التكنولوجيا تنتصر على فطرتنا

نشر في 08-04-2017
آخر تحديث 08-04-2017 | 00:07
 جري سالم الجري "تاخني- لوهِّيا" كلمة يونانية تعني "قانون الصُّنع"، وعلم التكنولوجيا عديم المشاعر والمعتقدات، احترمته البشرية بينما اعتبره أناس عدو القيم والضوابط الإنسانية، فهل لآلةِ من عدو؟

كعادة اليونان سنحشد الأعيان في مدرج البرلمان، وسيمثل المتناظران أمام الأشهاد: أبو مشعل الرجل الخليجي وابن فرناس (1.2) الرجل الآلي، ليحسم أحدهما المسألة.

أبومشعل يثبت عِقاله ويحبس كلماته بُرهةً من الزمن ليشد الانتباه، فكلما ازدادت فترة التأهب اشتدت الرغبة لسماعه، ففتح فاه ليبدأ حديثه لكن الآلي سبقه قائلاً بصوته المُمَغنط:

"البشرية لها فطرة الميل لما تألفه، والنفور مما لا تعرفه، لكن الحاجة أم الاختراع، سترغمون على تطوير الزراعة لمواكبة ديمغرافيتكم المتنامية، وستجددون أدويتكم لمواجهة أمراضكم المتجددة نوعاً وكماً، وستضبطون أتوماتيكية البيع والشراء في البورصة العالمية، وسأحاذي مخترعيكم لاقتحام الأسرة الشمسية، للاستعداد للحرب النجومية التي بدأت مع أول قمر صناعي أطلقته أياديكم، وسيستمر الأطباء في تحديد النسل وتصويب الجينات، وتعديل المشيمات، وحين تسهل العمليات الجراحية ستتعاظم المجازر العسكرية. أيها الإنس تكنولوجيتكم سِكّتكم الجبرية".

رمى أبو مشعل عقاله وصاح "ماتت الفِطرة!"، فأغمي عليه لأن فقر دمه وضغطه وسكره وكوليستروله كلها هزمته شر هزيمة حينما اجتمعت عليه مع عنادهِ في تناول أدويته، بحجة مقاطعته لمنتجات التكنولوجيا، فظهر رجل غريب، وأخذه للمستشفى، وأدخلوا في شريان قلبه الأنبوب المطاطي، وضغطوا على زر نفخ الأنبوب، وضُخت السوائل واتسع شريانه التاجي وكل هذا تحت عين الكاميرا الرقمية.

فأفاق وقال: "لقد انهزم قلبي البشري بخلاياه الطرية، أمام قساوة التروس المعدنية والعيون الرقمية"، فقال أحمد "أنا ابن فرناس (1.2)، وقبل أن يجلط مخيخك من هول الصدمة، ونصرف عليك النصف الثاني الباقي من الصيدلية حاول أن تفهمني، أقصد أنني من برمج حركة فك الرجل الآلي، وشغّل التسجيل الصوتي، وأضاف المؤثرات الصوتية".

وأضاف أحمد "التكنولوجيا فطرتنا لأن الخالق أوجد كل شيء ابتداءً، وأودع فيه احتماليات تركيباته المحتملة، فإذا ما جمعنا "الصوالب" وخلطنا "السوائل" ورشحنا "الغازات" وصوبنا "البلازمات" (الأشعة) فلن نخرق الطبيعة، بل سنطلق ما كانت تكنّه، فحتى أدمغتنا المبدعة تشفرت بذكاء، لتعالج فرضياتها الذهنية بتطبيقات واقعية وعملية، كالقرد حينما يستخدم الغصن الأجوف لمص بيت النمل، بل أزيدك، يا أبا مشعل، من الشعر بيتا: التكنولوجيا هي التي تمكن للإنسانية التجلي، فكيف مارسنا رحمتنا وحققنا تطبيبك؟".

مات كمداً فلقد قتلته هيمنة التكنولوجيا على عالمه، فالعلم ليس نوراً لمن نصر فطرة الخوف على فطرة الفضول.

back to top