الذكاء الاصطناعي... كيف نستفيد من العالم الجديد؟

نشر في 24-03-2017
آخر تحديث 24-03-2017 | 00:00
No Image Caption
نعيش اليوم في حقبة غير مسبوقة من التقدم التكنولوجي والعلمي المتسارع. يجب أن تكون هذه الثورة الهائلة جزءاً من أي حملة رئاسية.
عاد مفهوم الذكاء الاصطناعي إلى الواجهة اليوم نتيجة لسلسلة عوامل بارزة: القدرة على الوصول إلى قواعد بيانات عبر الإنترنت أو مصادر أخرى متّصلة بالشبكة، وتطوير أنظمة الحلول الحسابية بدرجة استثنائية وتوسيع هامش استقلاليتها.

يمكن اعتبار هذا الخليط من العوامل غير مسبوق في تاريخ البشرية. لا تكفّ القدرة الحسابية في حاسوب «واتسون» الذي أنتجته شركة IBM عن التنامي منذ فوزه في لعبة Jeopardy التي تتطلّب إيجاد جواب عن كل سؤال في عام 2011. نتيجةً لذلك، يستطيع كل من يملك هاتفاً ذكياً اليوم أن يحصل على معلومات تفوق ما كان يعرفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حين قرر غزو العراق!

في الوقت الراهن، أصبحت البرامج المحوسبة قادرة على التعلّم والتفكير بطريقة منطقية وإصدار الأحكام وإطلاق التوقعات واتخاذ الخطوات. لم يكن الذكاء الاصطناعي استراتيجياً لهذه الدرجة يوماً. في السنة الماضية، أشارت التقديرات إلى بلوغ قيمة سوق الذكاء الاصطناعي 643 مليون دولار لكن من المتوقع أن تتجاوز قيمتها 38.8 مليار دولار بحلول عام 2025.

بدأت المنافسة تحتدم من الجهات كافة: ابتكرت جامعة «إمبريال كوليدج» في لندن حاسوباً يراقب حركة القلب بتقنية ثلاثية الأبعاد ويستبق حصول نوبة قلبية. ومنذ أيام، أبرمت شركة «رينو» اتفاقاً مع شركة «كرونوكام» الفرنسية المبتدئة وجامعة بيار وماري كوري ومعهد متخصص بالنظر لابتكار جهاز استشعار عصبي، تتكل فيه الشبكية الاصطناعية على وحدات بيكسل مستقلة تتفاعل بالميلي ثانية. على صعيد آخر، تتعاون شركة «إيرباص» مع «غوغل» لأتمتة تحليل الصور. وفي زيوريخ السويسرية، يجري العمل على بث مستوى من التفكير المنطقي في الآلات.

سلاح نافذ

في عام 2016، وضعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذكاء الاصطناعي على لائحة أولوياتها وأعلنت واشنطن عن خطة استراتيجية للتعامل مع هذا القطاع. بعد أسابيع، أطلقت الأكاديمية الصينية للهندسة خطتها بشأن الذكاء الاصطناعي على أن يستفيد حشد من الجماعات الصناعية من وحدة صينية سرية تُعنى بالتكنولوجيا. وبين عامي 2010 و2015، صدرت 8410 شهادات في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين.

الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي أشبه بتطوير سلاح نافذ. تستطيع شركة «كامبريدج أناليتيكا» التي نشأت في بريطانيا مثلاً أن تحدد عرق المستخدمين وعمرهم ومهنتهم عبر مئات حركات النقر التي يقومون بها ثم ترسل إعلانات تستهدفهم شخصياً. وتجمع شركة «أي كربون إكس» الصينية البيانات البيولوجية والسلوكية والنفسية لدى الناس كي تستبق السلوكيات الخطيرة مستقبلاً. في بريطانيا تستفيد شركة «دارك تريس» من التقدم الحاصل في مجال الرياضيات لتحديد الموظفين الذين يحملون نوايا سيئة في شركات الطاقة. وفي الولايات المتحدة، تساعد شركة «فلوكاست» البنوك على اتخاذ قرارات بشأن الجهات التي تستحق القروض تزامناً مع تقييم احتمالات تأخّر التسديد.

في الحالات كافة، لا يمكن اعتبار الحاسوب معصوماً عن الأخطاء. خلال منافسة بين البشر والآلات في سيول، في يناير 2016، فاز اللاعب الكوري لي سيدول بالجولة الرابعة، فأثبت بذلك أن جهاز «ألفاغو» الذي كان ينافسه لا يملك الحلول كلها كما يفترض البعض.

تحذيرات مستجدّة

في مجال آخر، تواجه السيارات المستقلة عقبات كثيرة. حتى أن وجودها يطرح مشاكل على المستويين الأخلاقي والقضائي. في حال وقوع حادث (لا مفر منها!)، هل ستقرر السيارة إنقاذ حياة المشاة الذين يقطعون الطريق رغم إضاءة الإشارة الحمراء أم حياة السائق الذي يجازف بالارتطام بعمود لتجنب دهس المشاة؟ من سيكون المسؤول عن المشكلة؟ شركة تصنيع السيارة أم مصمم البرنامج العامل فيها أم صاحب السيارة؟ لا يستطيع المعنيون بالموضوع أن يجيبوا عن هذه الأسئلة كلها حتى الآن.

