تعديل «الوثيقة الاقتصادية» أم تغيير «الخطة التنموية»؟

نشر في 12-04-2017
آخر تحديث 12-04-2017 | 00:09
ما لم يتم تغيير التوجه العام للخطة "التنموية"، وليس تعديل آليات التنفيذ الفنية وإطارها الزمني فقط، ثم تبني توجه تنموي جديد بعيد عن التوجه النيوليبرالي المتوحش، وتنفيذ سياسات اقتصادية جديدة ومتطورة تُصلح الاختلالات الرئيسة في الاقتصاد والمالية العامة، وتُقدم بدائل عادلة اجتماعياً، فإن المشكلة ستظل قائمة.
 د. بدر الديحاني بحسب تصريح وزير المالية لوسائل الإعلام مؤخراً فإن الحكومة تعمل حالياً على تعديل وثيقتها الاقتصادية والمالية التي لم يمض على إعدادها والبدء بتنفيذها سوى فترة زمنية قصيرة. هذا الاعتراف الحكومي بضرورة تعديل "الوثيقة" التي زعموا في السابق أنها أتت بعد دراسات متخصصة ومعمقة ومعلومات دقيقة وحديثة، وأنه لا مفر من تطبيقها لأجل إصلاح اختلالات المالية العامة، معناه أن الخطة الخمسية الحكومية المُسمّاة "خطة التنمية"، والتي استندت إليها "الوثيقة"، تحتاج إلى تعديل أيضاً.

ومثلما ذكرنا مراراً فإن المشكلة الرئيسة في "خطة التنمية" الحكومية، والتي منها أُخذت "الوثيقة الاقتصادية"، ليست مشكلة فنية تتعلق بآليات التنفيذ ومؤشرات الإنجاز أو الإطار الزمني، والتي يراد تعديلها مثلما تنتوي الحكومة ويطالب بعض أعضاء المجلس بذلك، بل هي مشكلة توجه الخطة العام الذي يتبنى التوجه الاقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي ونماذجه المُعلّبة وسياساته الاقتصادية غير العادلة التي سببت كوارث اجتماعية واقتصادية وسياسية في دول كثيرة حول العالم، وذلك بسبب انحيازها الاجتماعي الصارخ لمصالح القِلة، وهم كبار الأثرياء وضد "الطبقة الوسطى" والفقراء.

ومن المعروف أن من يدفع إلى تنبي التوجه النيوليبرالي هي مؤسسات اقتصادية ومالية رأسمالية عالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين و"ماكينزي" و"إرنست أند يونغ".

وعلى هذا الأساس فإنه ما لم يتم تغيير التوجه العام للخطة "التنموية"، وليس تعديل آليات التنفيذ الفنية وإطارها الزمني فقط، ثم تبني توجه تنموي جديد بعيد عن التوجه النيوليبرالي المتوحش، وتنفيذ سياسات اقتصادية جديدة ومتطورة تُصلح الاختلالات الرئيسة في الاقتصاد والمالية العامة، وتُقدم بدائل عادلة اجتماعياً، فإن المشكلة ستظل قائمة.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن خطط التنمية الإنسانية المستدامة تستهدف بالأساس تحقيق احتياجات الإنسان، ورفع مستوى معيشته، وتطوير المجتمع من النواحي كافة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإنه ينبغي إشراك أصحاب الشأن، وهم عامة الناس، في إعدادها ومراقبة عملية تنفيذها، ثم تقييم نتائجها وآثارها وذلك من خلال رفع سقف الحريات العامة وبالذات حرية الرأي والتعبير، وفتح الفضاء العام للمجتمع المدني، هذا ناهيك عن أهمية تنظيم العمل السياسي وتطوير عملية ممارسة العملية الديمقراطية من أجل سماع آراء الناس، واحترام انتقاداتهم واعتراضهم على قرارات الحكومة وممارساتها.

بصياغة أخرى فإن خطط التنمية الإنسانية المستدامة ليست مجرد شعارات إعلامية، أو كلام إنشائي مُرسل، أو خطط ورقية ومكتبية يعدها أشخاص فنيون بمعزل عن أصحاب الشأن الذين تُصاغ عادة خطط الدولة وتُنفذ لمصلحتهم، وهم عامة الناس مصدر السلطات العامة جميعاً في الأنظمة الديمقراطية.

back to top