الفنان التشكيلي ياسر منجي: الحركة التشكيلية الكويتية تنهل من سِمات المجتمع الكويتي

نشر في 13-03-2017
آخر تحديث 13-03-2017 | 00:04
شارك الناقد التشكيلي والفنان والأكاديمي المصري ياسر منجي أخيراً في «ملتقى الدكتورة سعاد الصباح للفنون» عضواً للجنة التحكيم، وفي فعاليات عدة شهدتها الكويت على مدار العام الماضي، من بينها «الملتقى العربي الثالث للفنون» في الكويت في إطار اختيار الأخيرة عاصمة للثقافة الإسلامية، وهو أكّد أهمية وقيمة هذه الفعاليات ودورها في إثراء الحركة التشكيلية الكويتية. يجمع د. منجي بين ممارسة العمل الأكاديمي والفني والنقدي وبين كتابة الرواية، إيماناً منه بأن المبدع ليس كائناً وحيد الخلية، ولان التنوع والتعدد إحدى ضرورات الإبداع.
شاركت أخيراً في «الملتقى العربي الثالث للفنون»، الذي ناقش مفهوم «الفن الإسلامي: إطلالة حديثة ومعاصرة». ماذا عن هذه المشاركة؟

تلقيت دعوة رسمية من اللجنة المُنَظِّمة للملتقى، برئاسة الفنان عبد الرسول سلمان، رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، ورئيس الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وهي الجهة الراعية للملتقى والمنظِّمة له. لمستُ مدى دقة التحضير والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في كواليس الإعداد للحدث، وهو ما ظهر من خلال اهتمام اللجنة المُنَظِّمة للملتقى بالتواصُل معي ومع بقية المَدعُوِّين للمشاركة في الحدث، على فترات منتظمة. تضَمَّن برنامج الملتقى معرضَين، افتُتِح أولهما في اليوم الأول للحدث، وتضَمَّن صوراً لنخبة من المخطوطات القرآنية النادرة، تمثل تطور فنون الخط الإسلامي من عصور مختلفة. أما المعرض الثاني فافتُتِح في ختام الملتقى، وتضَمَّن مجموعة أعمال فنية معاصرة لعددٍ من الفنانين العرب، مِمَّن تلامس تجاربهم الفنية جماليات الفنون الإسلامية، أو تستلهم بعض قِيَمِها البصرية أو مضامينها الرمزية. كذلك تَضَمَّن برنامج الملتقى جلستين حوارِيَّتَين، وطرح خلالهما المشاركون مضامين أوراقهم البحثية، وناقشوا أبرز التجَلّيات الحديثة والمعاصرة للفنون الإسلامية، فضلاً عن أنهم تطرقوا إلى بعض أهم الإشكاليات التي تكتنف هذا السياق راهناً، خصوصاً ما يتعلق ببعض المفاهيم الاصطلاحية وعوائق تعترض تجارب الفنانين والباحثين العرب في السياق ذاته. أدار الفعاليات ورأس جلسات الحوار الفنان عبد الرسول سلمان، بكفاءةٍ تنظيمية لافتة.

