ترامب المدمر

نشر في 29-03-2017
آخر تحديث 29-03-2017 | 00:05
ترامب ليس قائدا ولا يمكنه أن يبني، بل يستطيع فقط أن يشتت الانتباه وأن يدمر ويضع اسمه على الذي بناه الآخرون، وينطبق ذلك على الحائط الذي اقترحه على الحدود الأميركية مع المكسيك، والذي سيتفوق على جميع المباني في كل العالم من البرازيل إلى إندونيسيا.
 بروجيكت سنديكيت يهيئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أميركا إلى جحيم جديد، مستفيدا من كل مهارات مشعل الحرائق المخضرم، فلقد أدت تصرفاته إلى تفاقم حالة عدم الأمان وعدم الاستقرار والخوف، في حين أنه يجعل السكان في مناطق أخرى من العالم أكثر عرضة للتأثر بمشعلي الحرائق السياسيين، فالناخبون في الولايات المتحدة الذين ظنوا أنهم يدعمون رجل الإطفاء القدير الوحيد المتاح أمامهم قد تعرضوا للخداع.

ولكن ترامب ماهر بالتلاعب بالتصورات، ولكي يشتت الانتباه بعيدا عن السياسات الاشتعالية المحتملة، أطلق اتهامات لا أساس لها ضد أعدائه المفترضين بدءا بوسائل الإعلام. إن إظهار ترامب للتغطية السلبية على أنها "أخبار كاذبة" ساعده على تشتيت انتباه الناس بعيداً عن الفضائح الكبيرة والصغيرة مثل تعارض مصالح أسرته وصفقات الأعمال المريبة التي أبرمها حول العالم ووجود العنصريين البيض بين كبار موظفيه، ورفض التدريب على الأخلاقيات لكبار موظفي البيت الأبيض وغير ذلك الكثير.

وربما أبرز الفضائح كانت تلك التي تتعلق بسلسلة التسريبات التي تربط بين إدارة ترامب وروسيا، بما في ذلك استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين بسبب "تضليل" نائب الرئيس حول طبيعة محادثات حصلت قبل تنصيبه مع سفير روسيا في الولايات المتحدة، وعندما أثبتت تهمة "الأخبار الكاذبة" عدم كفايتها لإسكات الهمسات، سحب ترامب مسدسه الكبير (والذي لا يزال خيالياً)، وغرد أن الرئيس باراك أوباما السابق وضع أجهزة تنصت في برج ترامب قبل الانتخاب.

وفي خضم محاولات ترامب لاسترضاء الناخبين، استمر على طريق الهدم الذي انتهجه وخفضت ميزانيته المقترحة الأولى تمويل البرامج الاجتماعية وجهود خفض استخدام المخدرات والإتجار بها، والفنون والعلوم المناخية والأبحاث الطبية والتعليم وبرنامج الوجبات المتنقلة (توصيل الأغذية لكبار السن) والمساعدة المالية لطلاب الجامعات منخفضي الدخل، وبرنامج التغذية التكميلية للنساء والرضع والأطفال وغير ذلك وهو عاقد العزم على إزالة الحماية البيئية أيضا فمن أول الإجراءات الرئيسة التي اتخذها إلغاء قاعدة تقيد شركات الفحم بضخ فضلات التعدين في المجاري المائية، وفي الوقت نفسه سيمضي ترامب قدما في تحقيق هدفه المتمثل في زيادة مصروفات الدفاع بدرجة كبيرة، وحتى لو عرضت سياساته بعض أفراد الأسر العسكرية الأميركية إلى خطر الترحيل.

إن بعض تلك التحركات سيئة للغاية، وينبغي على الشركات أن تقاوم الاستفادة منها، حتى لو بدت مفيدة للشركة على المدى القصير، وعلى أعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين أن يتذكروا أنهم كذلك آباء وأبناء وشركاء وأصدقاء، وعليهم أن يخشوا مستقبلاً يعمه التلوث ويعاني نقص التعليم وظروف العمل البائسة والكوارث الجوية الشديدة المتزايدة والصراعات الجيوسياسية، وتدمير البرامج والسياسات التي أنشئت لبناء مستقبل آمن وأكثر ضمانا ورخاء للجميع.

