روبوتات بلا ضرائب

نشر في 30-03-2017
آخر تحديث 30-03-2017 | 00:07
فرض ضريبة معتدلة على الروبوتات، حتى إن كانت ضريبة مؤقتة تعمل فقط على إبطاء تبني التكنولوجيا المعطلة للنظام القديم، يبدو عنصرا طبيعيا في سياسة ترمي إلى معالجة فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع.
أثيرت فكرة فرض ضريبة على الروبوتات في مايو الماضي في مشروع تقرير مقدم إلى البرلمان الأوروبي من إعداد عضو البرلمان الأوروبي مادي ديلفو من لجنة الشؤون القانونية، وتأكيدا على الكيفية التي قد تتسبب بها الروبوتات في توسيع فجوة التفاوت، اقترح التقرير أنه ربما تكون هناك "حاجة إلى فرض متطلبات إعداد تقارير الشركات بشأن مدى مساهمة الروبوتات والذكاء الاصطناعي ونسبة هذه المساهمة في النتائج الاقتصادية لأي شركة بغرض تحديد الضريبة ومساهمات الضمان الاجتماعي".

كان رد الفعل العام على اقتراح ديلفو سلبيا للغاية، وكان الاستثناء الملحوظ بِل غيتس، الذي أيد الاقتراح، ولكن لا ينبغي لنا أن نستبعد الفكرة تماما، ففي العام الماضي فقط، شهدنا انتشار أجهزة مثل غوغل هوم وأمازون إيكو دوت (أليكسا)، والتي حلت محل بعض جوانب المساعدة المنزلية. وعلى نحو مماثل بدأت خدمات دِلفي ونوتونومي لسيارات الأجرة بدون سائق في سنغافورة تحل محل سائقي سيارات الأجرة، كما بدأت نورداش التي تستخدم مركبات ستارشيب تكنولوجيز المصغرة الذاتية القيادة، تحل محل أفراد التسليم إلى المنازل لدى المطاعم.

وإذا نجحت هذه الإبداعات وغيرها التي تزيح العمالة، فمن المؤكد أن الدعوات التي تنادي بفرض الضرائب عليها ستصبح أكثر تكرارا، وذلك بسبب المشاكل البشرية التي تنشأ عندما يفقد الناس وظائفهم، وهي الوظائف التي يرتبطون بها بشكل وثيق غالبا، والتي ربما أنفقوا من أعمارهم سنوات في إعداد أنفسهم لها، ويشير المتفائلون إلى أن الوظائف الجديدة كانت متاحة دوما للأشخاص الذين حلت التكنولوجيا محلهم؛ ولكن مع تسارع ثورة الروبوتات، يستمر نمو الشكوك حول مدى نجاح هذا، ويأمل أنصار فرض الضريبة على الروبوتات أن تعمل الضريبة على إبطاء هذه العملية، ولو بشكل مؤقت على الأقل، وتوفير عائدات لتمويل التعديل والتكيف، مثل برامج إعادة تدريب العمال المزاحين.

قد تكون مثل هذه البرامج ضرورية بقدر ما يُعَد عملنا ضروريا لحياة البشر الأصحاء كما نعرفها. يؤكد إدموند فيلبس في كتابه "مكافأة العمل"، الأهمية الجوهرية المتمثلة بالحفاظ على "مكان في المجتمع ــ مهنة"، فعندما يعجز عدد كبير من الناس عن العثور على عمل لإعالة أسرهم، يترتب على ذلك عواقب وخيمة، وكما يؤكد فيلبس "ربما يتعطل عمل المجتمع بأسره". بعبارة أخرى ينطوي تعميم الروبوتات على عوامل خارجية تبرر بعض التدخل الحكومي.

ويؤكد منتقدو ضريبة الروبوتات أن غموض مصطلح "الروبوت" يجعل تحديد قاعدة الضريبة أمرا صعبا، كما يؤكد المنتقدون الفوائد الهائلة التي لا يمكن إنكارها والتي تعود على نمو الإنتاجية بفضل الروبوتات.

ولكن لا ينبغي لنا أن نستبعد بهذه السرعة ولو فرض ضريبة متواضعة على الروبوتات خلال فترة انتقالية إلى عالَم مختلف من العمل، وينبغي لمثل هذه الضريبة أن تشكل جزءا من خطة أعرض لإدارة العواقب المترتبة على ثورة الروبوتات.

