دمار كارثي ربما تشهده الأرض... سببه نجوم مميتة!

نشر في 22-02-2017
آخر تحديث 22-02-2017 | 00:04
No Image Caption
تضرب عواصف شمسية كبيرة الأرض أحياناً، فتسبب الشفق القطبي وانقطاع الكهرباء في حالات نادرة. لكن هذه الحوادث تُعتبر بسيطة مقارنة بالدمار الكارثي الذي قد نشهده إذا واجهت الأرض توهجاً عظيماً. برهن فريق بحث دولي بقيادة كريستوفر كاروف من جامعة أرهوس بالدنمارك أخيراً أن من الضروري اعتبار هذا السيناريو احتمالاً حقيقياً.
تواجه الأرض غالباً انفجارات شمسية، تتألف من جسيمات طاقة تندفع بعيداً عن الشمس في الفضاء، حيث تصطدم تلك المتوجهة نحو الأرض بالحقل المغناطيسي المحيط بكوكبنا. عندما تتفاعل الانفجارات مع حقل الأرض المغناطيسي تسبب شفقاً قطبياً جميلاً. ولا شك في أن هذه الظاهرة الشاعرية تذكرنا بأننا النجم الأقرب لجار لا يمكن التوقع بتقلباته.

عندما تطلق الشمس مقداراً مهولاً من البلازما الساخنة خلال انفجارات شمسية كبيرة، تترتب على ذلك عواقب وخيمة بالنسبة إلى الأرض. لكن انفجارات الشمس تُعتبر بسيطة مقارنة بما نراه مع نجوم أخرى، أو ما يُدعى «توهجاً فائقاً». شكّلت التوهجات الفائقة لغزاً منذ أن اكتشفتها بعثة «كيبلر» بأعداد كبيرة قبل أربع سنوات.

ينشأ هنا السؤالان: هل يتشكّل التوهج الفائق بفعل الآلية ذاتها كما الانفجارات الشمسية؟ وإذا كان الوضع كذلك، هل يعني ذلك أن الشمس تستطيع أيضاً التسبب بتوهج فائق؟ يقدّم فريق البحث الدولي بقيادة كريستوفر كاروف من جامعة أرهوس بالدنمارك الأجوبة عن عدد من الأسئلة الناشئة، ونُشرت هذه الأجوبة المخيفة في مجلة Nature Communications.

جار خطير

تستطيع الشمس التسبب بانفجارات مخيفة تقطع الاتصالات اللاسلكية وإمدادات الطاقة هنا على الأرض. وقع أكبر انفجار التقطته المراصد في شهر سبتمبر عام 1859 حين ضربت موجات عملاقة من البلازما الساخنة المنبعثة من الشمس المجاورة كوكب الأرض.

في الأول من سبتمبر عام 1859، لاحظ علماء الفلك اشتعال إحدى البقع الداكنة على سطح الشمس فجأة ولمعانها بقوة على سطح الشمس. ما كانت هذه الظاهرة رُصدت سابقاً، لذلك لم يتوقع أحد ما سيأتي لاحقاً. صباح الثاني من سبتمبر، بلغت الأرضَ الجسيماتُ الأولى مما نعرف اليوم أنه انفجار مهول على سطح الشمس.

تُعرف عاصفة 1859 الشمسية بـ«ظاهرة كارينغتون». شوهد الشفق الذي رافق هذا الحدث في مناطق بعيدة جنوباً مثل كوبا وهاواي. كذلك تعطّل نظام التليغراف حول العالم. وتشير سجلات العينات اللبية الثلجية من غرينلندا أن طبقة الأرض الحامية تضررت بفعل جسيمات الطاقة المنبعثة من العاصفة الشمسية.

تقع الانفجارات الشمسية عندما تنهار الحقول المغناطيسية الكبيرة على سطح الشمس. وعندما يحدث ذلك، تُطلَق كميات كبيرة من الطاقة المغناطيسية. استخدم كريستوفر كاروف وفريقه عمليات مراقبة الحقول المغناطيسية على سطح نحو 100 ألف نجم ضمن مجال مراقبة مقراب كيبلر، بالتعاون مع مقراب غيو شو جينغ الجديد في الصين، كي يُظهروا أن التوهج العظيم هذا يتشكّل على الأرجح من خلال الآلية ذاتها كما الانفجارات الشمسية.

يوضح كريستوفر كاروف: «تُعتبر الحقول المغناطيسية على سطوح النجوم، التي تشهد انفجارات، أقوى عموماً من الحقول المغناطيسية على سطح الشمس. وهذا ما نتوقعه بالتحديد، إن كان التوهج العظيم يتشكّل بالطريقة ذاتها كما الانفجارات الشمسية».

