نحو خطاب عربي متصالح مع العالم

نشر في 10-04-2017
آخر تحديث 10-04-2017 | 00:12
 د. عبدالحميد الأنصاري بمناسبة تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية ركز الدكتور رضوان السيد، الفائز بالجائزة لهذا العام، في كلمته على ثلاثة تحديات يواجهها المسلمون في العالم: تحدي استنقاذ الدولة الوطنية، وتحدي الإصلاح الديني، وتحدي إصلاح العلاقة مع العالم.

الدكتور رضوان السيد مفكر لبناني عربي إسلامي وباحث في مجال الدراسات الإسلامية، وله العديد من الإسهامات الفكرية النوعية المتميزة في هذا المجال، والتي بموجبها استحق هذه الجائزة العالمية الرفيعة الشأن، امتازت إسهاماته العلمية التوثيقية بعمق التأصيل، وموضوعية التحليل، بعيداً عن التحيزات الأيديولوجية أو الحزبية أو الطائفية، إضافة إلى عقلانية وحداثة التشخيص والمعالجة، وهو يستحق هذه الجائزة، التي أسعدت جميع محبيه وطلابه، بجدارة، وتقدير اللجنة لهذا المفكر الكبير، تقدير للفكر العقلاني الوسطي.

لا أريد الاستطراد في عرض جهود السيد المعرفية في خدمة الشأن الإسلامي، على امتداد أكثر من نصف قرن، لكني أودّ التركيز على ما جاء في كلمته بشأن التحدي الثالث: إصلاح العلاقة مع العالم، هذه العلاقة التي ما زالت مأزومة، ونحن ندفع ثمنها: دماء غزيرة من شبابنا، وتكاليف باهظة من مواردنا ومقدراتنا.

كيف نقيم علاقة صحية سوية مع العالم المعاصر؟

أتصور أن ذلك يتطلب إعادة النظر في مجمل الخطاب العربي السائد، الذي أقمنا عليه مناهجنا التعليمية ومنظومتنا الإعلامية والدعوية والتشريعية، وصاغ وجدان أبنائنا وعقولهم، ووجه مسلكياتهم، وشكل نظرتهم وتصوراتهم النمطية للعالم، فهذا الخطاب ما زال خطاباً غاضباً متشنجاً، يستبطن كراهية الآخر: محليا أو خارجيا، وإن تظاهر بترديد مقولات التسامح وقبول الآخر!

تأمل على سبيل المثال فقط: كم اللعنات التي تصب على الآخر كل يوم جمعة عبر آلاف المساجد في المنطقة! وفِي المدارس الدينية في مناطق عديدة من العالم العربي، مناهج تزرع بغض غير المسلمين في نفوس الأطفال، أما الخطاب الديني والفتاوى المنتشرة فتحرض على إضمار الكراهية للعالم، طبقاً لعقيدة "الولاء والبراء".

لقد بني الخطاب العربي، على جملة من التصورات السلبية تجاه العالم المعاصر، أبرزها:

أولاً: تصور أننا "الأمة المستهدفة" أبداً من قبل العالم: سواء بالتآمر العالمي الذي يستهدف بلادنا ومقدراتنا وثرواتنا، أو بالغزو الفكري الذي يستهدف هويتنا وثقافتنا وديننا، هواجس الاستهداف تحتل مساحة كبرى في عقول ونفوس قطاع كبير في الساحة: نخباً وجماهير، لقد استراحت العقلية العربية إلى تحميل الآخر الخارجي مسؤولية تردي أوضاعنا، فما من حدث يحصل، أو مصيبة تحل بساحتنا إلا وراءها الغرب المتآمر، وفي الوقت الذي يوجه القرآن الكريم المسلمين إلى أن مصائبهم محصلة ما كسبت أيديهم "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"... "وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ"، تصر العقلية العربية على اتهام الآخر، وتغييب منهج نقد الذات! وهكذا يتضاءل الأمل في تحقيق أي تغيير حقيقيي، ما دمنا ننسب المشكلات إلى غير أسبابها الحقيقية، كما يصعب في مناخ تسوده الشكوك وسوء الظنون والارتياب، إقامة علاقة بناءة مع الآخر الخارجي.

ثانياً: تضخم عقدة الشعور بأننا "الأمة الضحية" للأطماع العالمية، لاحول لنا ولا قوة.

الآن: ما محصلة الشحن والترويج لمقولتي "الأمة المستهدفة" و"الأمة الضحية"؟!

1- أصبح خطابنا الدعوي والإعلامي غير متصالح مع العالم، فما زلنا الأمة الوحيدة التي تدعو على من نتصورهم الأعداء، ولو استجاب المولى تعالى، وسقطت الحضارة، فنحن الأخسرون!

2- كان من ثمرات الشحن زرع مشاعر الكراهية للعالم في نفوس الناشئة، تحولهم إلى قنابل متفجرة، وما "داعش" و"القاعدة" إلا محصلة زرع الكراهية.

3- كان من جراء اصطناع الأعداء المتوهمين، أن أصبح المزاج العام للجماهير مع قوى الماضي وقوى التشدد، وغاب الخطاب العقلاني التسامحي المعتدل أو ضعف تأثيره.

4- التهرب من مسؤولية التغيير بتغييب "منهج نقد الذات" الذي قامت عليه الحضارة، لنبقى أسرى المواريث الاستعمارية، وهواجس الغزو الفكري، وأوهام التآمر العالمي، وظنون الاستهداف، وعقد الضحية المغلوبة على أمرها، غير قادرين على إنتاج خطاب عربي جديد متصالح مع العالم.

ختاماً: وفضلاً عن أننا لم نحسن التعامل مع الخارج، فإن بعض سفهائنا استعدوا العالم علينا بأفعالهم الإجرامية.

* كاتب قطري

back to top