«العُمدة»!

نشر في 27-02-2017
آخر تحديث 27-02-2017 | 00:00
 مجدي الطيب من بين الرتب العسكرية الكثيرة المعروفة تحتلّ رتبة «العميد» مكانة خاصة لدى الرياضيين، خصوصاً العاملين في مجال لُعبة كرة القدم، إذ إن «عميد لاعبي العالم» هو اللقب الذي يمنحه الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» للاعب الأكثر مشاركة، من حيث عدد المباريات الدولية، مع منتخب بلاده. من ثم صار «العميد» هو اللقب الذي يسعى إليه نجوم كرة القدم في العالم، أملاً في دخول التاريخ من أوسع أبوابه!

على الجانب الآخر يمكن القول، من دون مبالغة، إن لقب «عميد النقاد السينمائيين العرب» اختار طواعية الذهاب إلى الكاتب الصحافي والناقد والباحث السينمائي سمير فريد، الذي كرّمه مهرجان «برلين السينمائي الدولي» في دورته الـ67، التي أقيمت في الفترة من 9 إلى 19 فبراير، بأن منحه «كاميرا البرلينالي» التقديرية، ليكون أول ناقد عربي، وأول شخصية مصرية، وعربية، وإفريقية، تفوز بالجائزة، منذ أن بدأت في عام 1986، وتذهب إلى «شخصيات ومؤسسات ساهمت على نحو متفرد في فن الفيلم، وكانت قريبة من المهرجان، وبها يعبر المهرجان عن امتنانه لمن أصبحوا من أصدقائه وداعميه».

الناقد المرموق الذي ولد في القاهرة 1943، وتخرج في قسم النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1965، وعمل في جريدة «الجمهورية» منذ 1964 حتى 2003، لم يكتسب مكانته الرفيعة، وشهرته العريضة، من ميدالية «كان» الذهبية التي منحها له المهرجان ذائع الصيت في آخر دورات القرن العشرين (2000)، أو جائزة الدولة للتفوق في الفنون التي استحقها في عام 2002، أو الجائزة التقديرية في مهرجان أوسيان بالهند (2012) أو «جائزة تكريم إنجازات الفنانين» في مهرجان دبي السينمائي (2012)، أو إصداراته المهمة التي أثرت المكتبة الثقافية العربية، وتجاوزت الخمسين كتاباً مؤلفاً ومترجماً بالعربية ولغات أخرى، أو دوره في تأسيس كثير من المهرجانات المصرية والعربية عموماً، والجمعيات السينمائية، فضلاً عن مشاركاته الفاعلة في لجان السينما، وعلى رأسها عضويته في اللجنة الدولية لكتابة التاريخ العام للسينما في الأمم المتحدة (1980)، بل اكتسبها، في رأينا، من عوامل واعتبارات عدة، على رأسها:

أولاً: وعيه الملحوظ بدور النقد، ورسالة الناقد. إضافة إلى تفرغه الكامل للنقد، ورفضه التحوّل إلى كاتب سيناريو كغيره من النقاد، ظلّ يؤمن أن الناقد ينبغي عليه أن «يكون ملماً بفنون عدة، كالموسيقى والتصوير والفلسفة والتاريخ والفن التشكيلي»، وأن «يكون صاحب منهج محدد يحكم عمله»، ونجح في أن يضرب لنا المثال بنفسه كناقد أنموذج قادر على المزج بين السينما والسياسة، وبفضله صار للناقد سمعته ومكانته، وللنقد السينمائي قيمته واحترامه، بعدما كان النقد أقرب إلى «النميمة» و{حديث المصاطب» والناقد مجرد «آكل على كل الموائد»!

ثانياً: تشبثه بمبادئه، وثباته على مواقفه، وشجاعته في إبداء رأيه. على عكس النقاد الذين يتذرعون بالموضوعية، والحيادية، كسبيل للهروب من إعلان مواقفهم، والتعتيم على جهلهم، وانتهازيتهم، ومحدودية اشتباكهم مع الشأن العام، لم يكف فريد عن تسجيل انحيازه الدائم إلى قضايا الواقع، وهموم المواطن، ولم تتوقف اهتماماته عند حدود الشأن المصري، والعربي، وإنما تجاوزته إلى القضايا العالمية التي ظلت، في نظره، وثيقة الصلة بصناعة السينما العربية، وقضايا الأمة العربية. من ثم لم يكن غريباً عليه أن يؤكد، في أول حوار يُدلي به عقب فوزه بجائزة «كاميرا البرلينالي»، أن «الأنظمة العربية تخشى السينما لأنها الأكثر تأثيراً في الجمهور»، وينوه إلى أن «الرقابة تمثّل مشكلة للإبداع ما يدعو الفنان إلى التحايل عليها لإظهار موهبته»، ويضيف قائلاً: «المشكلة لا تكمن في وجود المبدعين أو الإبداع بل تتمثّل في علاقة الحكومات العربية بالسينما».

ثالثاً: قدرته المستمرة، على تطوير نفسه، وأدواته، وحرصه الواضح، من دون تكالب، على المشاركة في العمل العام، وأن يكون عنصراً فاعلاً في دائرة التأثير الثقافي، بفعل ثقافته الموسوعية، وموضوعيته، ورصانته، وحنكته، وخبراته، ورجاحة تفكيره، وواقعيته المدعومة بخلفية ثقافية كبيرة، وتواضع لم يفارقه طوال عمره.

رابعاً: روحه الشابة المتجددة، وانحيازه الدائم إلى جيل الشباب، وهو ما حدث معي شخصياً في صيف 1986، عندما التقيت الناقد الكبير سمير فريد في سينما «كريم 2»، التي تحولت على يديه إلى بؤرة إشعاع سينمائي، ومنارة ثقافية رائعة، ومن دون سابق معرفة قدمت له تجربتي المتواضعة في نقد فيلم «الطوق والإسورة» المأخوذ عن مجموعة قصصية للكاتب يحيى الطاهر عبد الله كتب لها السيناريو يحيى عزمي والحوار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وأخرجها للشاشة خيري بشارة، وفوجئت بعدها بأيام بأن المقال، الذي اخترت له عنوان «عودة الروح للسينما المصرية»، تصدّر غلاف مجلة «القاهرة» الشهرية الصادرة عن وزارة الثقافة، بعدما قام «الفريد» بتزكيتي لدى رئيس تحرير المجلة، ذلك قبل 30 عاماً من بيان مهرجان برلين السينمائي، الذي جاء فيه: «آراؤه يؤخذ بها في جميع أنحاء العالم».

back to top