدوام العِزّة.

back to top