قبل الاندفاع في «تجنيد الفتيات»

نشر في 26-03-2017
آخر تحديث 26-03-2017 | 00:11
 ياسر عبد العزيز في 12 سبتمبر 2016، رصدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعليقاً من مجهول، على منصة إلكترونية تُدعى "آنون آي بي"، يقول ما يلي: "هل هناك أي صور لمجندات من قاعدة (رايت باترسون) الجوية، بأوهايو. سأبدأ أنا ببث بعض الصور، وأنتظر منكم المزيد".

وجدت "البنتاغون" لاحقاً أن هذا المعلق المجهول نشر بالفعل صوراً لفتيات، تم التحقق من أنهن مجندات بالجيش، قبل أن تأتيه صور أخرى من معلقين آخرين.

لكن ما بدا محدود الأثر وقليل الضجة آنذاك، سرعان ما خرج إلى العلن لاحقاً بصورة مزعجة؛ إذ نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريراً في 10 مارس 2017، يكشف عن أن "واقعة تبادل صور لمجندات عاريات في الجيش الأميركي على (الإنترنت) تطاول جميع أفرع الجيش".

وأعلن مسؤول في "البنتاغون" أن ما حدث "يتنافى تماماً مع قيم الجيش"، في حين أكد قائد سلاح "المارينز" (مشاة البحرية) الجنرال روبرت نيلر أن هذه الفضيحة تمثل "مصدر إحراج للجيش"، وأن هذا السلوك "لا يمكن أن يصدر عن محاربين حقيقيين".

يجب ألا تمثل تلك الفضيحة مفاجأة لمن يتابع مسلسل الفضائح الجنسية التي تضرب الجيش الأميركي، وبعض الجيوش الأخرى، خصوصاً أن فيلما وثائقياً مهماً بعنوان "الحرب المخفية"، أخرجه "ديربي ديك"، في عام 2012، كان قد كشف عن فظائع كبيرة في هذا الصدد.

يقول فيلم "الحرب المخفية"، معتمداً على وثائق وبيانات رسمية وتسجيلات حية مع أشخاص في الخدمة العسكرية وخارجها، إن 19 ألف رجل وامرأة تعرضوا للاعتداء الجنسي من رفاقهم أو قادتهم خلال خدمتهم، في عام 2010.

ويضيف أن 20% من الإناث اللاتي يخدمن في القوات المسلحة الأميركية العاملة داخل حدود البلاد (نحو نصف مليون فرد) يتعرضن لاعتداءات جنسية، وأن 8% فقط من تلك الحالات وصلت إلى المحاكم في عام 2009، و2% فقط منها صدرت بشأنها قرارات قضائية.

لا تقع هذه الفضائح والممارسات المنفلتة في الجيش الأميركي فقط، لكن جيوشاً أخرى تشهد ممارسات مشابهة، ولعل من أهمها الجيش الإسرائيلي.

ظلت إسرائيل على رأس الدول التي يشار إليها بالبنان كلما جاء الحديث عن خدمة النساء في الجيوش، لأنها كانت سباقة في هذا المجال بكل تأكيد؛ إذ انخرطت المرأة في الأنشطة العسكرية للدولة عشية إعلانها، عبر الاشتراك في العصابات المسلحة مثل "الهاغاناه"، و"الايتسيل"، و"الليحي".

ومنذ إعلان الدولة لم يتوقف الحديث عن الدور الذي تؤديه الفتيات في الخدمة الإلزامية بالجيش، خصوصاً أن نسبتهن سجلت 32% من إجمالي القوات العاملة، وبموازاة هذا الحديث جرى النقاش حول التداعيات الأخلاقية والقيميّة لتلك المشاركة، خصوصاً مع توالي ظهور الفضائح الجنسية والممارسات الحادة.

في يوليو من عام 2016، وجهت النيابة العسكرية الإسرائيلية اتهاماً للعميد "أوفك بوخاريس" باغتصاب وهتك عرض 16 مجندة وضابطة تحت إمرته، في فضيحة هزت أرجاء الجيش.

