«أولو الألباب»

نشر في 14-03-2017
آخر تحديث 14-03-2017 | 00:08
أين أولو الألباب عما يحدث الآن في منطقتنا من قتل آلاف الضحايا وتشريد الملايين وتدمير المدن والأرياف وحرقها، والهدف الفوز بقصور في الجنة، وأنهار من خمر ولبن مصفى وحور عين مقصورات في الخيام، فهل يستقيم هذا مع دين الإسلام والسلام؟ أليس هناك وسائل أخرى لدخول الجنة بتعمير الأرض لا تدميرها وإحياء النفس لا تفجيرها؟
 يوسف عبدالله العنيزي يقول الحق سبحانه وتعالى بمحكم كتابه الكريم "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ"، إنها دعوة من الخالق جلت قدرته للتفكر والتدبر في كل أمور الحياة حتى الوصول إلى التفكر بخلق الأكوان ما علمنا منها وما لم نعلم بهذا النظام الرائع الذي يمتد منذ ملايين السنين بتناسق بديع "لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ".

فأين نحن الآن من هذه الدعوة الربانية، وقد أصبحت المجتمعات الإسلامية حبيسة بعض فتاوى هي أقرب للجهل منها للعلم؟ وأين نحن الآن وقد ساد الساحة بعض مشايخنا الكرام ممن يحاولون أن يحجروا على عقولنا ويسنون لنا القوانين، وتجاوز خلاف الأفكار إلى استخدام السلاح وبروز تنظيمات وجماعات وأحزاب امتهنت الإرهاب وسيلة في اعتقادهم لاختصار الطريق إلى الجنة؟

كم هو مؤلم ذلك المساء الحزين في مدينة عمان في يوم الأربعاء الموافق 9/ 11/ 2005 في الساعة التاسعة والنصف مساء، بدأت الأخبار تتواتر بحدوث تفجيرات إرهابية مأساوية بدأت في صالة فندق راديسون ساس، حيث يقام حفل زفاف، تلاه تفجير في صالة الاستقبال "اللوبي" في فندق "حياة عمان" ثم انفجار ثالث في فندق "ديز-إن"، بعد أسبوع تقريبا من هذه الأحداث المأساوية استقبلت في مكتبي بالسفارة الزوج الذي حدث التفجير في حفل زفافه، حيث فقد عدداً كبيراً من أفراد عائلته.

دخل المكتب حيث رمى نفسه على أحد الكراسي، وبعد أن كفكف بعض دمعه أخرج من جيبه تذكرة سفر باسم والده الذي عاش جل عمره في الكويت، ويرفض تماما فكرة الخروج منها، وقد تم إقناعه بحضور حفل الزفاف في الأردن والعودة مباشرة إلى الكويت، ولكن بعض "المجاهدين" كانوا له بالمرصاد، فقضى في ذلك التفجير، "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ"، ثم غاص محدثي في دموع لم يستطع أن يمنعها من التحدر، ثم استأذن وانصرف وهو يحمل جبالا من الأحزان ودعاء نابعا من أعماق الوجدان بأن يكون الباري عز وجل حسبه ونعم الوكيل.

ولن أنسى ما حييت ذلك اللقاء مع والد إحدى ضحايا تفجير حفل الزفاف، دخل إلى مكتبي يجر قدمين لا تكادان تحملانه، وبعد أن فاضت بعض مكنونات عينيه بدأ بسرد قصة ابنته ذات الأحد عشر ربيعا: بعد التفجير لم نستطع التعرف عليها وسط تلك الأشلاء من البشر التي تطايرت في كل الاتجاهات، فقد فصل التفجير الرأس الذي تهشم عن الجسد، وقد تمكنا من التعرف عليها من الفستان الذي كنا قد اشتريناه لها لحضور هذه المناسبة، وكأننا نزفها إلى جنان الرحمن "بين روح وريحان"، وكفكف محدثي بعض دمعه، ثم واصل الحديث: لم تنته مأساتنا في تلك الليلة بل بدأت، فغدونا نرى بين فترة وأخرى "ابنتي" وهي تطوف بالبيت "جسداً بلا رأس"، وهي ترتدي ذلك الفستان، فأصبحنا نتوسد الأحزان ونلتحف الألم، توقف محدثي فجأة ثم بدأ سيلا من التساؤل: هل يعقل أن يدخل الله من قام بفصل رأس ابنتي عن جسدها جنات النعيم، ويجزيه بحور العين العُرُب الأتراب المقصورات بالخيام؟ أي عقل أو منطق يقبل هذا؟ أين أولو الألباب للتفكر والتأمل؟

أين أولو الألباب عما يحدث الآن في منطقتنا من قتل لآلاف الضحايا وتشريد الملايين وتدمير المدن والأرياف وحرقها، والهدف الفوز بقصور في الجنة، وأنهار من خمر ولبن مصفى وحور عين مقصورات في الخيام، فهل يستقيم هذا مع دين الإسلام والسلام؟ أليس هناك وسائل أخرى لدخول الجنة بتعمير الأرض لا تدميرها وإحياء النفس لا تفجيرها؟

دعاء من القلب أن يحفظ الله أمتنا العربية والإسلامية، ودعاء أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top