يدرس الاتحاد الأوروبي راهناً مشروع إعطاء صفة قانونية للروبوتات عبر منحها اسماً ورقم تسجيل، ما يسمح بالرجوع إليها عند وقوع الحوادث. بدأ موضوع الانتقال إلى استعمال آلات خارقة الذكاء يشغل أهم المراجع لكن من الأفضل أن يتوقع الجميع وقوع الأسوأ. لذا لا بد من ابتكار خطط للتحكم بالذكاء الاصطناعي. ظهرت تحذيرات من إقدام الحكام الدكتاتوريين مستقبلاً على استعمال أدوات تحديد مواصفات الناس، إذ يعمد بعض الشركات اليوم إلى تحليل شخصيات الناس استناداً إلى محيط الوجه.

تدعو جهات أخرى إلى ضرورة وضع قواعد لحماية البشر من الروبوتات. يجب أن تتعلّق الخطوة الأولى بمنعها من مهاجمتهم ويجب ألا يُعرّض البشر نفسهم للخطر عبر اتخاذ مواقف جامدة أو الامتناع عن التحرك عند الحاجة. لذا يجب أن نتابع الوثوق بالدماغ البشري لأن أكبر مصدر غنى لدى الإنسان يتعلق بقدرته العبقرية على الإبداع والابتكار.

يتعلق تهديد آخر بميل الإنسان إلى الاستسلام الكامل للآلات. يجب ألا تتفوق الأخيرة على البشر في مقابل تراجع مكانة الإنسان ورضوخه لابتكارات جامدة. خلال الحملة الانتخابية الأميركية الأخيرة، فكّر فريق من العلماء بإطلاق منصة لجعل البرامج المحوسبة جزءاً من الحملة. لكن دقّ رائد الأعمال الأميركي إيلون موسك ناقوس الخطر حديثاً، فأطلق مع ستيفن هوكينغ منصة مفتوحة يُفترض أن تتابع مسار تقدم الذكاء الاصطناعي وتُشرف على أحدث التطورات بدقة. يشهد المجتمع أيضاً تغيراً ملحوظاً، لذا برزت فكرة استباق مرحلة التكيّف التي ستمتد على 15 سنة على الأرجح، علماً بأن موجة الوظائف الجديدة لن تستطيع التعويض عن الوظائف المفقودة.

يفكر أشخاص من أمثال بيل غيتس وبونوا هامون بضرورة فرض ضرائب على الروبوتات. في هذا المجال، لا بد من وضع خطة ضخمة لتقديم تدريب مجاني والتكيّف مع العالم الجديد. يتوقع البعض عالماً تصبح فيه الآلات المزودة بخاصية الذكاء الاصطناعي جزءاً من مصير البشر. يشبه الجسم برنامجاً قابلاً لإعادة البرمجة وبالتالي يمكن تطويره عبر استنساخ أعضاء حية، ما يسمح بإطالة الحياة إلى ما لانهاية.

مزيد من الأجهزة

بانتظار تحقيق هذه الوعود بالخلود، سيضطر الإنسان الذي يريد إطالة حياته إلى الاتصال بعدد متزايد من الأجهزة. يُعتبر جهاز الرصد «سكانادو» الشبيه بالنموذج المستعمل في سلسلة Star Trek الأبرز في هذا المجال، علماً بأنه يسمح بالسيطرة على ضغط الدم في كل مرة نتحقق فيها من الرسائل الإلكترونية. يمكن تسهيل هذه الطموحات بإطالة الحياة بفضل الحوسبة الكمّية. حتى الآن، كانت الحوسبة تعمل استناداً إلى نمط ثنائي، لكن تفتح المقاربة العشوائية الجديدة المجال أمام احتمالات لا يمكن تصورها.

على المدى الطويل، ستقوم هذه الآلات خلال أجزاء من الثانية بالعمليات الحسابية التي يقوم بها الحاسوب «الكلاسيكي» اليوم خلال 10 آلاف سنة! في 1 فبراير الفائت، أطلقت جامعة «ساسكس» في بريطانيا آلة حاسبة كمّية تستطيع التحكم بمسار الطائرات المستقلة. تراهن شركة IBM من جهتها على إمكان اختراع أدوية جديدة بفضل هذه المقاربة الكمّية، وتعمل شركة «كيندريد» على فكرة زرع الذكاء الاصطناعي في هياكل خارجية شبيهة بالهياكل البشرية لدى القرود، ذلك بهدف السيطرة على جيش الروبوتات الذكية وتدريبها. في ظل هذه التطورات كلها، ألم يحن الوقت لتغيير طريقة التعامل مع ظاهرة الذكاء الاصطناعي؟

back to top