ترامب ليس قائدا، ولا يمكنه أن يبني، بل يستطيع فقط أن يشتت الانتباه وأن يدمر ويضع اسمه على الذي بناه الآخرون، وينطبق ذلك على الحائط الذي اقترحه على الحدود الأميركية مع المكسيك، والذي سيتفوق على جميع المباني في كل العالم من البرازيل إلى إندونيسيا التي سمح ترامب باستخدام اسمه عليها، وسيتفوق هذا الحائط في الحجم والنطاق والشهرة على سد هوفر وجبل راشمور، ولا يوجد أي طريق سريع أو مطار سمي باسم أي رئيس أميركي سيقترب من عظمته. (والشيء الوحيد الذي لا يرغب ترامب في وضع اسمه عليه هو مقترح الرعاية الصحية الجديد الذي قدمه الجمهوريون والذي تعرض لانتقادات واسعة حيث، يعتزمون أن يحل هذا القانون مكان قانون أوباما الشهير لتوفير الرعاية الصحية الميسورة التكلفة).

وما التالي؟ ربما سيتبع ترامب نموذج سابارمورات نيازوف، أول رئيس تركمانستاني مدى الحياة، ويبدأ بإعادة تسمية شهور السنة بداية من شهر "ترامبيواري".

وهذا السخف ليس من الضروري أن ينتهي هناك، وبما أنه قد بدأ بالفعل في تطبيق مبادئ المحسوبية ومحاباة الأقارب فلمَ لا يعين زوجته نائبة رئيس مثلما فعل رؤساء أذربيجان ونيكاراغوا، أو يبدأ بالتنقل بزي عسكري مزيف مصنوع على حسب مواصفاته الخاصة (تصنعه له إحدى مؤسسات ترامب وتصنع في الصين بالطبع) ولقد زار بالفعل ناقلة طائرات وهو يرتدي معطفا قصيرا عصريا وقبعة.

ولا حتى ترامب نفسه يصدق تصرفاته، ولا يمكن بالطبع أن يستمر في ذلك لمدة طويلة، وأسلوب حكمه الذي يعتمد على التضليل يعني أنه سيكشف دائماً عن ذاته الأصلية، سواء كان ذلك من خلال المزاعم الجنونية مثل مزاعم التنصت عليه، أو عندما يكشف عن نواياه الحقيقية، مثلما قال إن الحظر الأخير على السفر هو فقط نسخة مخففة من الحظر الأصلي. إذاً متى يصبح هذا الأمر برمته شديد السخف؟ ومتى يتوقف المعلقون عن الثرثرة حول أن ترامب أصبح يتصرف أخيرا كرئيس في كل مرة يلتزم فيها بالنص؟ ومتى سيتوقفون عن التعامل مع كل تغريدة جامحة على أنها جزء من خطة عقلانية؟

وزاد أتباع ترامب الطين بلة، فكثير منهم ليسوا معتادين على الحياة تحت الأضواء، فعلى سبيل المثال ذكر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أنه ليس "شخصا مناسبا للتعاطي مع الصحافة والإعلام"، ولذا يسافر حول العالم بدون أن يصحطب معه صحافيين، وهذا غير مستغرب على مدير تنفيذي سابق لشركة نفط متعددة الجنسيات، ولكنه غير عادي بالمرة لمن ارتقى قمة السلم الدبلوماسي الأميركي.

لقد قطع تيلرسون رحلته إلى كوريا الجنوبية في منتصف أزمة متصاعدة في شبه الجزيرة بسبب الإجهاد (وهذه عبرة لتتذكر أنه لا ينبغي أن ترسل رجلاً ليؤدي دور امرأة).

وأثناء انشغال ترامب بالتلاعب بالمظاهر وعروض الأداء، فإن بقية العالم يشعرون بالقلق إزاء برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، والأزمة في سورية، ومفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتغير المناخ والتهديد المتنامي للمجاعة في اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا، وفي ظل تلك الظروف فإن آخر شيء يحتاجه العالم أن يتبوأ رئاسة الولايات المتحدة رئيس متقلب ومخادع بلا خجل، ناهيك عن كونه رئيسا يحب اللعب بالنار.

* لوسي بي ماركوس

* الرئيسة التنفيذية لشركة ماركوس فينتشر للاستشارات.

«بروجيكت سينديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة«

لكي يشتت ترامب الانتباه بعيدا عن السياسات الاشتعالية المحتملة أطلق اتهامات لا أساس لها ضد أعدائه المفترضين

أول الإجراءات الرئيسة التي اتخذها ترامب إلغاء قاعدة تقيد شركات الفحم عن ضخ فضلات التعدين في المجاري المائية
back to top