مرافعة : رجال اشربت نفوسهم احترام القانون

نشر في 28-03-2017
آخر تحديث 28-03-2017 | 00:00
 حسين العبدالله قبل أن يأتي هذا المجلس، أو يأتي نوابه الحاليون، كانت هناك ثلاث قضايا تشغل الشارع السياسي والحقوقي بعد التسعينيات على الأقل، القضية الأولى حقوق المرأة السياسية، بينما القضية الثانية كانت أحقية المواطن في اللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية، أما القضية الثالثة فهي تعزيز رقابة القضاء على القرارات التي تصدرها الحكومة، وإلغاء نظرية أعمال السيادة لتعطيلها أحد الأحكام الواردة في الدستور (المادة 166 منه).

واليوم بعد أن نالت المرأة حقوقها السياسية عام 2005، بعد جهود قضائية وقانونية شهدتها المحكمتان الإدارية والدستورية جاء البرلمان في عام 2015 ليصدر قانوناً يسمح باللجوء المباشر إلى المحكمة الدستورية، للطعن على المراسيم والقوانين المخالفة للدستور، في ضمانة لتوسيع حق التقاضي، ولم يتبق من تلك المطالب، التي تكاد تكون إجماعاً للحقوقيين على الأقل، سوى قضية الطعن على القرارات التي تصدرها الحكومة في السحب والإسقاط للجنسية بتعديل قانون إنشاء الدائرة الإدارية دون سواه.

عندما مارس قضاء المحكمة الدستورية في يونيو 2012 رقابته على مراسيم الدعوة للانتخابات، ورفض الدفع المثار من الحكومة بعدم جواز نظر الطعن، لكونه متصلاً بقرارات تعد من قبيل أعمال السيادة، صفّق الجميع بلا استثناء لرقابة القضاء على تلك المراسيم التي تصدرها الحكومة، ولأن ما حدث يعد إضافة تؤكد قوة دولة المؤسسات، بل ان المحكمة الدستورية أكدت أنه لا يجوز أن تكون هناك مناطق في الدستور لا يمكنها أن تمد بصرها اليها، في إشارة واضحة إلى حقها في الرقابة على دستورية القوانين واللوائح.

وعندما جاء حكما «الدستورية» في يونيو 2013، وديسمبر 2015 بعدم دستورية مراسيم الضرورة بإنشاء هيئة الانتخابات، وهيئة مكافحة الفساد، لمخالفتهما أحكام المادة 71 من الدستور، ولافتقادهما حالة الضرورة الملجئة لإصدارهما، رغم أنها مراسيم صادرة من سمو الأمير، فإن «الدستورية» جاءت مؤكدة ضمان تطبيق أحكام الدستور، في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها في الخليج، ومن النادر وقوعها في المنطقة العربية.

وعندما أصدر قضاء محكمة التمييز الإدارية في مارس 2016 حكماً يقضي برقابة القضاء على القرارات التي تصدرها الحكومة بالسحب والإسقاط، أشاد الكثيرون بنهج قضاء «التمييز»، الذي أخرج مطالبات منح الجنسية عن رقابة القضاء، وهو حال القضاء المقارن الذي يحفظ للحكومات حقها في منح الجنسية من عدمها، لكون ذلك مرتبطاً بسلطة حكم، لكن نفس الحكم أعطى للقضاء ضمانة في الرقابة على مشروعية القرارات التي تصدرها الحكومة، لكونها قرارات تصدر من سلطة إدارة عمدت اتخاذها اثر مخالفة مستحقيها للأحكام الواردة في قانون الجنسية، وكضمانة للتأكد من سلامة القرارات يراقب القضاء إذا ما لجأ اليه من صدرت بحقهم القرارات بتأييدها أو الغائها.

عندما يعهد الأمر للقضاء في الرقابة على قرارات السحب والإسقاط، فإن ذلك يأتي تكريساً لدولة المؤسسات، كما يأتي تفعيلاً لحق التقاضي الذي عطل في هذا النوع من القضايا بدعوة أحكام المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء، والذي يرى الخبير الدستوري د. عثمان عبدالملك في بحثه حول السلطة اللائحية في الكويت المنشور في مجلة الحقوق عدم دستوريتها.

بل إن تقوية أي ديمقراطية ناشئة تكون بتقوية قضائها، كما يؤكد ذلك د. عبدالرزاق السنهوري في بحثه «مخالفة التشريع للدستور» أن كل ديمقراطية ناشئة لم تنضج فيها المبادئ الديمقراطية، ولم تستقر هذه المبادئ عندها في ضمير الأمة تكون السلطة التنفيذية فيها أقوى السلطات جميعها، وتتغول السلطة التشريعية وتسيطر عليها، وتتحيف السلطة القضائية وتنتقص من استقلالها، والدواء الناجع لهذه الحال هو العمل على تقوية السلطة القضائية، فهي أدنى السلطات الثلاث إلى الإصلاح، إذ القضاة نخبة من رجال الأمة اشربت نفوسهم احترام القانون، وانغرس في قلوبهم حب العدل، وهم بطبيعة وظيفتهم يؤمنون بمبدأ المشروعية، ولا يقدر لهذا المبدأ قيام واستقرار إذا لم يوجد إلى جانبه قضاء حر مستقل يحميه من الاعتداء ويدفع عنه الطغيان.

back to top