خاص

تضخم الديون السيادية بلا خطط اقتصادية... إنه «درب الزلق»!

تعويل حكومي مبالغ فيه على الضريبة والخصخصة رغم عدم وجود أي خبرة سابقة فيهما

نشر في 06-04-2017
آخر تحديث 06-04-2017 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
اليوم مع الواقع الجديد للسوق نجد أن النفط بات سلعة أقل جاذبية وفق معطيات التباطؤ في الاقتصاد العالمي وتحديات النمو، الأمر الذي يفترض بدولة كالكويت، تعتمد على هذه السلعة بشكل أساسي بنسبة تتجاوز 90% من الدخل، أن تتصرف بحصافة أكبر مع سوق الدين العام، ولا تبالغ في سياسات الاقتراض.
يقول المثل الشعبي: "يا ماشي درب الزلق لا تأمن الطيحة"

المقصود من المثل السابق أن الذي يسير في طريق خطير عليه أن يتوقع أسوأ النتائج الوخيمة، وهو ما ينطبق بشكل كبير على السياسات الاقتصادية الحكومية الحالية التي تبالغ في الاتجاه نحو سوق الديون السيادية دون أن يقابلها خطط واضحة للإصلاح الاقتصادي، مما يجعل الاستدانة بمليارات الدنانير أداة لتمويل الإنفاق العام دون وجود مردود اقتصادي يدير الدين العام، ويضمن إعادة سداده في المواعيد والآجال المستحقة بعد أن يحقق أهدافه بكفاءة.

ففي مؤتمر الكويت المالي، هذا الأسبوع، أعلن وزير المالية أنس الصالح عن مشروع حكومي لتعديل تشريعي يهدف إلى رفع سقف الدين العام من 10 مليارات دينار إلى 20 ملياراً، ومد أجل الاستدانة في القانون من 10 سنوات إلى 30 سنة، مما يعطي إشارة عالية في اتجاه الدولة نحو مزيد من الاستدانة في الفترة المقبلة، رغم أن الكويت استدانت في السنة المالية 2016/2017 ما يوازي 2.2 مليار دينار (7.3 مليارات دولار) محلياً، إلى جانب سندات دولية قيمتها 8 مليارات دولار.

ضرر وقلق

وقد يتساءل البعض، ما الضرر من الاستدانة والرهان على الدين العام لحل مشكلات العجز المالي في الميزانية، خصوصاً أن التصريحات الرسمية تشير إلى إن إيرادات الدين العام ستُسخدَم في تمويل الإنفاق الاستثماري لا الجاري؟

في الحقيقة، القلق ليس من الاستدانة في حد ذاتها، ولا حتى من الفوائد المترتبة على تسعير أي إصدار، بل تكمن الخطورة في الاتجاه إلى سوق الدين العام في ظل عدم وجود خطة اقتصادية واضحة لمشكلات تتعلق بتنامي الإنفاق العام، ومخاطر سوق العمل، وتصاعد احتمالات البطالة، وشح الإيرادات غير النفطية في الميزانية، إذ إن خطة الإصلاح المالي بكل ما فيها من اختلالات وانحراف عن المعالجات الصحيحة لواقع الاقتصاد الكويتي يجري التراجع عنها حالياً تحت شعار "التحديث"، أي أن الخطة الأساسية التي طرحتها الإدارة العامة لمعالجة الاختلالات الخاصة بالميزانية تم التراجع عنها لتحديثها، مما يفتح المجال للكثير من الأسئلة حول جودة ومهنية إعداد خطط استراتيجية على أعلى مستوى.

انحراف «الاستثماري»

أما الحديث عن الإنفاق الاستثماري، الذي من المفترض أن يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني في دولة كالكويت بحاجة إلى إعادة تعريف، إذ إن معظم هذا الإنفاق يتجه إلى ترسيات المناقصات العامة، وبالتالي يمكن أن يكون هذا الإنفاق الاستثماري عبئاً على الميزانية أكثر من كونه نافعاً لها، ففي عام 2015 سجلت الكويت أعلى ترسيات للعقود في تاريخها بقيمة تصل إلى 9.7 مليارات دينار، لكنها لم تنعكس لا على تنويع سوق العمل، ولا على إعادة هيكلة الإيرادات العامة، ولا حتى تحقيق عوائد ضريبية، وبالتالي فإن الإنفاق الاستثماري بشكله الحالي لا يعني بالضرورة دعم الاقتصاد الوطني، بل يمكن أن يزيد من الضغط عليه، طالما ظل منحرفاً عن الأهداف المفترضة.

