السرطان... علاجات مستهدفة ومناعيّة

نشر في 22-02-2017
آخر تحديث 22-02-2017 | 00:00
كريستوف لوتورنو
كريستوف لوتورنو
في معهد «كوري» في باريس، يختبر كريستوف لوتورنو علاجات مستهدفة ومناعية ضدّ السرطان. يحلم هذا الباحث اللامع والمتخصص في علم الأورام بأن يصبح بائع أزهار كي يكتفي برؤية أشخاصٍ سعداء وهم يشترون الأزهار! لكنه يتّجه في كل صباح إلى المعهد حيث يحارب أورام الرأس والعنق ويكافح مختلف أشكال السرطان والأورام الخبيثة، فيصف الأدوية المعروفة راهناً ويختبر أدوية المستقبل.
يبلغ الباحث كريستوف لوتورنو 42 عاماً، ولديه خمسة أولاد توفيت والدتهم بسبب سرطان الثدي منذ 11 عاماً. درس الرياضيات بدايةً قبل أن ينتقل إلى مجال الطب، ويتخصّص في علم الأورام وعلاجات السرطان.

يتولى في معهد «كوري» إجراء تجارب عيادية أولية تقضي للمرة الأولى بدسّ جزيئات جديدة في جسم الإنسان، كذلك يعمل على ابتكار طرائق إحصائية لتطوير الأدوية.

يشعر لوتورنو بحماسة إزاء التقدم الحاصل في العلاجات، لكنه يضيف: «بعد تشخيص السرطان يقضي أفضل حل بأخذ موعد من جراح أو طبيب أشعة، ما يعني أن الورم سبق وترسّخ وأنّ فرصة الشفاء تبلغ %50».

يتحرك اختصاصيو الأورام بعد انتشار السرطان غالباً. وإذا كان المرضى يأملون بأن تحلّ الأدوية يوماً ما مكان الجراحة، فإن ذلك اليوم لم يأتِ بعد.

تغيّرات كبرى

مع ذلك شهدت علاجات السرطان تغيرات كبرى منذ بضعة عقود. برز معيار جديد بفضل «العلاجات المستهدفة». على عكس العلاجات الكيماوية «العامة» والتقليدية التي يمكن اختيارها بحسب العضو المصاب، تستهدف العلاجات المستحدثة نقطة محددة في خلايا الورم وتتوقف على المواصفات البيولوجية لكل سرطان. يوضح الباحث: «اليوم يمكن البحث عن تلك الشوائب لتوجيه المرضى نحو تجارب عيادية للعلاجات المستهدفة».

تتطلب هذه المقاربة فِرَقاً طبية متعددة الاختصاصات: يأخذ كل من الجراح وطبيب الأشعة العينات، ويتولى الاختصاصي في علم الأمراض فحصها تحت المجهر لتأكيد التشخيص، ثم يستخرج مركز الموارد البيولوجية الحمض النووي من خلايا الأورام، وتحللها منصات التجزئة، ويحدّد خبراء المعلوماتية الحيوية المعلومات المهمة من بين آلاف المعطيات. أخيراً، يحلّل علماء الأحياء النتائج لتقييم احتمال استهداف نقاط محددة كي يحسّن علماء الأورام علاجهم.

رُصدت مئات العيوب حتى الآن بفضل برامج أميركية وأوروبية ترتكز على تجزئة الأورام على نطاق واسع. وبفضل هذه الثورة التكنولوجية، يتابع الباحثون اكتشاف الأهداف المحتملة.

في محاولةٍ لتحديد الأفراد الأكثر ميلاً إلى التجاوب مع العلاج المستهدف، أطلق كريستوف لوتورنو التجربة العيادية «شيفا». بين عامَي 2012 و2014، أُخِذت عينات من الأورام لدى أكثر من 700 مريض تجدّدت لديهم أشكال السرطان كافة. استفاد بعض المرضى من العلاج المستهدف على عكس غيرهم. سمحت هذه الطريقة العلاجية الجديدة بالسيطرة على المرض لفترة أطول من العلاج الكيماوي النموذجي لدى أكثر من %40 من المرضى الذين استفادوا من العلاجَين.

تقدّم إضافي

يطمح الباحث إلى إحراز تقدّم إضافي: «تشير هذه النتائج إلى أن مقارنة مجموعتين مختلفتين قد لا تكون أفضل طريقة لتقييم آثار استراتيجية مماثلة حيث يتعالج المرضى بغض النظر عن نوع السرطان».

ويتابع الشرح: «من الأفضل أن نتعامل مع كل حالة فردية بمعزل عن الحالات الأخرى، ونعطي المرضى بشكل متلاحق العلاج التقليدي والعلاج المستهدف لإثبات فاعلية الطب الدقيق». إنه هدف التجربة «شيفا 2» التي بدأت حديثاً.

في الوقت نفسه، يهتم عالِم الأورام بإيجاد مقاربات بحثية أخرى مثل العلاج المناعي. لا داعي في هذه الحالة لتحسين الأدوات الرامية إلى القضاء على خلايا الأورام الدقيقة من الخارج، بل تهدف هذه الطريقة إلى تحفيز الدفاعات المناعية كي تهاجم العنصر الدخيل الذي تطوّر بمعزل عنها.

يبقى أن يحدد العلماء المرشّحين المناسبين للعلاج. لكن يعترف لوتورنو: «هذه التقنية فاعلة مع %20 من المرضى. ترتفع النسبة إلى %40 مع سرطان الخلايا الصبغية، وحين تكون النتيجة إيجابية تستمر على المدى الطويل غالباً. لكن لا نعرف بعد سبب فاعلية التقنية أو عوامل فشلها في %80 من الحالات. أريد حلّ هذا اللغز».

بانتظار أن تتّضح الصورة، يفكر لوتورنو بجمع أنواع مختلفة من العلاجات الطبية، يقول: «لن تكون أي استراتيجية علاجية بديلة عن المقاربات الأخرى على الأرجح. بل يمكن أن يسمح الجمع بين تلك الخيارات المختلفة بإحراز تقدّم إضافي».

يدرك الباحث ارتفاع كلفة الأدوية الجديدة ويعترف بأنه لا يفكر بوصفها لأحد راهناً. يحلم كريستوف لوتورنو بأن يصبح عمله كعالِم أورام غير نافع في أحد الأيام كي يتمكّن حينها من الذهاب لبيع الأزهار أخيراً!

العلاجات المستحدثة تستهدف نقطة محددة في خلايا الورم السرطاني
back to top