عندما يموت الإحساس

نشر في 10-04-2017
آخر تحديث 10-04-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم حدث أغرب من الخيال وأبعد من التصديق حصل في الكويت الأسبوع الماضي، حيث انتشر فيديو بوسائل الميديا تصور فيه امرأة كويتية على "سناب شاتها" واقعة سقوط خادمتها من نافذة شقتها بالدور السابع لحظة سقوطها وارتطام جسدها بسطح الأرض.

الفيديو بمنتهى البشاعة، موجع ومؤلم إلى أقصى حد ويهز ضمير الإنسانية، لكنه عجز عن هز ضمير المرأة التي صورته وسط صرخات الخادمة واستغاثتها بنداء يقطع القلب وهي تستجير بسيدتها وتطلب منها بخوف وفزع وصوت مسكون بالرعب يقول: امسكيني... امسكيني، متعلقة بيد واحدة ممسكة بحافة ضعيفة من خارج النافذة، وجسدها متأرجح في سماء الدور السابع، وسيدتها لاهية عنها بتصوير وتوثيق لحظة السقوط المفجعة المؤلمة من دون أن يرف لها جفن أو ترتبك أو تهرول لنجدتها وإنقاذها من السقوط. والحمد لله عندما ارتطم جسدها بالأرض لا أدري كيف لم تمت، وكُتب لها عُمر آخر حين أُنقذت، لكن بالتأكيد لابد أنها تعرضت لإصابات لم نعرفها ولم يُعلن عنها.

هذا الحدث بصراحة هز مشاعر الناس، لبشاعته وغرابته وموت إنسانيته، ويحتاج إلى إعداد دراسات، لتبيان تأثير الميديا على مشاعرهم وسلوكهم تجاه تسجيل وقائع وتفاصيل حياتهم ويومياتهم لطرحها للمشاهدة العامة وتحصيل الإعجاب بمزيد من "اللايكات" التي تبين حب الناس لما يصور ويقدم لهم.

أمر عجيب أن يصبح النشر بالميديا أهم من إنقاذ روح إنسان يموت أمام العين المشاهدة دون أن يهمها أو يهزها رعب ورجاء إنسانة تواجه الموت على بُعد خطوات منها، دون أن تفزع لنجدتها، التي لا تحتاج ولا تتطلب أكثر من مد يد عبر النافذة تنقذ روحاً توشك على مغادرة جسدها بحال سقوطها، لكن انشغال المرأة بنقل الواقعة وتسجيلها عبر "سناب شاتها" كان أهم لديها من إنقاذ روح خادمتها، حتى لو افترض أن الخادمة كان في نيتها تخويف سيدتها أو تهديدها بالانتحار. أقول ربما كانت هذه نيتها وقد يكون افتراضا، لأنه ليس معروفا سبب تعلق جسد الخادمة بنافذة الشقة من الخارج، وخاصة أنه لا توجد شرفة حول النافذة تجعلها تتواجد فيها. حتى مع افتراض نية الانتحار كان يجب منعها، وأن تهب لنجدتها عندما صرخت بنداء "امسكيني"، فهذا بحد ذاته يتطلب النجدة في الحال كردة فعل لهذا الحدث الجلل.

عندما شاهدت الفيديو لأكثر من مرة صُعقت من ردة فعل المرأة وبرود أعصابها تجاه الحدث، ويبدو من صوتها أنها شابة، لأنها لم تصور نفسها، فقط صوتها كان محور التسجيل، وكان صوتا هادئا هازئا بسخرية من مشهد الخادمة الممسكة بيدها آخر أمل للنجاة، كان الصوت يقول: "ابيه مجنونة تعالي".

أقسم بالله لو كان المعلَّق على طرف حبل الحياة قطة أو كلبا أو أصغر من ذلك لصعقت من سقوطها وليس إنسانة خادمة جاءت متغربة للبحث عن توفير لقمة عيشها.

السؤال الذي يبحث عن إجابة: ما المسببات التي قادت وخلقت مثل هذا السلوك اللامسؤول واللامبالي البعيد عن إدراك الإحساس بالتعاطف والشفقة مع الآخر الضعيف المحتاج؟ هل هي تربية ونشأة هذه الأجيال واعتيادهم وتغذية أرواحهم وعقولهم وتشرب نفوسهم بمشاهد غذت طفولتهم على عنف القصص الكارتونية وتمجيدها للبطل الشرير كرمز للذكاء البشري مع ازدرائها للطيب الغبي، وبالتالي يصبح انتصار الشر والعنف قدوة الأمثل والأفضل؟

هذا إلى جانب كل ما يحيط بنا منذ 30 سنة من حروب وقتل وتشريد وإرهاب ومشاهد عنف لم يسبق لها مثيل تمثلت بصور الموت المجاني المريع الذي تبثه كل شبكات القنوات والتلفزة المرئية أو المنشورة بالصحف والمبثوثة عبر الميديا الإلكترونية، كلها باتت زاداً وجرعة يومية اعتادت عليها قلوب أجيال متعاقبة ما عاد يؤثر فيها مشاهدة عذابات التنكيل والتعذيب والموت، وبات أمرها وتواجدها اعتياديا في حياتهم، ولم تعد تهز الضمير ولا تنقح عليه ولا توجعه.

وتأتي الميديا العالمية لتزيد الطين بلة وتوجه المؤشر إلى الذات الفردية، لتجعلها "سنتر" وقلب الاهتمام، وما عداها لا شيء، وبات النزوع إلى الشهرة بكل وسيلة هو الهدف والغنيمة يسعى لهما الجميع حتى لو كان ذلك على حساب تدمير أرواح أخرى.

back to top