الذي دهسنا في لندن

نشر في 30-03-2017
آخر تحديث 30-03-2017 | 00:10
 خليل علي حيدر لم يدهس الإرهابيون في فرنسا وبريطانيا الإنكليز والفرنسيين فحسب، بل دهسوا كذلك ما بقي من سمعة العرب والمسلمين في بلاد الغرب... والعالم!

متى وكيف تم بناء هذا السور السياسي والنفسي في الإعلام والمطارات حول العرب والمسلمين، مقيمين أو مهاجرين، مسافرين لتلك البلاد أو حتى عابرين؟

هل بدأت محنتنا الدولية ونوبات الشكوك والمطاردة مع اختطاف الطائرات قبل نصف قرن، أم مع الإعلام الصاخب المعادي للغرب الذي أطلقته الثورة الإيرانية عام 1979 واقتحام السفارة وأسر الأميركيين، أم مع تفجير السفارات شرقا وغربا أم مع أحداث لبنان وتفجير وقتل جنود البحرية الأميركيين؟ أم مع عشرات الحوادث الإرهابية الأخرى في الدول العربية وكل مكان، في الطريق إلى سلسلة الأعمال التي دشن بها "أسامة بن لادن" عصر العنف وزمن الإرهاب، وأنزل بذلك أمطار البلاء على رأس كل ما هو عربي ومسلم؟

عدت قليلا إلى الوراء، إلى مقال نشرته في "الوطن" يوم 24 أغسطس 1998، قبل نحو عشرين عاماً، والأهم من ذلك، قبل نحو ثلاث سنوات من كارثة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، وما جرى بعد ذلك، وهو مقال بعنوان "نحن الخاسرون"، كتبته إثر أحد تفجيرات بن لادن، ربما في إحدى السفارات الأميركية في إفريقيا، أرى أن بعض ما جاء فيه جدير اليوم بالقراءة والاعتبار، بل ربما مع كل عملية إرهابية كالتي جرت في لندن قبل أيام. فماذا جاء في المقال؟ وكيف سارت الأمور منذ ذلك الحين؟ جاء في مقال "نحن الخاسرون": "معاداة أسامة بن لادن للولايات المتحدة والغرب وإشهار سيف الإرهاب والمتفجرات ضدهما سيكون وبالا على العرب والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة، بل في إفريقيا وآسيا.

سيعاني الأشخاص، وستعاني المؤسسات، وستتحول حياة مئات الألوف من العرب وذوي الأصول العربية ومن أبناء الشعوب الإسلامية في العالم أجمع إلى جحيم لا يطاق، بينما المجاهد العظيم قابع في أحد كهوف أفغانستان تحميه حراب طالبان، لم يكتف ابن لادن بما قال وما فعل، بل صرح مهددا بأن حربه ضد أميركا بالكاد بدأت، وأن المزيد من المتفجرات وأعمال الإرهاب في الطريق خلال الأشهر القادمة، ولو كان هذا الرجل حصيفاً لما أصدر مثل هذه التهديدات التي ستجعله موضع اتهام في كل عملية إرهابية قادمة، فضلا عما ستؤدي إليه مثل هذه التصريحات من عواقب وخيمة على حياة العرب والمسلمين في كل دول ومطارات العالم، حيث سنكون جميعا موضع شك وتفتيش وتمحيص وكراهية وربما أعمال عدائية. تهديدات ابن لادن للولايات المتحدة ستجعله شخصيا من أهداف الحملة ضد الإرهاب إذا قام بتمويل أي عملية قادمة، والآن وقد صرح مهددا فإن من السهل والمبرر اتهامه بتمويل أي عملية إرهابية ضد سفارات ومؤسسات الولايات المتحدة وبريطانيا، وإذا استهدفته الولايات المتحدة شخصياً ولا مصلحة له وللعرب والمسلمين في ذلك، فإن خياراته ستكون شبه منعدمة.

لماذا لم يتظاهر عربي واحد أو مسلم واحد ضد تفجير السفارات الأميركية في إفريقيا والسعودية أو السفارة المصرية في باكستان رغم ضخامة عدد الضحايا، ورغم تشويه مثل هذه العمليات لسمعة الإسلام والمسلمين والعرب في كل أقطار الدنيا؟علينا في العالم العربي والإسلامي أن نثوب إلى رشدنا وأن نتعقل، ومهما كان استياؤنا من سياسة هذه الدولة أو تلك فإننا لا نستطيع أن نحتكم إلى القنابل والاغتيالات والسيارات المفخخة. لقد دخلت شعوب آسيوية وشعوب أميركية جنوبية في حروب ومشاكل لا تحصى مع الولايات المتحدة، ولكنها لم تمارس ربع ما فعلنا بالعالم من خطف للطائرات، وتخريب للمواسم الرياضية، وتهديد لحياة وزراء النفط، وتفجير للسفارات، ولا نزال نهدد الدنيا بالمزيد! لماذا نلوم الغرب على تعاطفه مع إسرائيل؟

لا مصلحة للعرب والمسلمين في اللجوء إلى الإرهاب حتى لو كانت بعض "المنظمات الجهادية" قادرة على ممارسته لبعض الوقت، فالثمن باهظ، وباهظ جداً، ولا يدفعه إلا أبسط الناس ممن لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع". (الوطن، 24/ 8/ 1998).

مثل هذا الكلام وما هو أقوى منه وأفضل قيل مراراً، وكتب آلاف المرات في العالم العربي، ولكن لا يزال مبررو الإرهاب يجدون ما يقولونه لأتباعهم ومناصريهم في كل مكان.

ولا يزال العالم كله يدفع الثمن، وبخاصة العرب والمسلمين في المدن والأسواق، والسفارات والمطارات.

back to top