ارتباك الوثيقة

وحتى وثيقة الإصلاح المالي المرتبكة ما بين تمسك وتراجع وتحديث، والتي تعول الإدارة العامة عليها باعتبارها الخطة الأساسية للحكومة في تحفيز الاقتصاد، تبدو عند تحليلها أقل بكثير من تحديات المستقبل، فهي تعول بشكل عام على محورين أساسيين، هما الضريبة "كتلك الخاصة بالأعمال والقيمة المضافة"، والخصخصة "المتعلقة بالإدارة والملكية"، وهما محوران ليس لإدارة الكويت الحكومية أي خبرة حقيقية سابقة بهما، مما يرفع درجة المخاطر، إن فشلت الدولة في تطبيقهما، وسط تنامي الديون السيادية في المستقبل.

أهمية النفط

قبل نحو 4 سنوات كان الحديث عن دخول ميزانية الكويت تحت طائلة العجز المالي ضرباً من المبالغة، وربما السوداوية والتشاؤم، في ظل برميل نفط قوي بلغ سعره فوق الـ100 دولار، وتسجيل فوائض سنوية تراكمية لا تقل عن 8 مليارات دينار سنوياً، أما اليوم مع الواقع الجديد للسوق نجد أن النفط بات سلعة أقل جاذبية، وفق معطيات التباطؤ في الاقتصاد العالمي وتحديات النمو، الأمر الذي يفترض بدولة كالكويت، تعتمد على هذه السلعة بشكل أساسي بنسبة تتجاوز 90 في المئة من الدخل، أن تتصرف بحصافة أكبر مع سوق الدين العام، ولا تبالغ في سياسات الاقتراض، حتى وإن حصلت أول مرة على تسعير جيد لسنداتها، لأن تراكم الدين العام سيجعل الاقتراض في المرات المقبلة بأسعار أعلى وكلفة أكبر.

الأرجنتين واليونان وفنزويلا

إن أي باحث في الأرشيف، وليس بالضرورة في التاريخ، سيجد أن هناك دولاً واجهت أزماتها الاقتصادية بالديون السيادية في ظل إدارة سيئة حتى بلغت الأوضاع فيها حد التدهور، وأبرزها الأرجنتين، التي انتقلت سريعاً من الثراء إلى العجز عن سداد الديون، فوصل الأمر إلى خفض قيمة العملة الوطنية (البيزو)، وقفز التضخم وانكمش الاقتصاد بـ28 في المئة، في حين وصلت نسبة الفقر بين الأرجنتينيين إلى 50 في المئة، وهناك أيضاً اليونان التي أهملت معالجة أزماتها الاقتصادية المتعددة، حتى فاق حجم الدين العام 350 مليار دولار، لتسبب أزمة مالية واقتصادية في محيطها الأوروبي.

أما فنزويلا التي تتشابه مع الكويت في اعتمادها على النفط كمصدر أساسي للدخل والإنفاق، فإن أعباء الديون البالغة 120 مليار دولار رفع معدل الفقر فيها من 27 في المئة عام 2013 إلى ما يتجاوز 70 في المئة من السكان.

درب الزلق

إن التوسع في سياسات الدين العام والاعتماد عليه لتغطية عجز الميزانية أو حتى تمويل الإنفاق الاستثماري بشكله المنحرف حالياً بخطة اقتصادية مرتبكة وغير واضحة ولا تناسب إمكانيات الإدارة الحكومية هو سير في "درب الزلق"، الذي يرفع من مخاوف التعثر عن السداد لدولة كانت، قبل سنوات قليلة، تعيش في تخمة الفوائض المليارية، التي أعمت إدارتها عن اتخاذ أي إجراء احترازي يقيها مخاطر اليوم والغد.

دول كثيرة واجهت أزماتها الاقتصادية بالديون السيادية في ظل إدارة سيئة حتى تدهورت
back to top