وقبل ذلك بعام تقريباً، وتحديداً في أبريل 2015، كانت هناك فضيحة أخرى تتعلق بأربعة جنود قاموا باغتصاب مجندة زميلة لهم، كما نشرت صحيفة "هآرتس".

تأتي هذه الفضائح التي شهدها الجيش الإسرائيلي في سياق معلومات متواترة عن جرائم اغتصاب وهتك عرض وتحرش جنسي متعددة تقع بحق مجندات، وقد نُشرت نتائج استطلاع رأي في مارس 2011، أفاد بأن 19% من المجندات تعرضن لاعتداءات جنسية أثناء الخدمة.

تتحدث المراجع التاريخية عن أدوار مثبتة للمرأة في العمل العسكري منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وتخدم المرأة راهناً في أكثر من 40% من جيوش العالم، وتؤدي أدواراً رئيسة في بعض الجيوش الكبرى؛ مثل الجيش الروسي الذي تخدم فيه نحو 90 ألف سيدة، والجيش الأميركي الذي تخدم فيه نحو 230 ألف امرأة، كما تسمح بعض الجيوش للمرأة بالمشاركة في الأعمال القتالية على خطوط الجبهة الأمامية؛ مثل كندا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وإسرائيل.

العالم العربي ليس بعيداً بدوره عن الجدل الدائر عالمياً بخصوص خدمة النساء العسكرية؛ إذ شهد الأردن أول تجنيد نسائي من نوعه في عام 1950، رغم أن خدمة النساء التي بدأت آنذاك كانت مقتصرة على العمل في وظائف التعليم والتمريض والإعلام.

وفي السنوات الأخيرة ثارت مطالبات في أكثر من بلد عربي بضرورة فتح الباب أمام تجنيد النساء وتوسيع أدوارهن في الجيوش؛ وقد جرى النقاش في البرلمان الكويتي في شهر مارس الجاري حول تجنيد الفتيات، كما طالبت حركات نسوية مصرية بانخراط الفتيات في حياة الجندية، وطرح وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني مسألة مشاركة النساء في الخدمة العسكرية في بلاده للنقاش في 2016.

ثمة الكثير من الأسباب التي تعزز خيار تجنيد النساء في أي مجتمع من المجتمعات؛ ومن تلك الأسباب تقوية اللحمة الوطنية، وبناء الالتزام والولاء، وتعزيز المشاركة المجتمعية في حماية الدولة، وتكريس المساواة، وسد العجز الذي قد يحدث نتيجة قلة الموارد البشرية الواجب توافرها لأغراض الدفاع.

وثمة الكثير من المحاذير التي يجب وضعها في الاعتبار أيضاً في هذا الصدد؛ مثل عدم الكفاية البدنية، وعدم الملاءمة النفسية، والأضرار التي يمكن أن تصيب الروح المعنوية بسبب بعض المشكلات التي قد تتعرض لها المجندات أثناء العمليات، والتي قد تؤثر في سمعة الجيوش.

إن التكاليف التي يدفعها الجيش الأميركي من سمعته من جراء كشف بعض الفضائح التي تتعلق بالخدمة النسائية في صفوفه كبيرة وتمثل "مصدر إحراج" له، وهي يمكن أن تؤثر سلباً في الروح المعنوية للقوات وفي صورة الجيش الذهنية.

وبشكل عام يبدو أن خيار فتح الباب لالتحاق الفتيات بالخدمة اختيارياً، وإلحاقهن بالعمل في قطاعات مكتبية وإدارية وطبية وتعليمية، بعيداً عن تشكيلات القتال والخطوط الأمامية، خيار جيد لدولنا العربية.

كما يجب مراعاة أن النسق القيمي الذي يحكم المجتمع بشكل عام يجب أن يؤطر العلاقات الاجتماعية التي تنشأ في مجتمعات الجنود، وهو أمر يجب أن تحرص عليه القيادة السياسية والبرلمان في آن.

* كاتب مصري

back to top