هل تستطيع الشمس التسبب بوهج عظيم؟

لذلك من المستبعد أن تؤدي الشمس إلى توهج عظيم، لما كان حقلها الغناطيسي يُعتبر ضعيفاً. ولكن من بين كل النجوم التي تشهد توهجاً عظيماً والتي حللها كريستوفر كاروف وفريقه، حظي نحو 10% منها بحقل مغناطيسي يماثل بقوته حقل شمسنا المغناطيسي أو يُعتبر أضعف منه. إذاً، صحيح أن تسبب شمسنا بتوهج عظيم أمر مستبعد جداً، إلا أنه ليس مستحيلاً.

يضيف كريستوفر كاروف موضحاً: «لم نتوقع أن نعثر على نجوم تشهد توهجاً كبيراً وتحظى بحقل مغناطيسي ضعيف بقدر حقول شمسنا المغناطيسية. يعزز هذا الاكتشاف بالتأكيد احتمال أن تولّد شمسنا توهجاً عظيماً. ولا شك في أن هذه الفكرة مخيفة».

إذا استهدف انفجار بهذا الحجم الأرض اليوم، تكون عواقبه مدمرة. ولا تقتصر هذه العواقب على الأجهزة الإلكترونية على الأرض، بل تشمل أيضاً الجو وبالتالي قدرة كوكبنا على دعم الحياة.

الأشجار تخفي سراً

تُظهر الأدلة من الأرشيف الجيولوجي أن الشمس ولّدت توهجاً عظيماً محدوداً عام 775 بعد الميلاد. تكشف حلقات الأشجار على نحو غريب أن كميات كبيرة من النظير المشع 14C تكوّنت في جو الأرض. وتشكّل 14C عندما تكوّنت جسيمات أشعة كونية من مجرتنا درب التبانة أو بروتونات تحمل كميات كبيرة من الطاقة من الشمس جراء انفجارات شمسية كبيرة ودخلت جو الأرض.

تدعم دراسات مقراب غو شو جينغ مفهوم أن ظاهرة عام 775 بعد الميلاد كانت بالفعل توهجاً عظيماً صغيراً، أي انفجاراً شمسياً أكبر بنحو 10 إلى 100 مرة من أكبر انفجار شمسي لوحظ خلال عصر الفضاء.

«من نقاط القوة في دراستنا أننا نستطيع أن نُظهر الانسجام بين عمليات المراقبة الفلكية التي تتبعت التوهجات العظيمة والدراسات على الأرض التي تناولت النظائر المشعة في حلقات الأشجار»، وفق كريستوفر كاروف.

بهذه الطريقة، من الممكن استعمال مراقبات مقراب غو تشو جينغ بهدف تقييم الوتيرة التي يشهد بها نجم يتمتع بحقل مغناطيسي شبيه بالشمس توهجاً عظيماً. تكشف الدراسة الجديدة أن الشمس يجب أن تشهد من الناحية النظرية توهجاً عظيماً محدوداً كل ألفية. ويتوافق ذلك مع فكرة أن ظاهرة 775 بعد الميلاد وحدثاً مماثلاً عام 993 بعد الميلاد يعودان فعلاً إلى توهج عظيم محدود على سطح الشمس.

لم يُستخدم مقراب غو تشو جينغ الجديد في الصين في هذه الدراسة مصادفةً. بغية قياس الحقول المغناطيسية، استخدم كريستوفر كاروف وفريقه طيفاً لكل نجم من النجوم المئة ألف التي شملها التحليل. يُظهر هذا الطيف ألوان (أو طول موجات) الضوء المنبعث من النجوم. ومن الممكن هنا استخدام طول موجات محددة ما فوق البنفسجية قصيرة بغية قياس الحقول المغناطيسية حول النجوم.

لكن المشكلة تكمن في أن المقارب التقليدية لا تستطيع الحصول إلا على طيف واحد لكل نجم بمفرده. لذلك، لو أُنجزت هذه المراقبات بواسطة مقراب آخر، مثل المقراب البصري الشمالي في لا بالما (المقراب الذي استخدمه فريق البحث سابقاً)، لاحتاج الباحثون إلى 15 أو 20 سنة من المراقبة المتواصلة.

أما مقراب غو تشو جينغ (الذي يُدعى أيضاً LAMOST)، فمصمَّم للحصول على أطياف 4 آلاف نجم دفعة واحدة، بما أن 4 آلاف ليف بصري تتصل به. وهكذا، يصبح باستطاعة الباحثين مراقبة 100 ألف نجم في غضون بضعة أسابيع. وقد أتاحت هذه القدرة الخاصة للباحثين التوصل إلى هذه النتائج الجديدة.

من الناحية النظرية يجب أن تشهد الشمس توهجاً عظيماً محدوداً كل ألفية
back to top