التشكيل الكويتي

كناقد تشكيلي كيف تنظر إلى الحركة التشكيلية في الكويت؟

أبرز ما يميّز الحركة الفنية الكويتية أنها استمدت طابعها العام من سِمات المجتمع الكويتي نفسِه، تحديداً ما يتعلق بكونِه مجتمعاً منفتحاً، وقابلاً للحوار مع مختلف الثقافات، سواء المحيطة به أو الوافدة عليه بحكم آليات المثاقفة والجدل التاريخي. يتضح ذلك بجلاء للمتأمل المتعمق في مُجريات الحركة الفنية الكويتية، إذ سرعان ما يلاحظ أن مختلف التوجُّهات والمذاهب الفنية والأسلوبية تتحاور وتتناغم في نسيج الحركة بالتوازي، من دون مزايدة على اتجاه بعينه، أو محاولة للتقليل من شأن توجهات لصالح أخرى، فما زلنا نرى تجارب تتكئ على التراث الكويتي، وتستلهم مفرداته المحلية في صياغات متعددة، كذلك ما زال بعض الرؤى ينطلق من مدارس ومقولات مؤسَّسة على النهج السريالي أو الانطباعي أو التجريدي. كذلك تتعايش كثرة من التجارب المكرسة لاستكشاف الجماليات البصرية للحرف العربي، سواء في سياق النهج الحروفي، أو التزاماً بقواعد الخط العربي وأصوله. وفي خضم ذلك الزخم، نرى تجارب شابة كثيرة تغامر خارج السياقات السابقة على نحو يستوجب الإشادة، محاولة الاستفادة مع الوسائط والمجالات المعاصرة، مدعمةً بسعة الاطلاع وخبرات السفر والتواصُل مع المحافل الدولية. ولا ينبغي إغفال ما يبذله كل من «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية»، في سياق دعم الحركة التشكيلية الكويتية، بالتعاون مع مؤسسات الدولة، كذلك مع عدد كبير من المؤسسات الفنية العربية، إضافة إلى طيف واسع من الفنانين والنقاد والباحثين العرب، سعياً إلى دعم حوار عصري خلاق بين المبدعين العرب.

الغرافيك اليدوي

ضمّ معرضك الأخير مجموعة من الأعمال الفنية المنفذة بوسائط غرافيكية يدوية، اعتمدت بشكل أساسي على طريقة الطباعة الفنية بالقوالب الخشبية الملونة. لماذا لجأت إلى استخدام هذه الآلية؟

أستخدم هذه الطريقة لأنها إحدى أعرق طرائق فنون الغرافيك اليدوية، إن لم تكن أعرقها على الإطلاق، إذ تضرب بجذورها في تقاليد فنون الشرق الأقصى، مروراً بأوروبا خلال العصور الوسطى، آخذة في التطور عبر المدارس الفنية المختلفة، وصولاً إلى الأشكال المعاصرة في التناول التقني والفكري. من هنا، فإن اختيار هذا الوسيط الطباعي يعد محاولة لإحداث نوع من التوازي بين المحتوى التراثي العريق، الذي يمثّله تراث «ابن عربي»، والذي تمتزج فيه أفكار تعود بدورها إلى حضارات قديمة وثقافات مختلفة، وبين الوسيلة الأدائية التي نُفِّذ بها الجانب البصري لتجربة المعرض. يعني ذلك باختصار: محاولة التوفيق بين الجانبين الفكري والتقني في التجربة، عن طريق اختيار الوسيط الملائم لطبيعة المحتوى.

ندرة الإصدارات

تعاني الحركة التشكيلية عموماً ندرة الكتابات والإصدارات التشكيلية، ما رأيك؟

تسببت أمور عدة في هذه الظاهرة، في مقدمها ضعف المخصصات الموجهة لطباعة هذه الدراسات والكتب ونشرها، فالكتاب الفني عموماً أحد أكثر الكتب تكلفة في الإخراج والطباعة، نظراً إلى ما يتطلبه من شروط تتعلّق بجودة الصورة وحرفية التصميم الفني. إضافةً إلى ذلك، تتطلّب الكتب التي تتناول سير الفنانين بصورة استقصائية شاملة نوعاً شديد الخصوصية من الكتابات يتجاوز الرصد السطحي أو التأريخ الزمني لحياة الفنان ومسيرته، إلى مزيج دقيق ومحسوب من التوثيق العلمي، المدعم بالمصادر الأصلية، والتحليل القائم على فهم عميق لتجربة الفنان، وارتباطها بسياقات عصره، ومرجعياته الفنية ومفردات عالمه الفني، فضلاً عن وجوب اشتمالها على رؤية نقدية عامة لمجمل مسيرة الفنان وأهم محطاته المرحلية وتحولاته. ولا شك في أن هذا النوع من الكتابة شاق جداً، ويتطلب خبرة وتمرساً من الكاتب، ووقتاً طويلاً لإنجاز النص على هذا المستوى من الشمولية والدقة والعمق، خصوصاً في حالة تناول سير كثير من فنانينا الراحلين، ممن تشتتت وثائقهم وأعمالهم في أماكن مختلفة، ومعظمها مجهول. ويضاف إلى الأسباب السابقة عامل مهم يتمثّل في عدم انتظام مؤسساتنا العربية المسؤولة عن إدارة الشأن الفني ورعايته ودعم مثل هذا النوع من الكتب، فقد يحدث أن يتحمّس متحف من المتاحف، أو إحدى المؤسسات الفنية لإصدار كتاب عن فنان بعينه، في سياق مناسبة عابرة ترتبط بالفنان أو بأعماله المقتناة لدى المؤسسة أو المتحف، غير أن الحماسة لا تتحوّل إلى مشروع مستدام وشامل. كذلك ثمة مؤسسات يعترض مساعيها ضعف الميزانيات لديها أو عراقيل إدارية، ما يؤدي إلى خروج مطبوعات لفنانين وقد غلب عليها الاختصار أو ضعف الإخراج الفني.

