ما قل ودل: التدخل في سير العدالة جريمة بنص الدستور ولا تسقط بالتقادم

نشر في 09-04-2017
آخر تحديث 09-04-2017 | 00:10
 المستشار شفيق إمام تعديل قوانين الهيئات القضائية في مصر

تناولت في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان "الهم الأكبر هو التدخل في سير العدالة" بإقرار مجلس النواب المصري أربعة قوانين بتعديل قوانين الهيئات القضائية الأربع، السلطة القضائية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، والذي انطوى على تدخل في سير العدالة، بتدخل السلطة التنفيذية في اختيار القاضي الطبيعي في تشكيل أعلى محكمتين في مصر، وهما محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، باختيار هذه السلطة لرئيس كل من المحكمتين من بين أقدم سبعة مستشارين في كل من القضاءين العادي والإداري، وتحويل ساحة القضاء فيهما إلى ساحة صراع بين السبعة، الذين يتولون رئاسة أعلى محاكم هاتين الجهتين، ليصبحوا رهائن تقارير الأمن عنهم، خلال السنوات التي تسبق هذا الاختيار.

إقرار القوانين برفع الأيدي

وأعجب أشد العجب من طريقة التصويت على التعديلات التشريعية للقوانين سالفة الذكر وهي مكملة للدستور، وتحرص بعض الدساتير بالنسبة إلى هذه القوانين، على اشتراط أغلبية خاصة لإقرارها، وفي حدود علمي، فيما طالعت من دساتير ولوائح داخلية لبعض برلمانات العالم، فإن إقرار القوانين بوجه عام من البرلمان يحظى باهتمامها البالغ سواء في عرضها أو في مناقشتها أو في التصويت عليها، وتحيط إقرارها مجموعة من الضمانات، منها أن تكون مدرجة على جدول أعمال البرلمان، وأن يكون معروفا لدى كل أعضائه مسبقاً، الوقت الذي ستتم مناقشتها فيه، وليس على بند ما يستجد من الأعمال، ولهذا لم يكن في حسبان أحد عرض رئيس البرلمان المصري لتعديل قوانين السلطة القضائية على مجلس النواب بغتة ودون سابق علم الأعضاء بذلك، ومنهم من كان غائبا عن الجلسة، وقد يكون لديه ما يبديه من آراء في المناقشة التي تسبق إقرار هذه التعديلات وقد تغير وجهة نظر البرلمان في إقراره لها.

ومن الضمانات الأساسية لإقرار القوانين كذلك أيضا، أن يكون التصويت عليها بالمناداة بأسماء الأعضاء، فهي ضمانة أساسية في النظم الديمقراطية، لأنها تتيح للشعب أن يبسط رقابته على نوابه الذين يمثلونه في البرلمان، ليتعرف على موقفهم من القضايا التي يهتم بها الشارع.

لذلك كانت دهشتي بالغة ومشوبة بمرارة شديدة على تمرير هذه التعديلات برفع الأيدي عندما طلب رئيس المجلس من الحضور رفع أيديهم حال موافقتهم على القانون، ثم أعلن الموافقة على القانون دون حتى حصر العدد الحقيقي للمصوتين.

إفراغ النص الدستوري من مضمونه

كما شاب هذه الإجراءات خطأ مضاعف الأثقال عندما أعلن رئيس البرلمان المصري وهو يعرض هذه القوانين، أنه قد تم أخذ رأي الهيئات القضائية في هذا التعديل وفقا للمادة (185) من الدستور التي توجب على السلطة التشريعية أخذ رأي الهيئات القضائية في مشروعات القوانين التي تنظم شؤونها، بحكم قيام كل هيئة قضائية على شؤونها وفقا للاستهلال الذي استهلت به هذه المادة أحكامها.

وبذلك أفرغ رئيس المجلس النص الدستوري من مضمونه عندما غاب عنه أن هذا القول قد يكون كافيا عند تمرير تعديل وافقت عليه هذه الهيئات، أما عندما يكون التعديل قد رفضته هذه الهيئات أو تحفظت عليه، فإن أمانة الكلمة وأمانة العرض والأصول الإجرائية الصحيحة في إقرار القوانين، كانت تفرض توزيع رأي هذه الهيئات على أعضاء البرلمان مع تقرير اللجنة التشريعية، وأن تكلف الأمانة العامة أو مقرر لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بتلاوة الرسائل الواردة من هذه الهيئات، وأن يفتح الرئيس الباب على مصراعيه لمناقشة اعتراضاتها أو تحفظاتها، فأهل مكة أدرى بشعابها، فربما أوصلتنا المناقشة إلى الهم الأكبر الذي تناولناه في مقالنا السابق، بما يغير رأي المجلس.

جريمة بنص دستوري

وتتحول الدهشة إلى مرارة وأسى عندما يكون التدخل في سير العدالة جريمة بنص دستوري، فالأصل في الدساتير ألا تكون محلا لتجريم أفعال أو العقاب عليها، ولكن للثورات أحكامها ومتطلباتها الثورية، فالدساتير النابعة من رحمها تحرص على تجريم الأفعال التي ارتكبها خصومها وأعداؤها، خلال توليهم سلطة الحكم، بل تعاقب عليها بحرمانهم من حقوقهم السياسية، وهذا ما فعله دستور مصر سنة 1956 بعد ثورة 23 يوليو، وما فعله كذلك دستور 2013 فيما نصت عليه المادة (232) من منع قيادات الحزب الوطني المنحل من ممارسة العمل السياسي والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. وهي أحيانا تجرم كل فعل يناقض مبادئها، ولا تترك ذلك لقانون يصدر من السلطة التشريعية وهو ما فعله دستور 2015 فيما نصت عليه المادة (184) من أن "التدخل في سير العدالة جريمة لا تسقط بالتقادم". وهو حكم مأخوذ من المادة 168 من دستور 2013.

فقد كان هذا الحكم انطلاقا من أن أول شعار رفعته جماهير ثورة 25 يناير وهو: عيش... عدالة... حرية، فحماية العدالة هي جزء من أهداف الثورة، حتى لو لم يبق منها سواه، والجماهير من حقها أن تحميه حتى إن بدا تضييقا على الحريات لمواجهة الإرهاب، وإن تحطمت آمال الفقراء في وفاء الثورة بحاجاتهم الأساسية على صخرة الإرهاب وتراجع السياحة، فتبقى حماية العدالة هي حصاد دماء الشهداء التي روت أرض مصر وترابها في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، وإذا كانت حماية العدالة هي الهدف الوحيد الذي حققته الثورة فإنها تكون قد حققت بذلك إنجازا، سيسجله التاريخ لها، ويظل القضاء هو رمانة الميزان في هذا الحصاد.

back to top