اعتداء ويستمنستر مأساة لكنه لا يشكّل تهديداً للديمقراطية

نشر في 25-03-2017
آخر تحديث 25-03-2017 | 00:05
 الغارديان بلغت الموجة الراهنة من الإرهاب العالمي قلب لندن مع اعتداء مميت خارج قصر ويستمنستر، ولا شك أن رمزية الاعتداء واضحة، حيث يولّد هذا الهجوم على موطن الديمقراطية سخطاً عارماً، ومن المؤكد أن تسبُّبه في وفاة عدد من الأشخاص، بمن فيهم شرطي، مأساة كبيرة.

ولكن من الضروري ألا نبالغ في رد فعلنا تجاه حوادث مماثلة، إذ يصبح الإرهاب عاجزاً من دون مساعدة وسائل الإعلام ومَن يغذونه بالكلمات والأفعال.

يشير الأكاديمي ريتشارد إنغليش في كتيبه العميق "الإرهاب... كيفية الرد" إلى أن ما يُدعى تهديد الديمقراطية، الذي يهوى السياسيون التحدث عنه في أوقات مماثلة، لا يكمن في إراقة الدماء والأضرار الناجمة، بل يشكّل خطراً حقيقياً يتمثل في "إثارة ردود فعل رسمية غير مدروسة، مبالغ فيها، وغير مثمرة".

يجب أن نتذكّر أن تيريزا ماي، عندما كانت وزيرة داخلية، استغلت اعتداءات باريس وبلجيكا لتروّج لـ"قانون التجسس"، الذي يُعتبر الانتهاك الأكبر للخصوصية في أي مكان في العالم الغربي، علماً أن بيل بيني، العضو السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، هو مَن قيّمه بهذه الطريقة، وفضلاً عن ذلك، أضافت ماي "التهديد الإرهابي" إلى الأسباب التي يجب أن تدفعنا إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي، وإلا فـ"سيتجولون بحرية"، وحذّرت من أن تحليل حمض الإرهابيين النووي يستغرق 143 يوماً خارج الاتحاد الأوروبي و15 دقيقة داخله، ولكن أما زالت متمسكةً بكلامها هذا؟ يجب أن نحترم مَن يدافعون عنا، إلا أن الإرهاب يولّد نوعاً غريباً من الجنون.

في صراعنا لوضع هذه الحوادث في إطارها الصحيح، يجب ألا ننسى أن مبالغ كبيرة من المال تُخصَّص راهناً لمحاربة الإرهاب، صحيح أن هذا الوقت لا يُعتبر ملائماً لنتحدث عن أن هذا المال مبالغ فيه، إلا أنه يبقى عرضة لتهمة أنه يخدم أهداف الإرهاب، وفي الواقع، فإن للجميع مصلحة في هذا، من الإرهابيين والسياسيين إلى الشرطة ومجموعات الضغط الأمنية، رغم ذلك، لا يمكننا تبرير كبح هذه الأخبار في مجتمع حر، حتى إننا مترددون في فرض نوع من الرقابة الذاتية، فعلى سبيل المثال، عندما قررت الصحيفة الفرنسية "لو موند" السنة الماضية الامتناع عن نشر أسماء المسؤولين عن عمليات القتل الإرهابية لأن ذلك يخدم بوضوح أهدافهم، انتُقدت لأنها لم تؤمن تغطية ملائمة.

لكن كل قرار بنشر خبر يشمل خياراً وحكماً، ولا تُعتبر هذه الخطوة "رقابة"، وبالنسبة إلى مَن يسعون لتسليط الأضواء على أعمالهم السيئة، ثمة اختلاف شاسع بين تصدر عناوين الأخبار وورود أخبارهم بشكل عابر، وإذا لم يكن الهدف قتل قلة من الناس بل ترهيب كثيرين، تصبح وسائل الإعلام شريكاً، فالعمل وحده لا يساهم في نشر الإرهاب، بل أيضاً التقارير، والبث الإخباري، والمقالات المحررة، وقرار تسليط الضوء عليه.

يشدد كل محللي الإرهاب على أنه ليس عقيدة، إذ لا تشكّل الأسلحة والقنابل خطراً "وجودياً" يهدد البلد أو المجتمع، إلا أن السياسيين الذين يستغلونه لنشر الخوف انتهازيون يسعون للترويج لمصالحهم، إذاً، يشكّل الإرهاب منهجية صراع، وما من دفاع حقيقي ضد الجنون القاتل، مع أنه من الضروري تأكيد أن شوارع لندن لم تكن على الأرجح أكثر أماناً.

يُعدّ استخدام السيارات كوسيلة قتل قديماً قدمَ السيارات ذاتها، أو يعود على الأقل إلى عام 1920 حين فجّر ماريو بودا سيارته المفخخة في "وول ستريت"، ولا شك أن التقدّم الأخير في عالم الإلكترونيات أخذ هذه الوسيلة إلى حدود أبعد، ومن هنا نشأ الخوف الجديد من الكمبيوترات المحمولة على متن الطائرات، رغم ذلك، تُعتبر الطائرات اليوم أكثر أماناً من أي وقت مضى.

نتيجة لذلك، بدا قرار الحكومات البريطانية تصنيف اعتداءات الجيش الجمهوري الأيرلندي في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته كجرائم عشوائية لا أعمال شبه سياسية حكيماً بالتأكيد، ولا شك أن إرهاب هذا الجيش كان أشد سوءاً بكثير من كل ما نختبره اليوم، وفي هذا الصدد تعرضت بعض الحريات للقمع، إلى جانب الاحتجاز من دون محاكمة وفرض رقابة على الناطقين باسم الجيش الجمهوري الأيرلندي، وحقق الإرهاب عدداً من الانتصارات الصغيرة، لكن حريات البريطانيين لم تُمس عموماً، حيث واصلنا حياتنا وعبَرَ هذا الخطر في النهاية، لنأمل أن يحدث الأمر عينه اليوم.

* سيمون جنكنز

back to top