الواقع أن كل الضرائب، باستثناء "ضريبة المبلغ الثابت"، تُحدِث تشوهات في الاقتصاد، ولكن لا تستطيع أي حكومة أن تفرض ضريبة المبلغ الثابت- المبلغ نفسه لكل شخص بصرف النظر عن الدخل أو الإنفاق- لأنها ستفرض القدر الأكبر من العبء على أولئك الأقل دخلا، وتطحن الفقراء الذين ربما لا يستطيعون دفعها على الإطلاق. وعلى هذا فإن الضرائب لابد أن تكون مرتبطة ببعض الأنشطة التي تدل على القدرة على دفع الضرائب، ولابد أن تحدد الأنشطة التي ربما يجري تثبيطها نتيجة لذلك.

نشر فرانك رامزي بحثا كلاسيكيا في عام 1927، حيث زعم أن الحد من التشوهات الناجمة عن فرض الضرائب يستلزم فرض الضريبة على كل الأنشطة، وقد اقترح كيفية تحديد المعدلات الضريبية، ولم تتحول نظريته المجردة قَط إلى مبدأ عامل بشكل كامل في تحديد المعدلات الضريبية الفعلية، ولكنها توفر حجة قوية ضد افتراض مفاده أن الضريبة يجب أن تكون صِفرا لجميع الأنشطة باستثناء قِلة منها، أو أن كل الأنشطة لابد أن تخضع للمعدل الضريبي نفسه.

الواقع أن الأنشطة التي تخلق عوامل خارجية ربما يكون معدلها الضريبي أعلى مما كان رامزي سيقترح. على سبيل المثال، تنتشر الضرائب على المشروبات الكحولية على نطاق واسع، فإدمان الكحول مشكلة اجتماعية كبرى لأنه يدمر الزيجات، والأسر، وحياة البشر، وفي الفترة من 1920 إلى 1933، جربت الولايات المتحدة تدخلا أشد قسوة في السوق: الحظر الصريح للمشروبات الكحولية، ولكن تبين أن القضاء على تعاطي الكحول أمر مستحيل، وكانت ضريبة الكحول التي رافقت نهاية الحظر شكلا أخف من أشكال التثبيط.

ينبغي لمناقشة ضريبة الروبوتات أن تنظر في البدائل المتاحة في التعامل مع فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع، ومن الطبيعي أن ننظر في ضريبة دخل أكثر تصاعدية جنبا إلى جنب مع "الدخل الأساسي"، ولكن هذه التدابير لا تحظى بتأييد شعبي واسع النطاق، وإذا لم يكن التأييد واسع النطاق، فإن الضريبة، حتى لو فُرِضَت، لن تدوم طويلا.

عندما تُرفَع الضرائب على الدخول المرتفعة، في زمن الحرب عادة، فإنها تكون مؤقتة، وفي نهاية المطاف يبدو من الطبيعي في نظر أغلب الناس أن فرض الضرائب على الأشخاص الناجحين لمصلحة غير الناجحين أمر مهين للفصيل الأخير، وربما حتى لا يريد المتلقون هذا النوع من الصدقة عادة، ويدرك الساسة هذه الحقيقة: فهم لا يديرون حملاتهم الانتخابية عادة على أساس اقتراحات تقضي بمصادرة الدخول المرتفعة وتعزيز الدخول المنخفضة.

ولهذا، يجب إعادة صياغة الضرائب لمعالجة التفاوت في الدخل نتيجة لتعميم الروبوتات، وقد يكون فرض الضريبة على الروبوتات لا أصحاب الدخل المرتفع فحسب أكثر قبولا من الناحية السياسية، وبالتالي أكثر استدامة، ورغم أن هذا لا يفرض ضريبة على النجاح البشري الفردي، مثل الضرائب على الدخل، فإنه ربما ينطوي في واقع الأمر على ضرائب أكثر على الدخول الأعلى، إذا كانت مكتسبة في أنشطة تتضمن إحلال الروبوتات محل البشر.

الواقع أن فرض ضريبة معتدلة على الروبوتات، حتى إن كانت ضريبة مؤقتة تعمل فقط على إبطاء تبني التكنولوجيا المعطلة للنظام القديم، يبدو عنصرا طبيعيا في سياسة ترمي إلى معالجة فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع، ومن الممكن توجيه الإيرادات نحو تأمين الأجور، لمساعدة الناس الذين أزاحتهم التكنولوجيا الجديدة على الانتقال إلى مهن مختلفة، ويتفق هذا مع إحساسنا الطبيعي بالعدالة، وبالتالي فمن المرجح أن يستمر.

روبرت جيه. شيلر*

* حائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد لعام 2013، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ييل، والمؤلف المشارك مع جورج أكيرلوف لكتاب "تصيد الحمقي: اقتصاد الاستغلال والخِداع".

«بروجيكت سنديكيت، 2017»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top