ما الجديد لديك؟

أعكف على الإعداد لمعرض جديد افتتحه قريباً، أستلهم من خلاله إحدى مراجع تراثنا الفلسفي الشرقي، وهو كان تأجّل مرات عدة نظراً إلى انشغالي المستمر. أما عن الكتابات، فأوشكتُ على الانتهاء من كتاب يناقش عدداً من المعلومات والمفاهيم الشائعة في سياق فننا الحديث، وهي كانت أرسلت من دون سند وكتب لها الذيوع والانتشار عن طريق الاستسهال والنقل المتواتر من دون استقصاء أو مراجعة أو بحث. مادة الكتاب مدعمة بمصادر أصلية ووثائق وصور، وأتوقع أن تكون بمنزلة طرح مغاير لكثير مما استقرت عليه كتابات نقاد وباحثين كثيرين. كذلك أصدر قريباً مجموعتي القصصية الأولى التي استغرقت كتابتها سنوات، وتعدّ أول طرح لي في مجال القصة القصيرة، رغم أن كتابتها تسبق زمنياً إصدار التجربتين الروائيتين اللتين نشرتهما عامي 2007 و2008.

مسيرة فتح الله

صدر للفنان ياسر منجي أخيراً كتاب يتناول مسيرة الفنان المصري د. حازم فتح الله، عبارة عن دراسة تأريخية نقدية، توثّق وتلخّص رحلة عطاء الأخير في فنون الغرافيك، باعتباره أحد أبرز أساتذة الغرافيك في مصر والعالم العربي. كذلك تتناول بالتحليل والاستقصاء ملامح أهم مراحله الفنية، وخصائص أعماله التي أنتجها في مختلف مجالات الفن، سواء في الطباعة الفنية، أو فنون الكتاب، أو من خلال وسائط التصوير والرسم. وصدر الكتاب في إطار تكريمه باعتباره ضيف شرف «المؤتمر الدولي الأول لفنون الغرافيك» في الأقصر. التصميم الغرافيكي للكتاب من إعداد الدكتور أحمد جمال عيد، و«الثيمة» الأساسية للدراسة تنطلق من مفهوم «الأستاذية» كقيمة بيداغوجية في المقام الأول، وباعتبارها إحدى أهم القيم الاعتبارية، التي تضرب بجذورها في السياق الأكاديمي، على المستويين الأخلاقي والعلمي، ويؤسس عليها كيان الأستاذ، كقيمة مرجعية بالمفهومين الإنساني والعلمي. ورصد الكتاب أهم الروافد الاجتماعية والثقافية التي أسهمت في تكوين شخصية

د. حازم فتح الله، إنسانياً وفنياً، مستعرضة أثر أهم أساتذته في هذا السياق، ومتناولة أبرز التحولات التي مرّ بها خلال مشواره الفني والأكاديمي، لذا كان العنوان «حازم فتح الله: تعدُّد الروافد وتفرد التركيبة»، تلخيصاً لهذا السياق الشامل الذي يستقصيه الكتاب.

الغرافيك اليدوي يعكس تراث «ابن عربي» الذي تمتزج به أفكار الحضارات القديمة

الكتاب الفني هو الأكثر تكلفة بين الإصدارات
back to top